أحمد إسماعيل بهبهاني مع توافد الحجيج إلى الديار المقدسة في المملكة العربية السعودية، لأداء الركن الخامس من الأركان التي بني عليها الإسلام، يتطلع المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها، إلى أن تكون هذه المناسبة العظيمة فرصة لكي تستوعب الأمة الإسلامية بعض ما في الحج من عبر ودروس دلالات، لعلها تعينها على مواجهة التحديات الكثيرة والخطيرة التي تعترض طريقها الآن.
وأول وأعظم هذه الدروس أننا أمة واحدة، قرآنها واحد، ونبيهامحمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، وقبلتها واحدة، ويجمعها في يوم عرفة صعيد واحد، يصطف فيه المسلم الآسيوي إلى جانب المسلم الإفريقي، وبجوارهما يقف أيضا المسلم الأوروبي والأميركي والأسترالي، لا يفرق بينهم شيء، ولا يتميز أحدهم عن الآخر في شيء، مستحضرين جميعا قــــول نبينا محمد صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع: «إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد.. كلكم لآدم، وآدم من تراب.. ألا لا فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى».
ولا يمكن لمسلم أن يستذكر خطبة النبـــي محمد صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع، من دون أن تحضر أمامه أيضا، تلك الكلمات العظيمة التي ينبغي أن تكون نبراسا دائما للأمة، لا يغيب عنها في أي وقت، لاسيما قوله «أيها الناس إن دماءكم وأموالكم حرام كحرمة يومكم هذا»، وهو ما يتفق تماما مع ما ذكره القرآن الكريم، من جعل قتل نفس بشرية واحدة، جريمة عظمى كأن فاعلها قتل الناس جميعا. ولو أن المسلمين في كل مكان التزموا بهذه المبادئ، ووضعوها موضع التطبيق، لما رأينا كل تلك الدماء التي تراق، والأرواح التي تزهق، والمدائن التي تدمر، والعمران الذي يطوله الخراب كل يوم.
إنها مناسبة لإحياء كل القيم والمثل العليا التي جاء بها الإسلام، قيم الحق والعدل والمساواة، قيم إعلاء قدر النفس البشرية على ما عداها، قيم الوحدة والتكاتف والتآلف بين أبناء الأمة الإسلامية جميعا.. وهي قيم لو تمسكنا بها حقا، وترجمناها إلى واقع حي في حياتنا، لأصبحت أمتنا من أعظم الأمم، ولاستطاعت أن تستعيد مجدها وحضارتها وقوتها، وتشارك بنصيب وافر في صناعة الحاضر والمستقبل للعالم كله، وهو ما ندعو الله أن يحققه لهذه الأمة، وأن يهدي أبناءها إلى سواء السبيل. وكل عام وأنتم بخير.
