الخليج 
في يومنا هذا، وفي الكويت بالأخص، اختلفت كثير من الأمور وانقلبت كثير من المعايير، وأصبح بعض الصح خطأ وبعض الخطأ صحا.
في الكويت وبسبب كثير من الظروف والمتغيرات التي عشناها، خصوصا ما بعد الغزو العراقي الآثم على الكويت، وبسبب بعض المعالجات التي لم تكن بمستوى الحدث، وقد تكون بقصد أو بغير قصد، سادت معايير ومقايس لم تكن ذات أولوية في يوم من الأيام، ولم نكن نراها واضحة وظاهرة للعيان ومتغاضى عنها مثلما يحصل اليوم.
مجلس الأمة عندنا قدوتنا النائب والوزير وكل كبار المسؤولين يفترض أنهم قدوتنا، لأنه يفترض أنهم خيرة، وبالكويتي «نقوة» القوم، لأنهم اختيروا من آلاف مؤلفة وعينوا منهم، ومن ثم ما يقومون به هو مسار طريق تتجه إليه كل الأعين.
نظافة اليد، المصلحة الوطنية، الحوار الراقي.. كل هذه كانت بديهيات الحياة ومواصفات أي شخص يتحمل مسؤولية في أي مكان كان، إلا أن كل هذا لم يعد بديهيات لا في مجلس الأمة ولا في المناصب الكبيرة ولا في كل مكان، بل أصبح ميزة يتحدث عنها الناس وكأنها شيء غير عادي، أو نادر الوجود، لذلك كثر الفساد واتسعت دائرته وأصبح كالزئبق لا تعرف من أين تمسك به.
عندما أتحدث عن هؤلاء فأنا أتحدث عمن يفترض أن يكونوا قدواتنا من يفترض أن ينطبق كلامهم وصراخهم وتهجمهم على سرقات البلد وتردي الأحوال فيه أينما كانوا على أفعالهم التي لا نراها والتي قد يحللون بعضها بطرقهم الخاصة.
أنا لا أعمم أبدا، ولا أقدر أن أعمم، لأن هذا عين الخطأ واللامنطق، ولكن عندما تتسع القاعدة الشاذة أيام زمان وتصبح هي الظاهرة، وتكون القاعده الشاذة هي الصادق الأمين صاحب المنطق والحوار الراقي الذي تتصدر المصلحة العامة حياته الخاصة، فهذا هو ما يسمى بانقلاب المقاييس.
من هو المسؤول عن انقلاب الوضع؟ من هو المسؤول عن قلب الهرم؟ القاعدة حلت مكان الزاوية، والزاوية حلت محل القاعدة! لماذا نخرنا السوس حتى ضعفت مفاصلنا ولم نجد الدواء الذي يعيد إلى مفاصلنا القوة ليندفع جسدنا بقوة إلى الأمام؟
في تقرير استمعت إليه من إحدى الإذاعات المشهورة، كان هناك لقاء مع طالب كويتي يتحدث فيه في إطار الموضوع العام عن الغش في الامتحانات، يقول الطالب إن هناك تقنية حديثة يتبعها بعض الطلاب بالكويت في الغش، عن طريق دس سماعات متناهية الصغر بتقنية النانو، ينقل من خلالها أحد الطلبة الذين ينتهون من الامتحان مبكرا كل الإجابات عبرها.
وعقّب أحد الأطباء المتخصصين في الكويت أنه خلال فترة الامتحانات يخضع يوميا عدد من الطلبة لعمليات لانتزاع تلك السماعات من الأذن إذا تأخر إخراجها بضع ساعات، الأمر الذي يؤكد أن الغش بالمدرسة قدوته الغش في محيطه خارج المدرسة.
أعرف أن الغش موجود في كل أرجاء العالم ولكن عندما يتفنن الغشاش في طرق الغش، فهذا يعني أن المحيط قد يكون مفتوحا أمامه، ما ساعده على الوصول إلى هذه الحال.
الغش أنواع: غش بالكلمة وغش بالنوايا وغش بالثقة.. ولكم أن تتخيلوا حجم الغش حولنا!
