بلا شك أن الكويت بحمد الله وفضله قياسا بالدول والمجتمعات الأخرى، تعتبر جنة الله على أرضه، والأمن والأمان متوفران بدرجة أكثر من ممتازة ودخل الفرد يعتبر الأعلى في العالم، والكهرباء والماء والوقود كلفتها تتحملها الدولة والمواطن لا يدفع سوى مبلغ يعتبر رمزيا والغذاء مدعوم من الدولة أيضا من خلال البطاقة التموينية والتعليم والتطبيب بالمجان، والمواطن لا يتحمل شيئا مما تقدمه الدولة من خدمات كشبكات الطرق والبنى التحتية ولا يتحمل أدنى رسوم سوى تلك التي تعتبر رمزية أما الضرائب فلا يوجد نظام ضريبي وفوق هذا الرفاه كله، فالكويت تنفرد بهذه المعمورة بأنها أرخص بلد في العالم من كل النواحي وليس فقط بالناحية المعيشية.
ومع هذا كله نجد أن الكل يتذمر وينتقد لدرجة أن الذي يسمع هذا التذمر وهو في الخارج يتصور أن الكويت على حافة الانهيار!
باعتقادي أن هذا التذمر يرجع إلى حالة الترف الزائدة وسوء الإدارة، حيث سوء الادارة لعناصر الرفاه في الكويت هي التي خلقت هذه الحالة المرضية من الترف ولو تهيأت للبلد ادارة حكومية تعمل على تطوير عناصر الرفاه المتوافرة من خلال تفعيل مبدأ المسؤولية الوطنية وأشركت المواطن معها في تحمل المسؤولية لأصبحت الكويت تعمل على مسارين، مسار تنمية الفرد في المجتمع ليصبح على قدر المسؤولية الوطنية التي يحتاج لها وطنه ليصبح قادرا وواثقا من مواجهة الهزات والتقلبات إذا ما حصلت مستقبلا، كالانخفاض الحاد الذي أصاب أسعار النفط في السنوات الماضية وما زال، أما المسار الآخر فهو ضرورة تحويل جزء كبير من حالة الرفاه الزائدة مصادر رديفة للدخل تساعد وتضمن على الأقل الحد المعقول من حالة الرفاه.
إذا نعم نحن في الكويت نعيش حالة رفاه بكل المقاييس إلا أن هذه الحالة لا شيء يضمن استمرارها إذا لم تتوافر لها مصادر الاسناد التي من شأنها ان تضمن على قدر ما تستطيع استمرار ديمومتها ومصادر الاسناد متوافرة لدينا إذا ما أردنا أن نستخدمها ونوفرها لخدمة استمرارية حالة الرفاه وقطع دابر هذا التذمر الذي غدا كالمرض المزمن الذي استوطن بلادنا، فلدينا مصادر دخل نبعثرها على أوجه ليست ضرورية بيد أن بالإمكان لو أحسنا التصرف لوظفناها لتنويع مصادر الدخل لتساهم بدعم حالة الرفاه حتى لا نفقدها فجأة وساعتها سوف تتوقف حالة الحد الأدنى للحياة!
لذلك مطلوب اليوم للكويت إدارة حكومية لديها برنامج عمل ميداني واقعي يختلف عن جميع البرامج والخطابات المكتبية التي لا تتعدى الورق المكتوبة عليه.
برنامج من شأنه أن يخلق حالة تزاوج واتصال بين الحاضر والمستقبل ليجعل من حالة الرفاه الحالية الموقتة التي يعيشها البلد إلى حالة مستدامة وينقل المجتمع من حالة التذمر المستمر إلى حالة العمل الجاد والتفاؤل والاطمئنان على مستقبل القادمين.
برنامج ينقل المواطن من فرد يعيش على هامش الحياة معتمدا على ما تنفقه عليه الدولة إلى مواطن صانع لمستقبل الدولة وهذا لن يتأتي بشعار «الموس على كل الرؤوس» بل يتطلب أن يكون ضمن البرنامج الحكومي فزعة وطنية تشارك فيها جميع القطاعات ومؤسسات المجتمع الوطني ما عدا مجلس الأمة الذي أصبح العدو الأكبر للتنمية الوطنية والجهة الأكثر كرها لأي برنامج ترشيدي يحقق استمرار حالة الرفاه للمجتمع!
ولو تحقق هذا البرنامج وطبق بصدق وأمانة وأصبح المواطن شريكا حقيقيا في عملية التنمية لتغيرت ثقافتنا مئة وثمانين درجة وأول جهة سوف تتغير هي مجلس الأمة الذي وقتها سوف يلفظ الشعب هذه الوجوه الشعبوية التي لا هم لها إلا الاستمرار تحت قبة البرلمان وسوف يختفي الصوت العالي ومعه الضمير الخاوي لتأتي بدلهما وجوه وطنية تعيد للكويت سيرتها الأولى.