اكد الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي أن مصر ستظل دوما مستعدة للاضطلاع بدورها كنموذج للإسلام المعتدل، وذلك لما تمتلكه من مقومات حضارية وتاريخية، مشيرا إلى أن المصريين المسيحيين هم جزء لا يتجزأ من النسيج الوطني المصري.
واستقبل الرئيس عبدالفتاح السيسي، بقصر الاتحادية، البابا فرنسيس، بابا الفاتيكان، الذي قام بزيارة رسمية لمصر، حيث أقيمت مراسم الاستقبال الرسمي، وتم عزف السلامين الوطنيين.
وقال السفير علاء يوسف، المُتحدث الرسمي باسم رئاسة الجمهورية، إن الرئيس عقد جلسة مباحثات ثنائية مع البابا فرنسيس، أعقبتها جلسة مباحثات موسعة، ضمت وفدى البلدين، حيث رحب ببابا الفاتيكان، مُعربا عن تقديره لشخصه ولمواقفه الدولية المستندة إلى القيم والمبادئ الروحية والإنسانية، ومشيدا بحرصه على إتمام تلك الزيارة المهمة التي ترسل رسائل متعددة عميقة الدلالة، في وقت عصيب يمر به العالم كله، وعبر الرئيس عن اعتزازه باللقاء الذي عقده مع البابا فرنسيس في الفاتيكان في شهر نوفمبر 2014، والذي سمح بالتعرف على شخصية البابا المتميزة، مُعربا عن التقدير لدعم البابا لمصر، وذكر مصر باستمرار في صلواته ودعواته.
وأضاف المُتحدث الرسمي أن البابا فرنسيس أعرب عن سعادته بزيارة مصر، مشيرا إلى مساهماتها القيمة في تاريخ البشرية وسعيها لتحقيق السلام، وأكد البابا فرنسيس أهمية الدور الذي تقوم به مصر في الشرق الأوسط، مثمنا جهودها من أجل التوصل لتسويات للمشاكل الملحة والمعقدة التي تتعرض لها المنطقة، والتي تتسبب في معاناة إنسانية كبيرة للبشر، وأشار إلى دعمه لجهود مصر في وقف العنف والإرهاب، فضلا عن تحقيق التنمية، مشيدا بالجهود التي تبذلها للوصول إلى الازدهار والسلام.
وذكر السفير علاء يوسف أنه تم خلال اللقاء التباحث حول سبل تعزيز مختلف جوانب العلاقات بين مصر والفاتيكان، لا سيما في ضوء تزامن زيارة بابا الفاتيكان لمصر مع الذكرى السبعين لإقامة العلاقات الديبلوماسية بين البلدين.
واستعرض الرئيس خلال اللقاء عددا من القضايا الوطنية، حيث أشار إلى ما يتحمله الشعب المصري بكل شجاعة من أعباء فى إطار مواجهة التطرف والإرهاب، مؤكدا أن مصر ستظل دوما مستعدة للاضطلاع بدورها كنموذج للإسلام المعتدل، وذلك لما تمتلكه من مقومات حضارية وتاريخية.
وأكد الرئيس أن المصريين المسيحيين هم جزء لا يتجزأ من النسيج الوطني المصري، وأن الدولة تتعامل مع كافة أبناء مصر على أساس المواطنة والحقوق الدستورية والقانونية، فضلا عن ترسيخ ثقافة المساواة والانتماء الوطني، الأمر الذى حصّن مصر بنسيج اجتماعي متين تمكنت بفضله من دحر قوي التطرف والظلام.
وتبادل الجانبان في ختام اللقاء الميداليات التذكارية، حيث قدم قداسة البابا ميدالية تذكارية أصدرها الفاتيكان بمناسبة زيارته إلى مصر، تم فيها إبراز لجوء العائلة المقدسة إلى مصر، بينما قدم الرئيس لوحة تذكارية تُمثل احتفاء مصر بالعائلة المقدسة على أرضها.
وكان البابا فرنسيس الثاني، بابا الفاتيكان، بدأ الأسبوع الماضي زيارة تاريخية هي الأولى له لمصر منذ جلوسه على كرسي «مار بطرس الرسولي» في روما، حيث التقى رئيس الجمهورية عبدالفتاح السيسي في قصر الاتحادية، والإمام أحمد الطيب، شيخ الأزهر، والبابا تواضروس الثاني، بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية.
ووصل «فرنسيس» في الثانية إلى مطار القاهرة، وكان في استقباله المهندس شريف إسماعيل، رئيس مجلس الوزراء.
وجرت مراسم استقبال رسمية للبابا في قصر الاتحادية، وبعدها عقد مع «السيسي» جلسة مباحثات، تناولت تعزيز العلاقات بين مصر والفاتيكان، بحضور المهندس شريف إسماعيل، رئيس الوزراء، وسامح شكري، وزير الخارجية، واللواء مصطفى شريف، رئيس ديوان رئيس الجمهورية، ومحمد مختار جمعة، وزير الأوقاف، ونبيلة مكرم، وزيرة الهجرة.
ورحبت نبيلة مكرم، وزيرة الدولة للهجرة وشئون المصريين بالخارج، بزيارة البابا لمصر، مؤكدة أنها «أبلغ رسالة للعالم على استقرار الأوضاع واستتباب الحالة الأمنية في مصر».
وقدمت «مكرم» تحية تقدير وثناء على قرار البابا فرنسيس تنفيذ الزيارة في موعدها المحدد، بما يُظهر مساندة من الفاتيكان لمصر في معركتها ضد الإرهاب، ويعطي رسالة قوية للخارج تفيد بأن مصر تعمل بالفعل على إقرار الأمن والسلام في المنطقة.
