لم أصدق عيني وتردد سؤال في داخلي: هل ما أراه حقيقى؟ موقف للسيارات على كورنيش الإسكندرية! جراج مُعلق عادى كالذي نراه في بعض شوارعنا، أي مجموعة من الأعمدة الخرسانية ذات واجهات مفتوحة تقف بينها السيارات، يتم بناؤه الآن في مجرى شارع الكورنيش الذي ظل ممتدا من المنتزه حتى رأس التين لمسافة تزيد على ثلاثين كيلومترا دونما عائق واحد؟ جراج مُعلق على البحر وفي نهر الطريق ستبرز منه السيارات وسيحجب مشهد انسياب شارع الكورنيش وفوقه أيضا طريق علوي لمرور السيارات في منطقة من أجمل مناطق الإسكندرية ممتدة من ستانلي حتى سيدي جابر! من الذي ابتكر هذا الكيان الغريب وأطلق عليه اسم رَفعْ مستوى الكورنيش؟ ولماذا لم يُصمم الجراج تحت الأرض؟ ولماذا ملاصق للبحر؟ ألم يلمح على بُعد خطوات منه كوبري ستانلي الأنيق ذي الطابع السكندري المستوحى من مباني قصر المنتزه والذي أصبح فُرجة ومزارا وممشى لسكان المدينة وزوارها، وأصبح متصدرا لصورها السياحية؟ ألم تتم الاستعانة بأساتذة فن العمارة في مصر وأساتذة كلية الفنون الجميلة بالإسكندرية قبل أن توضع طوبة واحدة في هذا الكيان الغريب؟ غابة من الأسمنت في مجرى طريق الكورنيش تحجب وتنتهك حق الناس في الفراغ العام وتقطع الواجهة المائية في مدينة الإسكندرية، أقدم مدن العالم، كما قال بذلك أحد أساتذة فن العمارة، الذي هاله ما يحدث لكن لم يستمع إليه أحد. مثل تلك المشروعات في أي مكان من العالم تسبقها دائما مسابقات فنية يشترك فيها الفنانون القادرون على صناعة الجمال وابتكار الأفكار ومراعاة التناسق مع البيئة المحيطة ولابد أن تخضع مقدما لحوار مجتمعي لاستطلاع رأي الناس ومقترحاتهم وإضافاتهم بل اعتراضاتهم كحق أصيل لهم، كما أن صورا نهائية للمشروعات يجب أن ترفع في المكان حتى يطلع عليها الناس، وفي حالة جراج الإسكندرية هذا لا أعتقد ولا أصدق أن حوارا مجتمعيا قد دار، ولا مسابقة فنية، ولم أجد صورة واحدة للمشروع في شكله النهائى معلّقة بالمكان.
وأعود إلى جراج البحر هذا الذي أصبح أحد مواضع رفض واستياء أهالي الإسكندرية الذين بُحّت أصوات الكثيرين منهم رفضا لما يحدث بلا مجيب، وأعود إلى تحذيرهم لي من الكتابة في هذا الموضوع، حيث إن المشروع الجديد لبناء فندق عالمي ومرسى لليخوت ومنطقة ترفيهية في منطقة مصطفى كامل على البحر مباشرة وأمامها هذا الكوبري الجراج هو مشروع تقوم به الهيئة الهندسية للقوات المسلحة. سألت: وما المانع؟ هل ممنوع الاقتراب منها في عمل مدني الطابع؟ لقد قامت الهيئة بإنجاز مشروعات عملاقة في أرجاء البلاد، خصوصا في مجال الكباري والأنفاق وأحدثت ثورة في الطرق كنا ننتظرها منذ زمن وأكسبتها طابعا أنيقا نال استحسان الجميع، لكن كباري وأنفاق الطرق العامة خارج المدن وفي المناطق الصحراوية لها مواصفات، أما في داخل المدن وعلى شواطئها وفي أجمل أماكنها فالأمر مختلف بل مختلف جدا، فلتلك الأخيرة مقاييس يجب أن تضيف إلى الجودة عناصر الابتكار والجمال والحفاظ على طابع المكان وتاريخه وقبول المواطنين له. قلت لهم: سأكتب ربما أمكن إنقاذ ما يمكن إنقاذه حبا في الإسكندرية.