بالرغم من مرور آلاف السنين عليها، تظل الأفلاج العُمانية، التي تشق مجاريها، من منابعها المرئية حينا، وغير المرئية في أحيان كثيرة، وعلى امتداد كيلومترات كثيرة، حاملة المياه للشرب والزراعة وللاستخدامات المختلفة، التي ارتبطت بها على مدار الزمن، تظل ركيزة أساسية لنظام الري والزراعة في السلطنة، وظاهرة هندسية عُمانية، ترتبط ليس فقط بالتراث والجوانب الحضارية العُمانية، ولكن أيضا بقدرات المواطن العُماني، وبنجاحه في الحفاظ عليها، برغم كل التطور التقني والعلمي والعصري الذي شهدته، وتشهده الحياة، على امتداد هذه الأرض الطيبة في ظل مسيرة النهضة العُمانية الحديثة التي يقودها باقتدار حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ ولعل مما له أهمية كبيرة في هذا المجال انه تم تسجيل الأفلاج العُمانية ضمن قائمة التراث العالمي، باعتبارها معلما تاريخيا عُمانيا، وإنجازا حضاريا للإنسانية أيضا تضيفه عمان الى إنجازاتها الحضارية العديدة على امتداد حقب التاريخ المختلفة، ولصالح البشرية جمعاء، والقائمة تطول في هذا المجال.
وبالنظر إلى الأهمية الكبيرة للإفلاج العُمانية، ليس فقط كتراث، وكنظام للري اعتمدت عليه الزراعة، بل والحياة في عمان في فترات مختلفة، فإنه لم يكن مصادفة أبدا أن يصدر قانون تنظيم وحماية مواقع الأفلاج المدرجة بقائمة التراث العالمي، وذلك بموجب المرسوم السلطاني السامي رقم 39 / 2017 الصادر قبل أيام وقد حدد القانون، وعلى نحو رفيع ومتكامل أيضا، سبل الحفاظ على الأفلاج العُمانية وحمايتها وضمان استدامتها أيضا، من خلال الحفاظ على أمهات الأفلاج، وحظر حفر أو إنشاء آبار مياه جديدة داخل أحرامات أم الفلج، باستثناء الآبار الاستكشافية، وآبار المراقبة والآبار المساعدة للفلج، وبعد الحصول على التراخيص اللازمة لذلك. وبينما حدد القانون بشكل دقيق معاني التسميات المختلفة المرتبطة بالأفلاج، وامتداداتها الجغرافية، ومنها «أم الفلج»، و«أحرامات أم الفلج»، و«موقع الفلج»، و«أحرامات موقع الفلج»، و«المستجمع المائي»، و«الآبار الاستكشافية»، و«الآبار المساعدة»، وغيرها من الأمور المتصلة بالتعامل مع الأفلاج العُمانية وطرق تقسيم مياهها وإدارتها، فان مما له معنى ودلالة عميقة، ان القانون حرص أيضا على تأكيد ان إدارة وحماية الفلج وموقعه يتبع النظام التقليدي لتوزيع وإدارة مياه الفلج وفقا للأعراف الموروثة في تقسيم المياه ومسميات فتراتها الزمنية وغيرها وللوزارة وضع التدابير اللازمة للحفاظ على هذا النظام. ومن شأن ذلك ان يحقق استمرارية التعامل مع إدارة وتقسيم مياه الأفلاج وفق النظم المتبعة والمستقرة والمعروفة للأجيال المتتابعة، وهو ما يعنى تقديرا عميقا أيضا لهذا الموروث العُماني الرفيع.
وإذا كان قانون تنظيم وحماية مواقع الأفلاج المدرجة في قائمة التراث العالمي قد حدد الإطار القانوني للحفاظ على مواقع الأفلاج العُمانية وحمايتها وتنظيمها، فان النجاح في تحقيق الأهداف المتوخاة من ذلك، تعتمد الى حد كبير على تعاون المواطنين ومشاركتهم في تنفيذ القانون، بكل ما يتضمنه من قواعد وإجراءات، لتظل الأفلاج العُمانية متدفقة وحاملة الخير والحياة لمن حولها، ولتظل أيضا تراثا عُمانيا ودليلا أيضا على مهارة الإنسان العُماني وقدراته.