• نوفمبر 23, 2024 - 5:32 صباحًا

لا تخسروا الإمام الأكبر «الطيب»

امتدادا للحديث حول حملة الهجوم غير الموفقة على الأزهر أتناول اليَوْمَ الحديثَ عن شيخه، وقد سبق أن تحدثت عنه في أكثر من مناسبة. القاعدة الأولى الحاكمة هى أن معايير التقييم تكون من ذات طبيعة بيئة من يخضع للتقييم، بمعنى أن معايير تقييم رجل الدين هى بالتأكيد تختلف عن معايير تقييم رجل السياسة أو الأدب أو الفن، وهذا منطق ينبغى أن يكون حاكما.
لا يمكن الحديث عن مصر خلال السنوات الماضية دون الحديث عن الأزهر، ودور شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب، الذي أعاد للأزهر بريقا كان قد توارى طويلا، وخلال فترة حكم الإخوان عمل على الحفاظ على دوره التنويرى والسياسى، وذكرنا بمشايخ الأزهر الذين لعبوا دورا وطنيا خلال المراحل التاريخية المختلفة في مصر، من مقاومة الاحتلال الفرنسى والإنجليزى.
لا يقل الدور الذي لعبه أحمد الطيب عن ذلك، وهو الذي أطلق مبادرات التهدئة خلال الفترة التي أعقبت 25 يناير 2011، مبادرة تلو المبادرة، وأطلق الوثائق الجامعة حول دولة مدنية تفتخر بعروبتها وإسلامها، وثيقة تلو الأخرى، ووقف حجر عثرة طوال عام كامل، بل طوال ثلاثة أعوام أمام مشروع الإخوان، الذي كان يريد القضاء على الأزهر ومشروع الإسلام الوطنى، ولايزال يقف، ولايزال يواجه الإرهاب والظلامية في الأزهر، الجامع والجامعة والمشيخة.
هذا الرجل الذي حافظ على مصر طوال سنوات ما بعد الفوضى لم تكن مصر وحدها خلالها هى المهددة، بل الإسلام الوسطى الذي يقوده الأزهر، الذي أُفضل أن أدعوه دائما بالإسلام الوسطى، وكان أسهل ما يمكن أن يفعله أن يتخلى عن مكانه أو يصمت، لكن آثر الصمود، حتى خرج يوم 3 يوليو مع الفريق أول عبدالفتاح السيسي ليعلن انحيازه لثورة الشعب المصري، ويؤكد أن الإسلام لا يمكن اختطافه من قبيل فصيل سياسي، أو أيديولوجيا تتخفي وراء الإسلام لتحقيق أغراض أخرى.
وسوف أعيد مرة أخرى ما سبق أن كتبته عن الرجل.. استطاع الشيخ أحمد الطيب أن يكون حالة مصرية خالصة، يحبها المصريون، ويرونه رمزا تنويريا لهم، هذه الحالة التي تصاحب الشيخ أحمد الطيب من القبول أينما ذهب بدأت عندما تم اختياره لكي يكون شيخا للأزهر، رغم بعض الأصوات الصادرة من بعض الاتجاهات السياسية التي انتقدت قرار توليه الإمامة الكبرى، إلا أن هذه الأصوات اختفت وسط تيار الترحيب برجل يحمل من الصفات ما سمع الناس عنها، ولمسها من اقترب منه، والأمل في أن يعيد للأزهر المكانة التي هي له بحكم التاريخ والمكانة والأثر في العالم، وهو ما استطاع فعله منذ ذلك الوقت حتى الآن.
شخصيا، كنت من أشد المتحمسين للشيخ الطيب منذ أن كان مفتيا للديار المصرية، كنت قد التقيته ذلك الوقت بمكتبه بدار الإفتاء، واكتشفت ملامح شخصية المصرى الحقيقى في د. الطيب، ليس فقط ملامح «الطيبة» على وجهه، والتى هى تأكيد على أن لكل من اسمه نصيبا، ولكن أيضا لما امتلك من أركان تكوين شخصية ضاربة في جذور مصر بثقافتها وتاريخها وتسامحها وتعددها، لذلك ما كنت أتمناه عندما بدأ الحديث عن شيخ جديد للأزهر أن تُلقى المهمة على عاتق د. الطيب.
الدكتور أحمد الطيب شخصية متعددة الجوانب، ويجمع بين صفات تبدو للوهلة الأولى متناقضة، لكنها بشىء من التأمل تبدو متكاملة، فهو يحمل صرامة الرجل الصعيدى القادم من الأقصر، ويحمل استنارة وليونة الرجل المتحضر، ولديه زهد المتصوفين الذين ينتمي إليهم.
بسيط من أسرة بسيطة، لكنها متميزة من الناحية العلمية والاجتماعية لا من الناحية المادية، فأجداده جميعهم تقريبا من العلماء، ويقول إنه اكتسب صفاته من جده الأكبر العالم الجليل الذي توفى عام 1956 عن عمر يناهز مائة عام، وبلدته التي ينتمي إليها، وهي القرنة، بمحافظة الأقصر بجنوب مصر، لا هي قرية ولا هى مدينة، ولا هي خليط بين الاثنتين، لكنها تجمع كل تاريخ وحضارات مصر المتعاقبة منذ الفراعنة.
إذن د. الطيب هو ابن الحضارة المصرية الضاربة في جذور التاريخ، وهو ابن الثقافة المصرية الوسطية، ووثيق الصلة بالصوفية التي بدأت من مصر، وجذوره الفكرية هي الأصول الفكرية الصحيحة للإسلام.
ويحضرني هنا ذلك اللقاء الذي رتبت له منذ أكثر من عامين بين دكتور الطيب وماري لوبان المرشحة للرئاسة الفرنسية، كانت هي من طلبت لقاء الشيخ، وفي اللقاء أكد شيخ الأزهر أحمد الطيب أنه «لا يوجد إسلام سياسي ولا إسلام متطرف، لكن هناك مسلمين معتدلين يفهمون صحيح الدين، وهم كثرة، وآخرين متطرفين، وهم قلة أساءت فهم الدين»، محملا «الغرب مسؤولية تفشى تيارات العنف، لأنه احتضن الإرهابيين وأمّن لهم بيئة خصبة لنشر التطرف والعنف في الدول الإسلامية»، وهو ما اتفقت معه عليه لوبان التي طلبت مساعدة الأزهر في فرنسا للتحري عن بئر الإرهاب ثم محاربته، وهو ما رد عليه شيخ الأزهر بأنه تقدم سابقا بعرض مشروع لتدريب الشيوخ كيف يحاربون أسباب التطرف، ولكنه رُفض من فرنسا بسبب طبيعتها العُلمانية.
ولكن هل إدارة الأزهر للجدل الدائر كانت إدارة موفقة؟ تقديري أن الأزهر لم يتعامل بما كان متوقعا منه من قبل أولئك الذين يقتنعون بأهميته ودوره، ولكن يتحفظون على العديد من تناوله وتعامله وتواصله مع مجتمعه المحيط، وهذا حديث آخر.

Read Previous

اتحاد الكرة ينسق مع جهات حكومية للقضاء على المراهنات

Read Next

عندما بكت السيدة الرئيسة!!

0 0 votes
تقييم المقال
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments

Most Popular

0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x