رئيس مجلس إدارة شركة قرر بعد مشاورة مجلس الإدارة أن يتبع بعض الإجراءات من أجل تحسين أداء العاملين بهدف رفع إنتاج هذه الشركة التي تصدر 60 في المائة منه للخارج، وبالتالي فهي من الشركات المحظوظة هذه الأيام؛ لأنها تحصل على عملة صعبة، ويعمل بها حوالي 800 عامل وموظف.
وبعد مناقشات تم الاتفاق على أن التقييم سيكون كالتالي:
حصل 10 في المائة على تقدير امتياز وهؤلاء سوف يحصلون على 28 في المائة زيادة في الراتب، وحصل 15 في المائة على جيد جدا وهؤلاء سيحصلون على 21 في المائة، وحصل 50 في المائة على جيد وهؤلاء سيحصلون على 16 في المائة زيادة، وحصل 15 في المائة على تقدير مقبول وسيحصلون على 11 في المائة، وفى حين حصل 10 في المائة على تقدير ضعيف وهؤلاء سيحصلون على 7 في المائة، وهو الحد الأدنى للزيادة، أي أن أقل عامل إنتاجا سيحصل على زيادة في أجره قدرها 7 في المائة.
وعندما أعلنت الإدارة هذا المعايير، فوجئت بأن غالبية العمال والموظفين يرفضون هذا التقييم، ويريدون أن يحصلوا جميعا على نسبة زيادة موحدة، ولتكن هو الـ 28 في المائة المخصصة فقط للحاصلين على تقدير امتياز.
الإدارة دخلت في مفاوضات مطولة مع العاملين، وحاولت إقناعهم بأنه لا يمكن المساواة في الزيادة بين العامل المجتهد جدا والعامل الكسول والضعيف جدا، لكنهم رفضوا بإصرار عجيب، وأصر معظمهم على الإضراب عن العمل حتى تتم المساواة في الزيادة الأعلى!.
رئيس مجلس الإدارة يؤمن إيمانا أكيدا بأنه لا يمكن المساواة بين الجميع مادام هناك «متميز وعادي»، وأن أحد أسباب تراجع الإنتاج في مصر بصفة عامة، أننا نرفع شعار «كله زي بعضه» وبالتالي، رفض الاستجابة لمطالب توحيد في الزيادة، وقرر إغلاق الشركة لمدة أسبوعين، وتأجيل صرف حوافز شهر فبراير، وإلغاء حوافز شهر مارس، طالما أن الناس توقفت عن العمل، كما قرر فصل خمسة من الموظفين الذين قادوا عملية الإضراب عبر الآلية غير القانونية.
ظنى الشخصي أن العمال معذورون إلى حد كبير، لأنهم تعودوا على «ان كله زي بعضه»، ولا فرق كبيرا بين الناجح والفاشل، بين الجيد والضعيف، بين المتميز جدا، والعادي جدا، ولذلك فإن ما فعلوه ليس غريبا، طالما أنهم في مصر.
كنت أتحدث قبل فترة مع صاحب الشركة وهو يرى ضرورة عاجلة لتغيير المفاهيم المستحكمة في بعض العقليات التي كانت سببا فيما وصل إليه الاقتصاد المصري.
في مصر مشكلة كبيرة هي أن الجميع يريد الحصول على الحوافز والأرباح حتى لو كانت الشركة خاسرة لسنوات، وشهدنا ذلك في شركات ومصانع كبرى مثل غزل الحملة والحديد والصلب وغيرها كثير، في بعض المرات كنت ألتمس العذر لهؤلاء العاملين لأن وجهة نظرهم تقول إن سياسات الحكومة لا تتيح لهم ظروف عمل ملائمة تمكنهم من تحقيق الأرباح، بل كانت هناك سياسات تتعمد تخسير هذه الشركات ليكون هناك سبب وجيه في بيعها أو خصخصتها كما فعلت بعض حكومات حسني مبارك خصوصا عاطف عبيد. وتبين فيما بعد ان هذه الشركات بيعت بتراب الفلوس في عملية لا تخلو من تواطؤ!، ووجهة نظر هؤلاء العمال هي: «وفروا لنا أسباب النجاح ثم حاسبونا».
وإذا التمسنا بعض العذر لهؤلاء، باعتبار أن بعض الشركات العامة «بلا صاحب» يخاف عليها، فما هو العذر الذي نلتمسه لعمال في شركة خاصة، المؤكد أن أصحابها أسسوها أصلا لكي تكسب، وليست كمشروع خيري؟!.
إذا أردنا التقدم فلا بد أن يتم تغيير هذه العقلية التي تريد أن يكون الجميع «زي بعض»، في الإنتاج والإبداع هذا لا ينفع. لابد من مكافأة المبدع وألا يتم مساواته بالموظف العادي، حتى تصل رسالة للجميع أن من يتميز لابد من مكافأته، ومعاقبة الكسول، حتى يدرك ان هناك ثمنا لكسله وفشله أو حتى لأن إنتاجه عادي.
المساواة جيدة جدا ومطلوبة في أشياء كثيرة مثل القانون، لكنها مدمرة في الإنتاج لأنها تقتل روح الإبداع والابتكار والتفوق والتميز وهي الصفات الأساسية المطلوبة للتقدم.
هل يمكن أن يطالب لاعب عادي جدا في فريقي برشلونة وريال مدريد بالحصول على نفس عقد وامتيازات ليونيل ميسي أو كريستيانو رونالدو.. بالطبع هذا مستحيل!.