لدى الكويت كل عوامل ومؤهلات الاستقرار، من حكم رشيد لا يقيم حواجز بينه وبين شعبه، بل يشرع أمام مواطنيه الأبواب للالتقاء بالحاكم، ويحرص على التواصل مع كل فرد فيه وتلمس احتياجاته وهمومه، والإنصات لكل الرؤى والطروحات التي يمكن أن تنهض بالوطن، وديموقراطية تتطلع شعوب كثيرة لأن تتمتع بمثلها، وتمكين صارم لدولة القانون التي يصبح جميع المواطنين فيها سواسية، في الحقوق والواجبات، وإعلان للحرب على الفساد بكل أشكاله، ومحاسبة مرتكبيه مهما كانت مناصبهم ومواقعهم الوظيفية.
وعلى الرغم من ذلك كله فإنه يكاد ينطبق علينا المثل الشعبي الشهير «يا من شراله من حلاله علة».. فنحن نبحث بأنفسنا عما يجلب لنا المشكلات والأزمات، والتي إذا حاولت أن تعرف أسبابها ومبرراتها، فلن يخرج الأمر عن كونه سعيا من البعض إلى تحقيق مصالحهم الشخصية، ولو كان ذلك على حساب المصلحة العليا لوطنهم، وعلى حساب أمنه واستقراره، حتى لو غلف هؤلاء أهدافهم الحقيقية بشعارات براقة، تزيف الواقع وتقلب الباطل حقا والحق باطلا. وهم ـ مع الأسف ـ لا يرون أبعد من أرنبة أنوفهم، لأنهم ببساطة لو كانوا يتمتعون بالحد الأدنى من الإدراك والوعي، لأيقنوا أن مصلحتهم لا تنفصل بأي وجه عن مصلحة دولتهم، ولتفانوا في ترسيخ أمنها واستقرارها، والنأي عن كل ما يضرها أو يشكلا مساسا بها أو أذى لها.
إننا لن نمل من التذكير بما يحدث من حولنا في العديد من دول المنطقة، وأخذ العبرة منه، والنظر في ما آلت إليه الأمور لديهم، وكيف تحولت أوطانهم إلى «أشباه دول»، بعد أن كانت تنعم باستقرار جيد، وانعدم فيها الأمن والأمان، واشتعلت بين أبنائها حروب أهلية، أهلكت الحرث والنسل، ولم تبق فيها حجرا على حجر. ومن ثم فإن من المحتم بناء على هذه الرؤية ترشيد ممارساتنا السياسية، سواء داخل مجلس الأمة، عبر حسن استخدام الأدوات الدستورية، وتجنب الإسراف في توتير العلاقة بين السلطتين، والذي لن يستفيد منه أحد، بل سيتضرر منه الجميع، أو ما يحدث خارج المجلس أيضا من فعاليات سياسية، تتسبب في الكثير من الاحتقان السياسي، وترفع سقف الصدام مع مؤسسات الدولة، وتضرب في الصميم تماسك المجتمع ووحدته الوطنية.
ولا ندري إن كان هؤلاء يدركون خطورة ما يفعلون، والتداعيات التي يمكن أن تترتب على ممارساتهم تلك، وعما اذا كانوا قد سألوا أنفسهم : هل تتحمل دولة صغيرة مثل الكويت، كل هذا الشحن الخطير والمؤذي؟
إننا نتمنى أن يقول العقلاء كلمتهم، وأن يفرضوا حكمتهم، حتى لا تسود الغوغائية التي هي أساس الفوضى والباعث عليها والمؤدي إليها، وأن نعي جميعا بأننا في سفينة واحدة، وأنه ليس من حق أحد أن يخرق هذه السفينة، ومن واجبنا أن نمنعه لننجو جميعا.
إن الكويت التي قدمت الكثير لأبنائها، لا تستحق أن نفعل بها ذلك، فارحموا الكويت، واتقوا الله فيها وفي أنفسكم، وردوا لها ولو بعضا من جميلها عليكم، وتعاونوا بكل ما تملكون من أجل حماية أمنها واستقرارها ووحدتها الوطنية.