رسّخت المذبحة التي نفذها الارهابيون بحق عشرات المسيحيين في الظهير الصحراوي الغربي في المنيا جنوب العاصمة المصرية القاهرة خلال رحلة دينية، أولوية مجابهة التهديد الأمني لمصر من الجهة الغربية بفعل الأوضاع غير المستقرة في ليبيا، وتمكّنت خلايا إرهابية تابعة لتنظيم «داعش» من أن تجد موطئ قدم في صحراء مصر الغربية، وفتح خطوط اتصال مع أفرع التنظيم في ليبيا لمد أذرعه في غرب مصر بالسلاح والمال.
وذكر التلفزيون الرسمي المصري، أن القوات المسلحة المصرية تواصل توجيه ضرباتها ضد «معسكرات الإرهاب» في الخارج.
وقال الجيش المصري في بيان إن قواته الجوية نفذت ضربات في ليبيا أدت إلى تدمير معسكرات تدرب فيها متشددون.
ولم يحدد بيان الجيش مكان الضربات على وجه الدقة، لكن التلفزيون الرسمي قال إنها تركزت على مدينة درنة في شرق ليبيا.
وقال بيان الجيش: «نفذت القوات الجوية عددا من الضربات المركزة نهارا وليلا استهدفت عددا من تجمعات العناصر الإرهابية داخل الأراضي الليبية بعد التنسيق والتدقيق الكامل للمعلومات».
وأضاف: «أسفرت الضربة عن تدمير كامل للأهداف المخططة والتي شملت مناطق تمركز وتدريب العناصر الإرهابية التي شاركت في التخطيط والتنفيذ للحادث الإرهابي الغادر الذي استهدف عددا من المواطنين في محافظة المنيا».
ومضى البيان قائلا: «عادت نسور قواتنا الجوية إلى أرض الوطن بعد تنفيذ مهماتها بنجاح فيما تواصل القوات المسلحة مهماتها للرد بكل قوة لحماية السيادة المصرية وردع أي محاولة للمساس بعزة وكرامة شعب مصر العظيم».
وكان الجيش المصري قال: إن ضرباته الجوية في ليبيا استهدفت معسكرات متشددين تأكدت مشاركتهم في تخطيط وتنفيذ اعتداء المنيا.
وأظهر فيديو بثه التلفزيون الرسمي مع بيان الجيش تجهيز طائرات حربية بالصواريخ وانطلاقها وقصف أهداف على الأرض.
وكان الارهابيون الملثمون قتلوا عشرات المسيحيين، بينهم أطفال، في صحراء المنيا في منطقة ليست بعيدة من مسرح هجمات سابقة نفذها «داعش».
وهاجمت 3 سيارات دفع رباعي يستقلها ملثمون مدججون بالأسلحة النارية يرتدون ملابس شبه عسكرية، حافلتين ترافقهما سيارة نقل صغيرة، كانتا تُقلان عشرات المسيحيين من سكان محافظة بني سويف متوجهين إلى دير «الأنبا صموئيل» في صحراء المنيا، وأمطروهم بالرصاص، بعد التأكد من هويتهم، واستولوا على مصوغات ذهبية كانت في حوزة النساء، ما خلّف 28 قتيلا حسب وزراة الصحة حتى.
وقال مصابون نجوا من الهجوم إن المسلحين كانوا يرفعون أعلام داعش.
وكان الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي اكد أنه تم توجيه ضربة عسكرية شديدة القوة خارج حدود البلاد، لمعسكرات تدريب العناصر الإرهابية التي قامت بتنفيذ العمل الإرهابي الذي استهدف أتوبيس المسيحيين بالمنيا، مشيرا إلى أن ما حدث لن يمر مرور الكرام.
وشدد خلال كلمته التى وجهها إلى الشعب المصري عقب اجتماعه مع القيادات الأمنية والعسكرية لبحث تداعيات حادث المنيا الإرهابي على أن مصر لن تتردد أبدا فى توجيه ضربات ضد معسكرات الإرهاب في أي مكان سواء داخل البلاد أو خارجها، مؤكدا أننا لن نتردد في حماية مصر من الشر وأهله، ولن نتردد في مواجهتهم في اي مكان، مؤكدا أن سيتم ملاحقة العناصر الإرهابية داخل البلاد بكل قوة كذلك.
وأكد الرئيس أن مصر لا تتآمر على أحد ولا تعمل في الخفاء، بل تعمل بوضوح للحفاظ على الشعب والأمن القومي المصري، مهددا من يقترب من أمن البلاد بالتصدي له بكل قوة كما ينبغي.
