الأعياد الوطنية في كل بلاد العالم علامات مضيئة على نضالات الشعوب من أجل الحرية والتخلص من الاستعمار.. وهي في كل الأوطان ليست عوامل جذب إلى الوراء، وإنما هي استشراف للمستقبل وتطلع للأيام السعيدة التي لم تأت بعد.
ولذلك فإن الأعياد الوطنية ليست مجرد أضواء ومهرجانات وكرنفالات فقط، وإنما هي استحقاقات للوطن في عنق المواطن الشريف والصالح.. الأعياد الوطنية هي الماضي والحاضر والمستقبل.. هي الماضي في الصراع مع الطامعين والمستعمرين، وهي الحاضر في بناء الوطن طوبة فوق طوبة، وهي المستقبل في التطلع إلى الأمام وبناء دولة عصرية يحكمها العدل والقانون.
الأعياد الوطنية ليست مجرد خطب وكلمات تلقى في هذه المناسبة الوطنية ثم ينتهي الأمر، ولكنها وقفات مع النفس حتى يسأل كل واحد منا نفسه: ماذا قدم للوطن؟ وماذا أعطاه؟ وكيف يرد الجميل إلى هذا الوطن الذي عاش على أرضه وتنسم هواءه وأكل من خيراته؟
فالمواطن الشريف الصالح لا يهدم وطنه ولا يحرق منشآته، ولا يتآمر ضده، وإنما يضع يده في أيدي إخوانه من المواطنين لإعماره ورقيه والذود عن ترابه ضد أي عدوان غاشم.
المواطن الشريف الصالح تراه في أيام العيد الوطني المجيد فرحا مغتبطا يخرج مع أهله وأطفاله إلى المنتزهات والحدائق العامة والحفلات، أما الحاقد على وطنه فتراه عابسا مكفهر الوجه، يبحث عن قنبلة مولوتوف ليقذف بها الأبرياء ويقتلهم، أو يحرق الشوارع بإطارات السيارات ويملأ السماء بالغازات والأدخنة السامة.. كل همه هو التدمير والتخريب وترويع الآمنين حتى لا يفرحون في هذه الأيام السعيدة.
فالبحرين التي تحتفل هذه الأيام بهذه الأعياد الوطنية تعيش أحلى أيامها ولياليها مزدانة بصور القيادة الرشيدة وأعلام المملكة ويافطات الولاء والحب والتقدير لجلالة الملك المفدى وسمو ولي العهد الأمين رئيس الوزراء.
والأعياد الوطنية في كل بلاد الدنيا هي رموز وعلامات ودلالات على كفاح الشعوب من أجل الحصول على الحرية والاستقلال، والبحرين لا تختلف عن تلك الشعوب التي ناضلت من أجل الحصول على استقلالها، فمنذ ثلاثينيات القرن الماضي عاشت ثورة الغواصين، ثم تلتها الانتفاضة الشعبية ضد الاستعمار البريطاني عام 1954 والتي استمرت عامين ثم قمعت وسجن رموزها أمثال عبدالرحمن الباكر وسعد الشملان وغيرهما، وسجن بعضهم ونفي آخرون إلى خارج البلاد.
وفي عام 1965م حدثت انتفاضة أخرى ضد المستعمر الغاشم حتى استطاع الشعب البحريني الحصول على استقلاله في بداية السبعينيات من القرن الماضي،
فأهلاً بعيدنا الوطني المجيد الذي نستقبله هذه الأيام بالبشر والسرور والترحاب.. أهلاً بهذا العيد الذي أصل ورسخ استقلال البحرين، وأبعدها عن الأحلاف والكيانات المشبوهة، وحافظ على عروبتها وبعدها وعمقها الخليجي والعربي، وصدها عن محاولات إيران البائسة لمحو هذه العروبة والأصالة.
وفي هذه المناسبة العطرة لا بد من الإشارة إلى الأمر الملكي السامي الذي وجهه صاحب الجلالة مليكنا المفدى حفظه الله ورعاه قبل سنوات باعتبار يوم السابع عشر من شهر ديسمبر من كل عام يوما للشهيد، هذا الأمر وهذا التوجيه يدل على تقدير جلالته لشهداء البحرين الذين قدموا أرواحهم فداء للوطن ولأمتهم العربية على امتداد الحكم الخليفي منذ دخول آل خليفة إلى البحرين وطردهم للغزو الفارسي الصفوي لمملكتنا الغالية، كما أنه يأتي ردا على ما قامت به المعارضة البائسة من تخصيص هذا اليوم بالذات منذ سنوات لما أسموه بيوم الشهداء في محاولة منهم لتعكير احتفالات البلاد بالعيد الوطني المجيد وعيد جلوس صاحب الجلالة على سدة الحكم في البلاد.
فمليكنا المفدى لم ينس في كل مناسبة أن يشيد بمناقب هؤلاء الشهداء الأبرار وأن يدعو لهم بالرحمة والمغفرة وأن يدخلهم الله سبحانه وتعالى فسيح جنانه «فرحين بما آتاهم الله من فضله» لنجد سلوانا في تلك الهمم العالية لمن جند نفسه دون تردد لتلبية نداء الواجب مهما كانت التضحيات.
إن اختيار جلالته ليوم السابع عشر من ديسمبر الذي يصادف يوم عيد جلوس جلالته ليكون يوما للشهيد يعد احتفاء وتكريما للشهداء الأبرار لما قدموه لوطنهم وأمتهم من تضحية وفداء.
إن تاريخ الوطن سوف يحفظ لهؤلاء الأبطال الذين قدموا أنفسهم وأرواحهم رخيصة في سبيل المحافظة على مكتسبات الوطن ورقيه عرفانا منه لهذه الكوكبة التي ضربت أروع الأمثلة وأصدقها فداء للوطن، وستبقى ذكراهم مشعلا متقدا يضيء دروب العزة والكرامة. «من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا».
إن هؤلاء الشجعان الذين سطروا بدمائهم في سفر الوطن المجيد أروع الأمثلة جدير بنا جميعا نحن المواطنين أن نحتفي بذكراهم كل عام وأن نقدم لذويهم وأسرهم وأطفالهم كل عون ومساعدة سواء على المستويات الرسمية أو الشعبية.
لقد حمل الاستعمار البريطاني العجوز عصاه ورحل عن البحرين وبقية دول الخليج فيما أسمته بريطانيا آنذاك بالانسحاب من شرق السويس.. وحصلت البحرين وبقية دول الخليج على حريتها واستقلالها.
وعلينا نحن كمواطنين بحرينيين مخلصين عندما تحل علينا ذكرى العيد الوطني وعيد الاستقلال أن نتذكر ولا ننسى كيف أن إيران الشاهنشاهية كانت تطالب بضم البحرين إليها، لكن الشعب البحريني رفض ذلك بشدة، فقررت الأمم المتحدة إرسال بعثة من جانبها للتعرف على رغبة الشعب البحريني في حصوله على استقلاله أم القبول بالتبعية لإيران، فأعلنها الشعب البحريني مدوية واضحة بأنه مع عروبة البحرين ومع استقلالها الوطني، وأن عمقها الاستراتيجي في المملكة العربية السعودية ومن ورائها أمتها العربية.
وكل عيد وطني وجميع البحرينيين بخير واستقرار.
أحمد زمان
( الأيام البحرينية )