فعلاً لم نعد ندري أنعيش في سيرك أم في وطن له علينا أكثر مما لنا عليه؟ وهل الحكومة ومجلس الأمة هما للإدارة والتشريع أم للمُناكفة، كأنهما ليسا مسؤولين عن شعب ومصير وطن؟
أقول هذا الكلام بكثير من المرارة؛ لأن الحال لم تتغيَّر عما كانت عليه قبل تحصين سمو رئيس مجلس الوزراء نيابياً ضد المساءلة، وتثبيت حقيقة دستورية أن رئيس مجلس الأمة لا يُمكن عزله بتصويت نيابي، وبعد أن حقق هذا الثنائي انتصاراً على الخصوم، وباتت لديه أكثرية مريحة في قاعة عبدالله السالم، وهو ما يفتح الطريق أمام تشريعات ومشاريع تطوير القوانين المُتخلفة، التي أقرت تحت ضغط ابتزاز كتل نيابية في مجالس سابقة معروفة التوجهات، لم يكن هدفها المزيد من الاستقرار للكويت، بل إغلاقها، وإظهارها بصورة لا تُشبه عصرها، وتسبَّبت بالأذى للجميع، كما كبَّلت المجتمع والاقتصاد.
صحيح أن سمو الرئيس، وكذلك رئاسة مجلس الأمة تحصَّنا، لكن حصانتهما تبقى عارية من الحماية إذا لم تُقرن بالعمل والجهد، فليس كل مرة تسلم الجرة، وجرتنا السياسية حالياً مُهددة بأجندات من الخارج، وكما بات معلوماً بعد المعلومات التي تلقتها الكويت من دول شقيقة حريصة على استقرارها، وفي ظل وضع إقليمي حساس جداً، إضافة إلى نزعات المصالح الشخصية داخلياً، لذلك وجب أن تكون هناك مهنجية واضحة يعرف معها الكويتي إلى أين ستصل البلاد، فلا ينام على خوف ويستيقظ على قلق من المستقبل.
الخطوة الأولى الواجب اتخاذُها، ومن دون إبطاء، هي إصلاح الإدارة، فالفساد ليس نهب المال العام فقط، بل هذا نتيجة لما هو أكثر تخريباً، وأقصد هنا الخلل الوظيفي، وسوء الإدارة، فلو كانت الأخيرة بخير، ويلتزم الموظفون القانون، ويعملون بضمير، لما تجرأ أياً كان على مدِّ يده إلى المال العام، ولو لم تكن هناك محاباة في التعيينات والصفقات والتسويات، لما انحدر إنتاج الموظف الكويتي إلى أقل من نصف ساعة يومياً، ولا شهدنا الكوارث في المناقصات والتوظيف والتباهي بالثراء غير المشروع.
سمو الرئيس، إن المُعالجة الصحيحة تبدأ من الضبط الإداري، ومن الحرص على الوقت، ودقة تنفيذ المشاريع، ليس حفظاً للمال العام فقط، فهذا مال الكويتيين كافة، وليس ملكاً لموظف أو مسؤول، ولا لإرضاء نائب هنا، ومتنفذ هناك، بل حفاظاً على الكويت، الكيان والوطن.
طوال الأشهر الماضية لم نشاهد أي مؤشرات تدل على حسن النوايا، فيما البلاد تتراجع يومياً، والشقاق يزيد، والخلافات تستعر، لذلك نقولها بصراحة: سمو الرئيس وسعادة رئيس مجلس الأمة، لا تستكينا للتحصين؛ لأن الخصم يبقى يبحث في التفاصيل عن شياطين تؤهله لتحقيق انتصار ما، حتى لو كان ذلك بإيذاء الجميع بما فيهم نفسه، وأنتما، للأسف، توفران كلَّ يوم الفرص للاعبين بنار الفرقة كي يتمادوا أكثر من خلال عدم مبادرتكما لحسم الأمور، وانشغالكما بالردود على الخصوم.
سمو الرئيس، وسعادة رئيس مجلس الأمة، ما تحتاجه الكويت هو التحلي بالشجاعة والحزم والقرار، وليس ترك الحبل على غارب ردود الفعل، التي لا شكَّ سنصل معها إلى وضع لا نحسد عليه، لا يختلف عن لبنان، الذي أصبح دولة فاشلة جراء المناكفات والكيدية، أو العراق الذي كلما أراد الخروج من الفساد غرق بوحله أكثر.
ما يريده الكويتيون، هو أن تعود بلادُنا واحة أمل، ومنبع حرية رأي وتعبير، ومصنع مبادرات اقتصادية، وكل هذا أنتم، في الحكومة والمجلس، مسؤولون عنه، ليس أمام الشعب فقط، بل أمام ضمائركم، وأمام الله والقيادة السياسية.
أخيراً، نكرر القول: إن التردد في اتخاذ القرار، وسوء الإدارة، وتولية أشخاص في مناصب ليسوا أهلاً لها، هي الفساد بعينه، وكأننا في زمن الرويبضة.
أحمد الجارالله
( السياسة ) 19 ابريل 2021