ووجه الرئيس السيسي نداء للرئيس الأميركي دونالد ترامب، مؤكدا انه يثق في كلامه وقدرته على أن مهمته الأولى ستكون مواجهة الإرهاب في العالم، معربا عن ثقته في أنه قادر على تنفيذ هذا الأمر بالتعاون مع دول العالم المحبة للإنسانية والسلام والأمن والاستقرار.
كما وجه الرئيس كلمة للمجتمع الدولي قائلا إنه تحدث عن استراتيجية شاملة لمكافحة الإرهاب والفكر المتطرف خلال انعقاد القمةالعربية الإسلامية الأميركية بالسعودية الأسبوع الماضي، مؤكدا أنه لو تم الاتفاق على هذه الاستراتيجية فسنصبح قادرين على الصمود وهزيمة أهل الشر.
وشدد على ضرورة معاقبة الدول التي تدعم الإرهاب وتقدم المال والسلاح والتدريب للإرهابيين، دون مجاملة أو مصالحة مع هذه الدول.
وناشد الرئيس المصريين بالانتباه وتوخي الحذر والحفاظ على تماسكهم، مشيرا إلى أن الجميع متألم ومجروح من الحادث، ولكننا ندفع ثمننا كبيرا من أجل حرية حقيقية لبلدنا، التي كانت ستقع في إيدي التطرف والإرهاب، وكانت مصر ستصبح قاعدة للراديكالية في العالم.
وأوضح أن الهدف من الحادث هو إسقاط الدولة المصرية وكسر تماسك المصريين، موضحا أن استراتيجية تنظيم داعش هي عمل الفتنة بين المسلمين والمسيحيين في مصر، حتى يتم ايهام الشعب ان الدولة لا تحميه بالشكل الكافي وانه غير آمن في بلده، ومشيرا إلى أنهم يعملون منذ عدة أشهر عل كسر تماسك المسلمين والمسيحيين اعتبارا من حوادث الاعتداء على الكنائس المصرية في الإسكندرية وطنطا والكنيسة البطرسية.
وقال: إن تنظيم داعش يهدف إلى اسقاط مصر باعتبار أن ذلك سيؤدى إلى أن تسود الفوضى في العالم بأسره، موضحا أن كل جهودهم تبذل لضرب الاقتصاد المصري والسلام الاجتماعي في مصر.
وكشف الرئيس أنه حذر الأجهزة الأمنية في مصر منذ 6 أشهر، أن مقاتلي «داعش» بعد خروجهم من حلب سيتوجهون إلى سيناء والحدود الغربية مع ليبيا، وقال إننا كنا منتبهين من دخول شر كبير للبلاد عقب سقوط ليبيا، مشيرا إلى أن القوات المصرية متواجدة على الحدود منذ النظام السابق، وموضحا أن قواتنا دمرت خلال عامين قرابة 1000 سيارة دفع رباعي للإرهابين، كما دمرت 300 سيارة خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة، مشيرا إلى أن هناك جهدا كبيرا يبذل لحماية شعب مصر وأرضها.
وكان الرئيس قد تقدم بالتعزية في بداية كلمته للمصريين جميعا مسيحيين ومسلمين، وقال إن الشهداء الذين سقطوا هم من أهل مصر وأبنائها.
وقال خلال كلمته إنه رغم الألم سيظل الشعب المصري متماسكا ، وسنظل قادرين على الحرب التي نخوضها بالنيابة عن العالم كله للحفاظ على الأمن والسلام ليس في مصر والنمطقة فحسب بل العالم بأسره، مناشدا العالم أن يتحد لمواجهة هذا الشر.
وأشار الرئيس إلى أنه قد شارك في اطلاق مركز مكافحة الفكر المتطرف في السعودية ولابد أن يتحرك العالم في اطار مبادئه لمواجهة هذا الفكر.
ووجه الرئيس رسالة إلى أجهزة الأمن قال فيها أن أمن وسلامة المصريين امانة في رقبتهم، كما هي أمانة في رقبة المصريين ورقبتنا جميعا، واختتم كلمته قائلا: أعاننا الله على ما نحن فيه ووفقنا وحمانا.
