• نوفمبر 21, 2024 - 5:58 مساءً

وهج القدرة.. ووهج السلطة

بعد صبر طويل ومعاناة مضنية، وإشاعات متضاربة، خرج سمو رئيس مجلس الوزراء من عزلة التشكيل إلى الإعلان عن تحقيقه، حاملاً أسماء الذين تكرموا بقبول المشاركة الوزارية في ظروف غير مضمونة، محمولين بالأمل بأن يكون مناخ العمل مشجعاً على الاستمرار.

ربما من المناسب أن أشيد أولاً بالتزام رئيس الوزراء بحرفية المسؤوليات التاريخية التي جعلته يتحمل ما لا يحتمل، مظهراً عزماً على تجاوز الإخفاق والتعامل مع الاعتذارات بتقدير ظروف المرشحين، كما أقرن ذلك بالشكر للذين قبلوا الانضمام إلى اللائحة سعياً لخدمة الكويت، عارفين تنوع المناوشات أمامهم سواء حول اجتهاداتهم في العمل، أو نحو سلوكهم الذي مهما تميز بالدقة والتعاون فلن يسلم من صواريخ الهجوم ومن جروح النقد.

ولا بد من توصيل الشكر للأخوة الوزراء الذين خرجوا من أعباء العمل بسلام متخلصين من إحراجات ومغلقين أبواباً لا يعرفون ما وراءها من مفاجآت.

وماذا عن المحتوى الذي سيجده رئيس الوزراء وفريقه عند فتح ملفات العمل داخل القاعة؟ لا أعرف هوية الخطة التي في ذهن الرئيس عندما تنفجر المجادلة حول ما تريده مجموعة النواب من طموحات تشكل وثيقة المستقبل لهذه المجموعة، فقد أعلنت هذه المجموعة متطلباتها التي لا بد أن يقف الرئيس مندهشاً من أثقالها، ففيها ما يتماشى مع الدستور وفيها أيضاً ما يخرج عليه، وفيها ما يسحب الكويت إلى ساحة المتفجرات، لأن بعضها في واقعه يشكل انقضاضاً على القاعدة التي يقف عليها الدستور وهي الشراكة المنبثقة من ألفة التعاون وصفاء النوايا، فلا يمكن لمن يحرص على الدستور، ويدرك مقامه في متانة الاستقرار ورساخة الاستمرار أن يقترب من هذه المطالب التي تنزع شرعية السيادة من السلطة وتنقلها إلى حضن النواب، لتخضع للمساومات، ولا سيما مقترح نقل شؤون الجنسية إلى مداولات القضاء.

كما يمثل بعض منها انتهاكاً لضوابط العمل البرلمانية، التي حافظت على السرية في انتخابات الرئاسة، وهي حكمة تصون المقام وتزيل الحساسيات، كما لا يمكن تقصير عمر الرئاسة وتركها للانتخابات السنوية.

فمن هذه الشحنة من المقترحات نصل إلى اليقين بأن مساعي هؤلاء النواب هي الدفع نحو حل المجلس على أمل إجراء انتخابات جديدة تحرم خصومهم من القيادة المستقبلية، ويعود ذلك الموقف إلى خصومات شخصية وخلافات سياسية وتباعدات في المفاهيم.

والحقيقة أن هذه الحالة، لا تهم شعب الكويت لأنه ليس طرفاً فيها، لكنها تؤثر في عمل المجلس، وعلى حيويته وجهوزيته في اتخاذ القرارات الضرورية في مسار التنمية والتطوير،

ويمكن السؤال: هل هؤلاء النواب الساعون لحل المجلس على قناعة بأن الانتخابات تعود خلال شهرين؟ وهل جاءت هذه الحصيلة من تشخيص صادق لمزاج شعب الكويت؟ هذه تساؤلات شرعية تأتي من ثقل الخطوات المطلوبة في وثيقة الطموحات التي تحمل تجاوزات فوق المعتاد وخارج ما يسمح به الدستور.

هنا لابد من أن تتمكن السلطة الشرعية من الوصول إلى قرار يتماشى مع ثقل المسؤولية التاريخية، فالأفضل للكويت أن يستمر المجلس الحالي، رغم خلافاته وعلاته، لأن الأفكار التي تتبناها المعارضة لا تستند على دعم شعبي ولا على قبول برلماني مؤثر، خاصة تلك التي لا يهضمها الدستور، وهذا المسار بمواصلة العمل رغم مطباته وأشواكه أفضل من حل دستوري يعيد الكويت والانتخابات إلى الأجواء نفسها التي نتضجر منها الآن.

تعليق الدستور لفترة طويلة، خطوة مؤذية، إذا لم ترافقها إصلاحات تزيل الالتباسات غير المريحة التي ظهرت من تجربة عمرها تجاوز الستين عاماً، وإذا لم تقترن بحوارات مع مختلف الفئات والألوان مع عرض تصورات عما ستكون عليه الكويت إذا ما تم استئناف المسار الدستوري النيابي.

