ستضافت السلطنة، خلال الأيام الاخيرة مؤتمرين على جانب كبير من الأهمية، الأول هو المؤتمر العالمي السادس والأربعون للاتحاد الدولي لمنظمات التدريب والتطوير، الذي عقد تحت عنوان «الموارد البشرية في مرحلة الأزمات ـ دورها في النهوض بالاقتصاد»، والذي نظمته الجمعية العمانية لإدارة الموارد البشرية، بالتعاون مع معهد الإدارة العامة وعدد من الجهات الأخرى، والمؤتمر الثاني هو مؤتمر «الاستثمار في الثقافة» الذي نظمه النادي الثقافي بالاشتراك مع وزارة التراث والثقافة والجمعية الاقتصادية العمانية وبيت الزبير. وبينما حظي المؤتمران باهتمام كبير، ومشاركة واسعة، عُمانية وعربية ودولية، فانه من الواضح أن المؤتمرين يلتقيان في الواقع عند سبل النهوض الاقتصادي، سواء عبر العناية بالموارد البشرية، التي تعد أغلى موارد الوطن، أو بالاستفادة من الثقافة، وقدرتها على تعزيز التطور الاقتصادي، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، بل وطرح منتجات ثقافية ذات قيمة اقتصادية، وهو ما تعرضت له العديد من أوراق العمل والمناقشات في المؤتمرين.
وبينما تشكل الموارد البشرية في المجتمع واحدة من أهم الموارد الاقتصادية ان لم يكن اهمها، بحكم الدور الحيوي، بل وبالغ التأثير للعنصر البشري في استثمار الموارد الاقتصادية الاخرى المتاحة، وحشدها وتوجيهها نحو تحقيق تنمية وتطور اقتصادي ملموس يعود بالخير على الوطن والمواطن، في حاضره ومستقبله، فإن الثقافة كقطاع واسع ومتعدد الوسائل، ترتبط بشكل مباشر بالانسان، كمبدع ومنتج لأشكال والوان الثقافة المختلفة والمتعددة من ناحية، وكمستهلك ومستمتع ومستفيد منها أيضا بطرق وأساليب عديدة في حياته من ناحية ثانية. ومن ثم فإنه لم يكن غريبا على أي نحو ان تكون الثقافة إحدى أدوات القوة الناعمة للمجتمعات ذات الحضارة، ومنها المجتمع العُماني بالطبع، بحكم ما يملكه من مخزون ثقافي وتراثي كبير ومتنوع وممتد ايضا، عبر حقب التاريخ المختلفة.
من جانب آخر فان الثقافة قادرة بطبيعتها على الوصول الى عقول وأفكار مختلف فئات المجتمع، ومن ثم امكانية النهوض بها وحشدها، او على الأقل الإسهام في ذلك للدفع نحو تحقيق الأولويات والأهداف الوطنية في المراحل المختلفة من ناحية، فضلا عن قدرتها غير المحدودة على ابراز ما يملكه المجتمع من مقومات ثقافية وسياحية، ومن قدرة على التفاعل مع التطورات الجارية من حوله، وبما يجعله قادرا على جذب مزيد من الاستثمار الاقتصادي والنشاط السياحي، بل والمؤتمرات الثقافية والمعارض الفنية وغيرها، بما تعنيه من تنوع وثراء، ومن مردود اقتصادي ايضا. ومن المعروف على نطاق واسع ان حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ في اهتمامه بالمواطن العُماني، جعل التعليم والثقافة والعناية بالتراث العماني، ركيزة أساسية، من ركائز العناية ببناء المواطن وتحقيق التنمية والتطور الاقتصادي، وهو ما تعمل من أجله وتلتزم به حكومة جلالته أبقاه الله ـ في مختلف المجالات.