واعلن تنظيم «الدولة الإسلامية» (داعش) مسؤوليته عن الاعتداء .ويمثل الهجوم استمرارا لموجة استهداف المسيحيين التي انطلقت بعد توعد التنظيم الارهابي أقباط مصر بالقتل، وبدأها من العريش حيث قتل 8 مسيحيين، وشن 3 هجمات انتحارية استهدفت كنائس كبرى تُعد رمزا للمسيحية في محافظات عدة. فبعدما شددت قوات الأمن إجراءات تأمين الكنائس وأقرت إجراءات أمنية استثنائية دائمة في محيطها، لجأ التنظيم المتطرف إلى استهداف خط سير معروف لرحلات دينية تُقل مسيحيين من محافظات في وادي النيل لزيارة دير الأبنا صموئيل.
ورجحت مصادر أمنية مسؤولية أن منفذي الهجوم قدموا من ليبيا أو على الأقل تلقوا دعما لوجستيا من متطرفين فيها عبر إحدى المدقات الجبلية التي تربط محافظتي المنيا والفيوم بالصحراء الغربية ومن ثم الصحراء الليبية.
وكان النائب العام المستشار نبيل صادق أمر مطلع الأسبوع الماضي بإحالة 48 عضوا في الخلية على القضاء العسكري. وكشفت التحقيقات أن أعضاء فيها تلقوا تدريبات عسكرية في معسكرات تابعة لـ «داعش» في ليبيا وسورية، وهي اعتمدت على تمويل مالي وأسلحة نارية ومدافع وقذائف صاروخية تم تهريبها عبر الحدود الغربية للبلاد بواسطة أعضاء من جماعة «ولاية طرابلس» في ليبيا.
وترأس الرئيس عبدالفتاح السيسي اجتماعا لمجلس أمني مُصغر لبحث تداعيات الهجوم. وقالت رئاسة الجمهورية: إن الرئيس يتابع الموقف الأمني في البلاد عن كثب.
ودان شيخ الأزهر أحمد الطيب الذي كان يزور ألمانيا الهجوم. وقال «حادث المنيا لا يرضى عنه مسلم ولا مسيحي ويستهدف ضرب الاستقرار في مصر».
وأضاف «أطالب المصريين أن يتحدوا جميعا في مواجهة هذا الإرهاب الغاشم».
ودان مفتي الجمهورية شوقي علام الهجوم وقال في بيان إن «هؤلاء الخونة خالفوا القيم الدينية والأعراف الإنسانية كافة بسفكهم للدماء وإرهابهم للآمنين وخيانتهم للعهد باستهدافهم الإخوة المسيحيين الذين هم شركاء لنا في الوطن».
ودان الهجوم رئيس الطائفة الإنجيلية في مصر القس أندريه زكي، مشددا على أنه يدين «الأعمال الإجرامية والإرهابية كافة التي تستهدف الأبرياء وتحاول أن تهدد سلامة الوطن». ودانه بطريرك الكنيسة القبطية الكاثوليكية إبراهيم إسحق.
وأعربت الكنيسة القبطية الأرثوذكسية في بيان «عن أملها في اتخاذ الإجراءات اللازمة نحو تفادي خطر هذه الحوادث التي تشوه صورة مصر، وتتسبب في آلام العديد من المصريين».
وألغت دار الإفتاء احتفالا كان مقررا لاستطلاع هلال شهر رمضان».
ودانت المملكة العربية السعودية الهجوم بأشد العبارات، وجددت تضامن المملكة ووقوفها إلى جانب مصر، وهو الموقف الذي عبرت عنه أيضا دولة الإمارات المتحدة والكويت والبحرين والعراق. ولوحظ أنه لم يصدر عن قطر أي موقف.
كما دان الهجوم الأردن والرئيس محمود عباس ووالرئيس اللبناني ميشال عون الذي اعتبره «محاولة لزعزعة الأمن والاستقرار في مصر ولإثارة النعرات الطائفية وضرب نسيج المجتمع». وكان لافتا تنديد حركة «حماس» بـ «الجريمة البشعة والمدانة بشدة».
دوليا، دان مجلس الأمن «الاعتداء الإرهابي الجبان»، مشددا على ضرورة إحالة مرتكبيه ومنظميه ومموليه إلى العدالة. كما دان الرئيس فلاديمر بوتين الهجوم الذي يدل مجددا على الطابع الهمجي وغير الإنساني للإرهاب، مشددا على ضرورة منع إفلات منفذيه ومدبريه من العقاب. واستنكرت فرنسا بأشد العبارات الهجوم، فيما دانه السفير البريطاني في القاهرة جون كاسن.