احمد الجار الله
عندما أوجدت الدولُ الحديثة نظام فصل السلطات في دساتيرها، كان الهدف من ذلك إحداث توازن بين مكونات الدولة، لمنع تعدي واحدة على الأخرى، ولذا حين هيمنت بعض البرلمانات على السلطات التنفيذية اندلعت الثورات، كما حصل خلال القرن السابع عشر في بريطانيا، في ما عرف بـ”ثورة البرلمانيين” وأدت إلى حرب أهلية، انتهت بإعدام الملك تشارلز الأول، وبعدها بثلاث سنوات نُفي نجله تشارلز الثاني، واستُبدل “كومنولث إنكلترا” بالحكم.
كذلك الأمر في روسيا القيصرية التي انشغل فيها الإمبراطور نيقولا بمرض ابنه، وعدم حسمه بعض القضايا التي تهمُّ النَّاس، وخضوعه التام للراهب المزيف راسبوتين، وكان ذلك من أسباب الثورة الشيوعية في العام 1917، تحت شعار “تحقيق المساواة بين فئات الشعب والقضاء على الرأسمالية الإقطاعية وتحقيق الاشتراكية”، بقيادة الأهوج فلاديمير لينين، وليون تروتسكي.
بين الحدثين، كانت الثورة الفرنسية التي قامت أيضا بسبب هيمنة نزوات ماري أنطوانيت على الوزراء، وعدم التفات الملك لويس السادس عشر لمطالب الشعب.
في ألمانيا، كان الشكل مُختلفاً، وهو العبرة الأكثر وضوحاً عن هيمنة البرلمان على السلطات التنفيذية، فالحزب النازي الذي فاز بانتخابات العام 1932 استغل الديمقراطية لتحقيق الحكم الشمولي وأدخل البلاد حينها في حرب عالمية، من منطلقات نازية.
بعد هذه التطوُّرات، تغيَّر شكل ومضمون برلمانات الدول الديمقراطية، وأصبح الفصل بين السلطات أساساً في تطور الدولة، بل إن مجالس بعض الدول أصبحت غرفتين، مجلس شيوخ وآخر للنواب، ومعمول به أيضاً في بعض الدول العربية، كما هي الحال في بريطانيا وفرنسا وروسيا بعد تفكك الاتحاد السوفياتي.
في دول أخرى، استدرك القادة الأمر منذ البدء وحددوا طبيعة كل مؤسسة من مؤسسات الدولة، وعملوا على وضع ضوابط لها كي لا تتجاوز صلاحياتها، بل ثمة دول، ملكية وجمهورية، كان القادة فيها مَنْ يتلمسون مطالب شعوبهم، ويمنعون النواب من استغلالها، ففي الولايات المتحدة الأميركية، في ظل جائحة “كورونا” فرضت الحكومة على الكونغرس وضع تشريعات تحفيز، مرتين الأولى بـ 2.5 تريليون دولار، والثانية بتريليون دولار، وكلها ديون اقترضتها الحكومة، وبالمناسبة يبلغ الدين الاتحادي الأميركي 25 تريليون دولار، ورغم ذلك لم تتحجج بأسعار النفط، أو أي مصاعب أخرى.
أما في بريطانيا، فقد عملت الحكومة على دعم الاقتصاد بضخ 150 مليار جنيه استرليني، ورفع البنك المركزي مشترياته من السندات الحكومية إلى 875 مليار جنيه، كذلك الأمر في فرنسا وألمانيا، وروسيا التي لم تنتظر البرلمانات.
أما دول الخليج، فلم تتأخر عن دعم الاقتصاد، وإسقاط القروض، ففي السعودية خصصت الحكومة 226 مليار ريال لدعم الاقتصاد والمواطنين، والإمارات قدمت مئة مليار درهم، وكذلك الحال في البحرين التي أقرت خطة لمساعدة الشركات بحزمة بلغت نحو 32 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، وتشمل في الغالب تأمين السيولة للإقراض وتأجيل الديون. أما في سلطنة عمان فقد ضخ البنك المركزي نحو ثمانية مليارات ريال. وفي قطر خصصت الدولة ما يُعادل 75 مليار دولار لدعم اقتصادها.
في مقابل كلِّ هذا، كانت الكويت الوحيدة التي غرقت في المماحكات السياسية بين مجلس الأمة والحكومة والبنك المركزي، ولم تقدم أي حزمة مساعدات حقيقية، باستثناء تأجيل تسديد القروض ستة أشهر، وهو ما عاد سلباً على المدينين لأن “المركزي” أصدر تعليمات للبنوك بعد انتهاء الفترة تزيد من تعثر المقترضين، إضافة إلى الشروط التعجيزية في عملية التحفيز، وهناك من تباهى بأن الدولة لم تصرف فلساً واحداً من المال العام، مُعللاً ذلك بنقص السيولة، وانخفاض أسعار النفط.
دول الخليج كافة تعيش على النفط، وليست لديها ضرائب، وإذا وجدت فلا يتحملها المواطن. ففي السعودية، الرسوم على الوافدين وتجارة الأراضي، وكذلك الإمارات مجرد رسوم بلدية، والأمر ذاته ينطبق على بقية دول “التعاون”، ولذلك فإن أي حجة لدى المسؤولين في الكويت عن عدم دعم الاقتصاد الوطني، أو عدم مساعدة المُقترضين المُتعثرين البالغ عددهم 120 ألفاً، يعني زيادة إفقار أسر كثيرة.
لا أحد يطالب بإسقاط القروض، إنما إسقاط الفوائد، وإعادة جدولة أصل الدين على عشر أو عشرين وحتى ثلاثين سنة، وبكفالة الدولة، لأنَّ عدم حل هذه القضية يعني المزيد من التذمر، وبالتالي الدخول في متاهات الفوضى.
أحمد الجارالله
( السياسة الكويتية )
27 ديسمبر 2020