دشنت الإمارات مع انتخاب صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان “حفظه الله” رئيساً للدولة حقبة جديدة في مسيرتها التنموية الشاملة، والتي تستكمل بها مرحلتي التأسيس والتمكين اللتين قادهما باقتدار المغفور لهما بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، والشيخ خليفة بن زايد آل نهيان “رحمهما الله”.
وتترقب الأوساط الثقافية أن تشهد الدولة طفرة ثقافية رائدة استناداَ إلى فكر صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ومسيرته الحافلة في مجال دعم الثقافة والمثقفين والتي ترجمتها رؤيته الاستراتيجية لمستقبل دولة الإمارات، وقد عبَّر سموه عن جزء من هذه الرؤية بقوله:” نحن في دولة الإمارات نعتبر العلم والثقافة جزءً لا يتجزأ من إرثنا الحضاري، ومن العملية التنموية، ومن بناء الإنسان والهوية المنفتحة الواثقة بنفسها، دون أن تتنكر لقيمها وأصالتها وتراثها”.
ويؤمن صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان أن التنمية الثقافية مكون أساسي وجزء أصيل من التنمية الشاملة والمستدامة في الإمارات ومن هذا المنطلق جاءت رعايته ودعمه غير المحدود للكتاب والأدباء والفنانين وكافة العاملين بالشأن الثقافي في دولة الإمارات.
وانطلقت تحت رعاية سموه مشاريع ومبادرات ثقافية وأدبية كبيرة في دولة الإمارات وصل صداها وتأثيرها إلى المستوى العالمي، وحققت الدولة إنجازات فارقة في مجالات الثقافة والأدب والفنون، حتى باتت العاصمة ابوظبي قبلة المثقفين والمفكرين والمبدعين من كل أصقاع العالم، يجدون فيها المجال الرحب، والأرض الخصبة التي تسمح للأفكار الخلّاقة بالنمو والنجاح، ويلقون فيها الاهتمام والاحتفاء والتقدير.
وتأتي من بين أبرز هذه المشروعات المنطقة الثقافية في جزيرة السعديات بأبوظبي التي تضم متحف اللوفر الذي افتتح في عام 2017، ويضم آثار من عصور ما قبل التاريخ وإبداعات لفنانين مُعاصرين، والتي تبلُغ سوياً ما يفوق 600 قطعة من المجموعة الفنية للمتحف إلى جانب عدد من القطع المُمَيَزة المُعارة من أبرز المتاحف في فرنسا.
وإلى جانب متحف اللوفر أبوظبي تتواصل أعمال بناء متحف جوجنهايم الذي سيشكل عند افتتاحه أحد المنجزات الرئيسة في المشهد الثقافي والفني والإبداعي في الإمارات، إضافة إلى متحف زايد الوطني الذي سيجسد عند انتهاء اعمال التطوير فيه الهوية الإماراتية من خلال استعراضه لتاريخ الدولة العريق وقصة قيام الاتحاد.
وتستضيف المنطقة الثقافية في جزيرة السعديات، أعمال “القمة الثقافية” التي تستقطب سنويا المئات من رواد الحركة الثقافية لمناقشة القضايا الملحة عالميا والتحديات أمام تطوير العمل الثقافي واقتراح حلول عملية لها، إلى جانب المعرضين الفنيين الأكبر في الإمارة “فن أبوظبي” ومعرض “تعابير إماراتية” الموجه لدعم الفنانين الإماراتيين.
وأسهمت رؤى وتوجيهات ومتابعة سموه السديدة في تعزيز مسيرة معرض أبوظبي الدولي للكتاب الذي حقق خلال السنوات الماضية قفزات نوعية جعلته يتصدر المشهد الثقافي في دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية ومنطقة الشرق الأوسط.
معرض أبوظبي للكتاب، وتخصيص ستة ملايين درهم لإثراء مكتبات المدارس والهيئات الرسمية بكتب من المعرض الذي يعتبر اليوم واحداً من “الأكثر نمواً” على مستوى المنطقة والعالم.
وتحت رعاية سموه تنطلق في الثالث والعشرين من الشهر الجاري فعاليات الدورة الـ31 للمعرض بمشاركة نخبة من كبار الأدباء، والمفكرين، وأكثر من ألف ناشر من 80 دولة، يقدّمون جدولاً متكاملاً من الفعاليات يضمّ أكثر من 400 فعالية متنوعة تُلبي تطلعات الجمهور.
وأطلق سموه في عام 2007 مشروع “كلمة” للترجمة بهدف إحياء حركة الترجمة في العالم العربي وتأسيس نهضة ثقافية عربية تشمل مختلف فروع المعرفة البشرية التي يمثل الكتاب حجر الزاوية فيها.
واعتمد المشروع خطة لترجمة نحو 100 كتاب سنوياً إلى اللغة العربية، كما عمل على تأسيس جملة من العلاقات الدولية مع عدد كبير من دور النشر العريقة، وتأسيس قاعدة بيانات للمترجمين تضم أكثر من 500 مترجم في مختلف اللغات.
