• نوفمبر 25, 2024 - 9:24 صباحًا

عندما يحمل الجهلة شهادات علمية

لن يتقدم هذا البلد ويتمكن من سد الفجوة التي تتسع يوما بعد يوم مع العالم المتقدم ما لم يتم حل مشكلة التعليم. لن نصل إلى شكل الدولة التي نتمناها، دولة قانون عصرية متقدمة ما لم يكن لدينا مواطنون على مستوى هذا الحلم بتلك الدولة، وهذا المواطن لن يخلق من فراغ أو من واقع سلبي، بل إن الوسيلة الوحيدة لخلق هذا المواطن بتلك الصفات هو نظام تعليمي راق ومتطور ومناسب. هذه حقيقة مهما حاولنا أن نتجاوزها ونحاول الترقيع هنا وهناك فإن النتيجة لن تكون إلا تعميق لحالة التشوه التي نراها ونعيشها.
ظل الرأي العام يطالب لسنوات طويلة بتغيير مسؤولي التعليم، وفِي كل مرة تتجاوب الدولة وقيادتها وتغير المسؤولين، وعلى رأسهم الوزراء المعنيون، ويأتون بغيرهم، وهم هنا يظنون أنهم قد خطوا خطوات كبيرة لإصلاح التعليم، والحقيقة أن هذا يأتي في إطار سياسة الترقيع دون المواجهة الجادة والواعية لحقيقة المشكلة.
ليس كل من تولي مسؤولية التعليم من وزراء كانوا فشلة، الحقيقة أن معظمهم كان مظلوما في موقعه بسبب الواقع الذى يحيط به ولن يتمكن وحده ـ لو أراد ـ أن يغيره، لأن التعليم ليس سياسة وزير ولكنه خيار أمة. ويبدو أن الأمة لم تقرر بعد.
وزيرا التعليم الحاليان رجلان فاضلان، مشهود لهما بالعلم والقدرة والنوايا الحسنة الحقيقية في إصلاح حال التعليم، ولكني أخشى عليهما من مصير من سبقتهما ولن يشفع لهما كونهما عالمين في مجالهما. عند أول مشكلة في مؤسسة تعليمية، وعند أول أزمة سوف تنطلق السهام لإصابتهما أو القضاء عليهما، مع أول ورقة امتحان صعبة في أي امتحانات قادمة سيكون الهدف الوزير الذي لا يراعي تعب وجهد التلاميذ وتضحيات الأهالى من أجل تعليم أولادهم، وهكذا يتم اختزال القضية في شكليات تافهة ويدفع المسؤولون ثمن رشوة الرأي العام بإلقاء أحدهم إلى المحرقة، وهكذا دواليك.
موضوع وضع استراتيجية للتعليم في مصر أظنه ينبغي أن يكون المشروع القومى الأول في مصر، ووضع هذه الاستراتيجية هي مهمة المتخصصين عالميا ومحليا، ومع احترامي للبرلمان فليس من وظيفته تحديد استراتيجية للتعليم، مؤكدا أن هذا الأمر من اختصاص الخبراء في المجال بإشراف الحكومة، ودور البرلمان مراقبة تطبيق هذه الاستراتيجية
وفي إطار الحديث حول التعليم ومشكلاته، فإن إحدى القناعات المهمة حول هذا الموضوع أو هذه القضية هي تلك القناعة بأن الأساس في تطوير التعليم هو خلق حالة تعليمية متناسبة مع قيمة مصر واحتياجاتها وتغيير ثقافة المجتمع الذي مازال يتعامل مع التعليم باعتباره رشوة من الدولة للمواطنين عليها أن تلتزم بدفعها لكل مواطن بغض النظر عن استحقاقه لها من عدمه، وهنا عندما نتحدث عن مفهوم التعليم فلا أقصد به مستوى معينا من التعليم، ولكن مفهوم التعليم انحصر عند عدد كبير منا عند حدود الشهادة الدراسية، الحصول على شهادات دراسية هو الأساس وهو المهم، ليس مهما التحصيل، ليس مهما إذا خرج الطالب يعرف كيف يكتب ويقرأ أم لا، ولكن المهم أن يحصل على الشهادة، وليس مهما أن يكون متحدثا بالإنجليزية أو يفهمها أولا، ولكن المهم أن ينجح في امتحان اللغة الإنجليزية، ويحصل فيها على أعلى الدرجات ليس مهما أن يخرج المهندس عالما بالهندسة، أو الطبيب عارفا بأسرار العلاج والطب، أو المحامي قادرا على التعامل مع القانون ولكن المهم أن يخرج كل من هؤلاء حاملا شهادة جامعية تقول إنه تخرج مهندسا أو طبيبا أو محاميا، ولكن ماذا تعلم أو ماذا حصل، فهذا لا يهم.
أظن أن هنا بيت الداء، عندما نصل نحن كمجتمع إلى الاقتناع بأن هدف التعليم هو التعليم بالفعل، هنا فقط تكون البداية الصحيحة، لأننا في هذه الحالة سوف نتراجع نحن كمواطنين وآباء لأصحاب الخبرة الحقيقية في مفاهيم التعليم ليضعوا استراتيجية صحيحة للتعليم، استراتيجية تهتم بتخريج متعلمين حقيقيين لا حاملي شهادات، عندها علينا أن نسلم بأن لهذا ثمنا، وعلى المجتمع أن يكون مستعدا لدفع هذا الثمن، بالتنازل عن مفهوم الحصول على الشهادة بأي ثمن، ولكن الحصول على متعلمين حقيقيين، لا جهلة يحملون شهادات.

Read Previous

نحو فهم أعمق للنموذج الغربي

Read Next

المصير ينادي … اعقلها وتوكل يا أبا السلطات

0 0 votes
تقييم المقال
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments

Most Popular

0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x