وسط كل هذا الصخب السياسي الذي تشهده الكويت هذه الأيام، تكاد تختفي الأصوات الداعية إلى التعقل والحكمة، وضرورة الوعي بأن الغاية الأسمى لكل السلطات وسائر مؤسسات الدولة، هي تحقيق التنمية التي نطمح إليها في جميع المجالات، ليس فقط للجيل الحالي، وإنما أيضا لكل الأجيال القادمة.
ولا يكاد يختلف أحد على أن هذه التنمية المنشودة، لا يمكن أن تتحقق إلا في مناخ من الاستقرار السياسي، يتيح للجميع أن يعملوا، ويوفر الأرضية المناسبة لإطلاق عملية تنموية كبرى تليق بالكويت، وبريادتها الاقتصادية في المنطقة، وبكونها صاحبة مبادرات خلاقة في هذا الميدان، والسباقة إلى إنشاء مؤسسات اقتصادية واستثمارية أصبحت نموذجا رائدا يحتذى في دول كثيرة.
هذا المناخ المطلوب هو مسؤوليتنا جميعا، لكنه بلا شك مسؤولية السلطتين التشريعية والتنفيذية بالدرجة الأولى.
صحيح أن أحدا لا يستطيع أن ينازع ممثلي الشعب تحت قبة البرلمان، حقهم في استخدام أدواتهم الدستورية لمراقبة الحكومة ومحاسبتها، لكن ذلك يمكن أن يتم ـ كما يحدث عادة في الدول عريقة الديموقراطية ـ في إطار من الرشد والنضج السياسيين، ومن دون الدخول في أزمات واحتقانات سياسية، تزعزع الاستقرار الذي هو أساس التنمية وحامي مكتسباتها. . ولا حاجة بنا إلى أن نكرر ما سبق أن نبهنا إليه كثيرا، من أهمية أن نأخذ الدرس والعبرة، من تجارب دول عديدة في المنطقة، قادتها حالة عدم الاستقرار إلى أزمات وكوارث أكلت الأخضر واليابس، ولم تترك فيها شيئا قائما على حاله.
ومن المهم أن نستذكر أيضا أن الكويت ليست كما يريد البعض أن يصورها، دولة غارقة في الفساد، فتلك صورة سوداوية ظالمة، وبالتأكيد غير حقيقية، وليس أدل على ذلك من أن لديها الكثير من المؤسسات التي تراقب الأداء الحكومي. وتتعقب الفساد وتحيل المتورطين فيه إلى القضاء، كما أن لديها إعلاما قويا وقادرا على فضح الفساد، وتسليط الأضواء عليه والتحذير من عواقبه. غير أن ما نأمله وندعو إليه هو ألا يتحول الأمر إلى «فوبيا» تجعل كل مسؤول حكومي خائفا ومترددا وعاجزا عن اتخاذ أي قرار، ولو كان موقنا أنه قرار إيجابي ويسهم في خدمة وطنه ومواطنيه، خشية أن يتهم بالفساد، في وقت نحن أحوج ما نكون فيه إلى مسؤولين مبادرين وشجعان، وقادرين على تحطيم الروتين، والانتقال بحق إلى مرحلة الحكومة الإلكترونية، وإزالة المعوقات والعراقيل أمام الراغبين في الاستثمار والإسهام بجدية في عملية التنمية.
نعم نتمسك بديموقراطيتنا ونعتز بمسيرتها الطويلة والمشرفة، لكننا نعتقد أن هذه الديموقراطية قد بلغت سن النضج، ولم يعد جائزا ولا سائغا أن يتخذها أحد سبيلا لإشاعة حالة من عدم الاستقرار السياسي، او تعويق خططنا وإستراتيجياتنا التنموية، التي ينبغي أن يتكاتف الجميع من أجل إنجازها والحفاظ على مكتسباتها، التي هي حق أصيل لكل أبناء الكويت، حاضرا ومستقبلا.