دشنت الإمارات مرحلة الصناعات الثقافية والإبداعية التي تستهدف القائمة على الابتكار والإبداع.
ويقود صاحب السمو رئيس الدولة حفظه الله جهود تحويل القطاع الثقافي إلى أحد أبرز الروافد الاقتصادية المستدامة في الإمارات من خلال النهوض بالصناعات الثقافية والإبداعية بالاعتماد على الخبرات والعناصر الوطنية.
وبتوجيه ودعم مباشر من سموه أعلنت إمارة ابوظبي في عام 2021 عن استثمار مبلغ 22 مليار درهم خلال السنوات الخمس القادمة في مجال الصناعات الثقافية والإبداعية، بهدف إرساء الاستدامة في هذا القطاع الذي سبق وأن استثمرت فيه مبلغ 5ر8 مليار درهم على مدى السنوات الماضية في مشاريع رئيسية مثل “المنطقة الإبداعية – ياس”، الوجهة الحاضنة للإعلام والألعاب الإلكترونية في الإمارة، ومنطقة السعديات الثقافية، بالإضافة إلى مبادرات البنية التحتية غير المادية مثل برنامج التأشيرة الإبداعية.
ولم يغب صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان يوما عن جهود حفظ التراث وصونه وتوثيقه ونقله للأجيال، فكانت بصماته الواضحة في المهرجانات والفعاليات والأنشطة التراثية التي تقام طوال العام على مستوى إمارة أبوظبي والدولة.
ونجحت الإمارات بالشراكة مع المؤسسات المعنية بالتراث والجمعيات والمتخصصين، في تسجيل 8 عناصر من التراث الوطني على القائمة التمثيلية لليونسكو للتراث الثقافي غير المادي للبشرية، وهي الصقارة والسدو والعيالة والتغرودة والقهوة والمجلس والعازي والرزفة، كما نجحت في إدراج العديد من مواقع العين التاريخية على قائمة اليونسكو لمواقع التراث العالمي، مثل جبل حفيت وهيلي وبدع بنت سعود والعديد من الواحات في مدينة العين تحديدا.
وتعدّ دولة الإمارات لاعباً رئيسياً في التحالف الدولي لحماية التراث في مناطق النزاع (ألف)، المنظمة الدولية التي تتخذ من جنيف مقراً لها، والتي انطلقت فكرة إنشائها خلال المؤتمر الدولي للحفاظ على التراث الثقافي المهدد بالخطر، الذي انعقد بأبوظبي في ديسمبر 2016، ونتج عن هذا المؤتمر “إعلان أبوظبي”، الذي نص على إطلاق تحالف دولي جديد، وإنشاء صندوق دعم للبرامج والمشروعات الرامية إلى حماية التراث الثقافي، وكذلك خلق شبكة دولية من الملاجئ لصون الممتلكات الثقافية المعرّضة للخطر.
ووجه صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان في ختام المؤتمر الدولي للحفاظ على التراث الثقافي المهدد بالخطر” نداء لكل دول العالم بالتعاون والتنسيق للسيطرة على تهريب الآثار ومواجهة التطورات الخطرة في هذا المجال، وبالذات خلال السنوات الأخيرة، خاصة آثار بعض الدول العربية التي عانت خطر العنف والإرهاب، مؤكداً أهمية النظر إلى هذه الآثار، باعتبارها تراثاً عالمياً مشتركاً، لا يجوز التهاون في سرقتها أو تهريبها أو نقلها من أماكنها التاريخية.
وترتبط دولة الإمارات بسجل تاريخي حافل من التعاون الوثيق مع اليونسكو عبر مبادرات وبرامج ترعاها الدولة بإشراف المنظمة، فقد تم تصنيف دولة الإمارات في المرتبة السادسة على قائمة أكبر الدول المانحة لمنظمة اليونسكو، بالإضافة إلى مبادراتها في مجال التعليم والثقافة والعلوم.
وفي المجال الثقافي، قدمت دولة الإمارات دعمها لمشروع اليونسكو “إحياء روح الموصل” بمساهمة وقدرها 4ر50 مليون دولار أمريكي على 5 سنوات، ويعد هذا المشروع حالياً من أضخم مشاريع استعادة التراث الإنساني في المنطقة، ويتضمن عملية إعادة بناء مسجد النوري ومئذنة الحدباء، وكنيسة الساعة، وكنيسة الطاهرة، ومتحف يضم مساحات تعليمية ومجتمعية.
وحققت دولة الإمارات فوزاً مستحقاً بعضوية المجلس التنفيذي لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) بناء على نتائج التصويت التي جرت في المؤتمر العام الأربعين لمنظمة اليونسكو في العاصمة الفرنسية باريس، لتصبح هذه المرة الرابعة التي تفوز بها دولة الإمارات بعضوية أحد الأجهزة الرئيسية الثلاث لمنظمة اليونسكو.