وبودي أن أتحدث بوضوح لكي نسعى جميعاً إلى مواكبة متطلبات اليوم، وربما أقول بأمانة إننا في عصر وهج القدرة وليس وهج السلطة، التي هي بحاجة ملحة لأن ترافقها الكفاءة وحسن القيادة، التي تجعل الكويت تتجاوب مع صوت العصر، وتستوحي البريق المتواصل في فضاء الأخوة في مجلس التعاون، وتتابع الديناميكية التي أدت إلى قرارات بدلت المجتمع الخليجي الجماعي ولم تصل إلى فضاء الكويت بسبب عائق التردد والخوف من المجهول والاستئناس بمناخ الجمود وغياب المبادرات، وخناقات المجلس حول الرئيسين.

فقد وصلنا إلى آخر المطاف، وجاء زمن وهج القدرة، فلم تعد مكونات الماضي كافية لتحقيق الكفاءة، وإنما لابد من ربطها بجدارة القيادة.

ولا ننكر بأن الشيخ صباح الخالد يتمتع بالقدرة والكفاءة، فضلاً عن تأهيلاته لحقوق السلطة، لكن المآخذ غياب غريزة الاقتحام، فعندما يتخوف البشر من تعذر اليقين عن هوية المجهول، يترسخ الخوف من المجهول ويتراكم التردد.

في هذا الوقت الدقيق يترقب أبناء الكويت أن يلتقي سمو الرئيس مع النواب ويعدهم بتقديم برنامج عمل متكامل، يشتمل على خطة تطورية شاملة سياسياً واقتصادياً واستثمارياً مع آليات تنفيذها.

وأبرز هذه الآليات يأتي من دعم النواب وتجاوبهم ومشاركتهم في عرض تفاصيلها، وأنا متأكد من قدرته على دعم الأغلبية ومساندتها للحكومة إذا ما أظهر حزماً وعزماً على اجتثاث الفساد، وعلاج التركيبة السكانية المزعجة، وأن يتحدث عن ذلك في البرلمان بأنه عازم على التعامل بقوة مع الفساد، لاسيما «الذواتي» منه ويتواجد في غرفة القيادة بلا تذمر.

وأضيف بأن عليه أن يشجع التفاعل الشعبي في تبادلية الجدل حول برنامجه، ويعزز جهوده بتواجد وزرائه في الصف الأول ليس بالمراقبة والصمت وإنما بالحيوية وبديناميكية المقتنع

سمو رئيس الوزراء، الشيخ صباح الخالد، بودي أن أشير إلى معاني وهج القدرة، التي تحتاجها الكويت لإخراجها من السكون السلبي الذي طغى عليها، مع الإدراك بأنك لن ترضي الجميع، وإنما تستند في انطلاقتك على مساندة الأغلبية من الشعب الكويتي، التي تتمنى الانضباط وتتوقع الحزم وتشتاق للانجاز، وألا تتأخر في بعث الأمل لأهلها بأن الكويت ودعت فصل متابعة انجازات الأخوة في مجلس التعاون، ودخلت مجرى تحقيق الطموحات وبتصميم يعوض سنوات الكساد التي ضاعت.

ولا يخفى على الرئيس ضرورة تجنيد جميع الطاقات الاقتصادية والتجارية من غرف التجارة والبنوك وأهل الخبرة وصفاء الرأي، مع التحرك داخل مواقع المال والإعلام والجمعيات المهنية المختلفة للوصول إلى جميع ألوان وفئات المجتمع الكويتي.. وتكتمل هذه الحوارات عبر تجمعات الطاولة المستديرة.

وأخيراً تحتاج الكويت إلى إحياء فاعلية الجهاز التنفيذي البيروقراطي البطيء في إنجازاته والمتعثر في مساراته والخالي من مبادرات تعيد حيويته، ولا يتحقق ذلك سوى ضمن مشروع نهضوي تطوري يطرحه سمو الرئيس.

علينا أن نتذكر بأن حق الكفاءة يتعاظم مع مرور الزمن، بينما يتقزّم حق العاجزين.

عبدالله بشارة

a.bishara@alqabas.com.kw

القبس 2 يناير 2022

Read Previous

“الهجرة الدولية” تمنح السفيرة نبيلة مكرم جائزة “أصدقاء المهاجرين” تقديرًا لدورها في ملف الهجرة ورعاية المصريين بالخارج

Read Next

سمو ولي العهد يستقبل سمو رئيس الوزراء ووزير الأشغال العامة وزير «الشباب» الذي أدى اليمين الدستورية أمام سموه بمناسبة تعيينه في منصبه الجديد

0 0 votes
تقييم المقال
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments

Most Popular

0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x