وأشارت وزيرة الهجرة إلى «الأجواء المرحبة بزيارة البابا من المصريين جميعا، والحماسة التي تغمر البلاد على المستويين الرسمي والشعبي للترحيب بالقيادة الدينية البارزة»، لافتة إلى أن «زيارة البابا فرنسيس بركة كبيرة لمصر وتحمل السلام من مصر السلام، وتنقل رسالة خير ومحبة من مصر مهد الأديان وأرض السلام للعالم أجمع».
وعقب ذلك، شارك «السيسي» والبابا فرنسيس في احتفالية بفندق «الماسة»، على شرف البابا، بحضور مختلف أطياف المجتمع والإعلاميين والصحفيين، وعقب لقاء الرئيس توجه البابا للقاء فضيلة الإمام الأكبر الشيخ أحمد الطيب.
وتضمنت أجندة زيارة بابا الفاتيكان لمصر، زيارة الكنيسة البطرسية في العباسية التى تعرضت لتفجير إرهابي نهاية العام الماضى، بالإضافة إلى الكاتدرائية المرقسية بالعباسية، وذلك لتوقيع بيان مشترك مع البابا تواضروس، بخصوص «الاعتراف المتبادل بسر المعمودية بين الكنيستين الأرثوذكسية والكاثوليكية»، وهو أحد الأسرار المقدسة بالكنيسة، ويعتبر هذا البيان خطوة في طريق الاعتراف المتبادل بـ«سر المعمودية»، ويعتبره الكثيرون بيانا «تاريخيا»، تم بحثه منذ زيارة البابا تواضروس للفاتيكان في 2013، وتم الاتفاق على التوقيع عليه خلال زيارة بابا الفاتيكان للكاتدرائية المرقسية بالعباسية في إطار زيارته لمصر، وأثار هذا البيان جدلا قبطيا واسعا، واتهامات للكنيسة القبطية الأرثوذكسية بـ«التفريط فى إيمانها لصالح الهرطقة».
وردا على هذه الاتهامات، أصدر البابا تواضروس، وسكرتارية المجمع المقدس برئاسة الأنبا رافائيل، سكرتير المجمع المقدس وأسقف عام كنائس وسط القاهرة، بيانا، أكدوا فيه أن ما يثار مجرد «شائعات خرجت بلا قراءة لنص البيان الذى تم توقيعه»، مستنكرين ما وصفوه بـ«الأقوال الكاذبة التي تُشاع على وسائل التواصل الاجتماعي حوله».
وحملت زيارة البابا إلى مصر شعار «بابا السلام في أرض السلام»، وشهدت إجراءات أمنية، مشددة من قبَل القوات المسلحة والشرطة، وأشرف على عملية التأمين رئاسة الجمهورية بالتعاون مع إدارة الحرس البابوى في الفاتيكان.
واتخذت القوات المسلحة، بحسب بيان صادر عنها، كافة إجراءات التنسيق والتعاون الكامل مع الأجهزة الأمنية لوزارة الداخلية لاتخاذ كافة التدابير والإجراءات الأمنية لتأمين زيارة بابا الفاتيكان والوفد المرافق له إلى مصر.
وترأس البابا قداسا إلهيا باستاد الدفاع الجوي، بمشاركة 25 ألفا من الأقباط الكاثوليك، وهو القداس الذي يخضع لحماية القوات المسلحة، وتم تنسيق فعالياته بين الكنيسة القبطية الكاثوليكية في مصر وإدارة الشئون المعنوية بالقوات المسلحة وعدد من أجهزة الدولة السيادية بناء على توجيهات القيادة العامة للقوات المسلحة بتسخير كافة الإمكانات الإدارية والفنية والتقنية لنجاح التنظيم لهذا الحدث التاريخي، واستخدام أحدث تقنيات الصوت والتصوير لنقل القداس والمراسم المصاحبة له.
وتم خلال القداس إذاعة فيلمين تسجيليين من إعداد إدارة الشئون المعنوية والكنيسة الكاثوليكية، أولهما عن حياة البابا فرنسيس منذ النشأة، وحتى توليه رئاسة الفاتيكان، بجانب مادة عن الكنائس التي تضررت من العمليات الإرهابية السابقة، والتي قامت الهيئة الهندسية بالقوات المسلحة بترميمها ورفع كفاءتها وتطويرها.
وقرر المنظمون للقداس أن يحيي البابا آلاف الأقباط المشاركين في القداس في استاد الدفاع الجوي عبر سيارة مكشوفة في ظل التأمين المشدد للحدث، وتم تهيئة «الدفاع الجوي» لإقامة القداس حيث تم تغطية أرضيته بالكامل بشرائح بلاستيكية وسجاد ومقاعد المصلين وتجهيز ٣ منصات رئيسية على أرضية الاستاد وتخصيص واحد منها للهيكل المقدس (المذبح) الذى يقيم به بابا الفاتيكان صلاة القداس.
وتناول البابا، عقب ترؤسه القداس، الغداء مع رجال الدين المسيحي والوفد المرافق له، وإجراء بعض اللقاءات مع الكنيسة القبطية الكاثوليكية، ليختتم زيارته لمصر بمراسم الوداع التي تجريها له الكنيسة الكاثوليكية ويلقي خلالها كلمة، ليغادر مطار القاهرة الدولي في الخامسة وتهبط طائرته في مطار روما.