غريب أمر العديد من الناس في سلوكهم خلال شهر رمضان فهذا الشهر هو شهر عبادة وتقرب إلى الله عز وجل وليس بشهر الموائد والإسراف في تناول الطعام وفي الحقيقة فإن السلوك الغذائي الذي يتبعه الناس في شهر رمضان خاطئ من جميع النواحي الدينية والصحية والاقتصادية. فمن الناحية الدينية يقول الله في كتابه العزيز (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) ويقول الرسول عليه الصلاه والسلام (ما ملأ ابن آدم وعاء شرًا من بطنه) ومع ذلك فإن الكثير من الناس يسرفون في تناول الطعام ويملأون بطونهم حتى التخمة وأقرب دليل على ذلك هو هذه القمامة الضخمة المتراكمة عند كل منزل في هذا الشهر الفضيل.
ومن الناحية الصحية فالمعروف أن الصيام هو شهر راحة للمعدة والجهاز الهضمي والعديد من أعضاء الجسم ولكن ما يحدث هو العكس فنجد أن ملء البطون والإسراف في تناول ما لذ وطاب من كل أنواع الحلويات والأكلات الدسمة في هذا الشهر قد أدى إلى حدوث العديد من الاضطرابات الهضمية بين الناس.
أما من الناحية الاقتصادية فنجد أن أغلب الاسر تستعد لشهر رمضان بشراء المزيد من الأغذية. ونجد أن الاسر تحمل عبئا ماديا كبيرا لتوفير هذه الاحتياجات الغذائية وحتى الجهات المسؤولة قد وقعت في نفس الخطأ فهي تقوم بتوفير كميات كبيرة مضاعفة «عن الايام العادية» من اللحوم والأغذية الأخرى وكأن الفرد يحتاج أكثر من الغذاء في شهر رمضان.
إن معظم الأفراد لا يحتاجون إلى زيادة في العناصر الغذائية في شهر رمضان بل قد يحتاج بعضهم إلى كمية أقل بخاصة في المواد النشوية والدهنية «المولدة للطاقة»، وذلك راجع إلى أن حركتهم وجهدهم المبذول في شهر رمضان يكون أقل.
وفي دراسة عن التغذية في شهر رمضان تبين أن نسبة كبيرة من المفحوصين قد زادوا وزنا في شهر رمضان مقارنة بوزنهم قبل هذا الشهر وتبين أن ذلك راجع إلى زيادة تناول المواد الدهنية والنشوية.
وازن طعامك في رمضان
يجب أن تكون هناك ثلاث وجبات رئيسية في رمضان تعادل الوجبات الثلاث قبل هذا الشهر أي يجب أن يعادل السحور الفطور ويعادل الإفطار وجبة الغداء وأن تكون هناك وجبة بسيطة بينهما تعادل العشاء ومن المهم أن تكون هناك فترة زمنية معقولة بين هذه الوجبات.
يكفي تناول وجبة بسيطة عند الإفطار بشرط أن تسد الإحتياجات الغذائية للصائم ومثال ذلك تناول الهريس وعصير الفواكة الطبيعي والسلطة والتمر وفي اليوم التالي يمكن أن يحل الثريد مكان الهريس «أو أي طبق اخر»، وفي اليوم الثالث يمكن أن يحل الأرز «العيش» محل الهريس أو الثريد ويجب عدم جمع هذه الأطعمة مع بعضها البعض كما هو دارج فهو إسراف من الناحية المادية والصحية والدينية. وبين الإفطار والسحور أي حوالي الساعة العاشرة مساء يمكن تناول وجبة خفيفة مثل المحلبية بالحليب مع الفواكه الطازجة أو شرب كوب من اللبن مع التمر أو تناول بعض الحلويات الشعبية، ولكن بدون الإكثار من تناول هذه الحلويات. وتعتبر الفواكه الطازجة أنسب الأطعمة التي ينصح بتناولها في هذه الفترة أما في السحور فيفضل تناول اللبن الزبادي «الروب» مع بعض أنواع الفواكه، خصوصا إذا كان الشخص قد أفرط في تناول الأغذية خلال الليل.
وإذا كان الشخص يقوم بأعمال شاقة مثل عمال المصانع فينصح بتناول الأغذية التي تحتوي على نسبة عالية من الألياف مثل تناول الباقلاء «الفول» والخبز الأسمر والفواكه، بالإضافة إلى كوب من الحليب فإن ذلك يساعد على تحمل العطش وقلة الإحساس بالجوع.
كيف تتغلب على العطش
في رمضان
إن إرتفاع درجة حرارة الجو يؤدي إلى العطش نتيجة تعرق الجسم، ويلعب نوع الغذاء الذي يتناوله الصائم دورا كبيرا في تحمل العطش أثناء ساعات الصيام ولكي تتغلب على الإحساس بالعطش يمكن اتباع النصائح التالية:
] تجنب تناول الأكلات والأغذية المحتوية على نسبة كبيرة من البهارات والتوابل، خصوصا عند وجبة السحور لانها تحتاج إلى شرب كميات كبيرة من الماء بعد تناولها.
] حاول أن تشرب كميات قليلة من الماء في فترات متقطعة من الليل.
] تناول الخضراوات والفواكه الطازجة في الليل وعند السحور فإن هذه الأغذية تحتوي على كميات جيدة من الماء والألياف التي تمكث فترة طويلة في الأمعاء مما يقلل من الأحساس بالجوع والعطش.
] تجنب وضع الملح الكثير على السلطة والأفضل وضع الليمون عليها فقط.
] قلل من تناول الأكلات والأغذية المالحة مثل السمك المالح والمخللات والطرشي وغيرها، فإن هذه الأغذية تزيد من حاجة الجسم إلى الماء.
] يعتقد بعض الأشخاص أن شرب كميات كبيرة من الماء عند السحور يحميهم من الشعور بالعطش أثناء الصيام، وهذا إعتقاد خاطئ لأن معظم هذه المياه زائدة عن حاجة الجسم لذا تقوم الكلية بفرزها بعد ساعات قليلة من تنتولها عن طريق التبول.
تناول السوائل في رمضان
إن الإكثار من تناول السوائل في رمضان مثل الشربت والمياه الغازية يؤثر بشدة على المعدة الممتلئة بالمواد الغذائية وهذا يؤدي إلى زيادة امتلاء المعدة وتقليل كفاءة الهضم وحدوث بعض الاضطرابات الهضمية.
ويعمد بعض الأشخاص إلى شرب السوائل المثلجة بخاصة عند بداية الإفطار وهذا لايروي العطش بل يؤدي إلى انقباض الشعيرات الدموية وبالتالي ضعف الهضم ويجب أن تكون كمية الماء أو السوائل معتدلة ومتوسطة البرودة وأن يشربها الشخص بتأن وليس دفعة واحدة، وشرب كوب واحد من الماء أو العصير مع الطعام لايؤثر على كفاءة الهضم.
ومن الممارسات الغذائية الخاطئة شرب الماء بغرض دفع أو بلع الطعام في الفم وهذه الطريقة لاتعطي فرصة للطعام بأن يمضغ جيدا في الفم مما يساعد على حدوث صعوبة في الهضم.
ويجب الامتناع عن شرب الشربت فهو عديم القيمة الغذائية ولا يحتوي إلا على السكر والألوان الأصطناعية، لقد بينت الدراسات أن الإكثار من تناول الألوان الأصطناعية عن طريق الغذاء قد يسبب أضرارا صحية وحساسية عند الأطفال، إن أفضل ما يمكن تناوله من السوائل بعد الماء في شهر رمضان هو عصير الفواكه الطازجة التي لا يضاف لها سكر.
إعداد / عيسى يحيى دشتي
أخصائي التغذية العلاجية
«Dashti555@hotmail.com»