سمو الشيخ صباح الخالد ولي عهد الكويت المُوقّر..
تحيّة كُويتيّة من قُلوب صادقة عبّرت تِلقائيّاً عن فرحتها بتعيينك في هذا المنصب، وأظهرت حجم المحبّة التي يُكنّها الكويتيون لك رغم كل ما رافق التجربة السابقة من اختبارات خاصة وعامة انعكست على مُجمل الحياة السياسية.
التأييد الشعبي لسموكم، سياسيّاً واقتصاديّاً واجتماعيّاً، وفي مُختلف القطاعات لم يكن هبة عابرة، بل نَجَمَ عن أمرين أساسيين: ما قدّمتموه من أداء في مسيرة التدرّج في سلم العمل العام، ووعي الكويتيين المُتراكم الذي أَنْتَجَ قُدرة فائقة على التمييز بين السعي للخدمة العامة والسعي للخدمة الخاصة. بين الأداء العالي والصوت العالي. بين النّقد البنّاء المطلوب والتجريح المذموم.
باختصار، أظهر الكويتيون مَحبّة خاصّة تِجاه سموكم ممزوجة بارتياح عميق واطمئنان لحاضر ومُستقبل البلد.
ولا بدّ في هذه العُجالة من الفصل بين المَسيرة الطويلة التي مَشيتها في العمل العام في مُختلف المناصب، وبين فترة تولّيك لرئاسة الحكومة التي شاءت الظروف أن تترافق مع أجواء سياسيّة مَشحونة وصِراعات مُوجّهة ومشاريع خاصة انكشف بعضها وسيكشف التاريخ بعضها الآخر حكماً.
ومع ذلك يشهد الجميع أنّ رحابة صدرك كانت في اتساع قدرتك الكبيرة على العطاء، ورباطة جَأشك كانت بحجم الشجاعة التي أظهرتها في التصدّي لتحدّيات جسيمة، وتحمّلك للنقد البناء كان بمستوى قُوة المنطق والحُجَج التي سُقْتها دِفاعاً عن أيّ قرار، وتشجيعك للحُرّيات كان بمساحة الإيمان بأنّ المُجتمعات الحيّة تتطوّر بالرأي والرأي الآخر… واجهت كلّ شيء بأخلاقك العالية وصلابة الموقف وأصالة أهل الكويت، وطبّقت عملياً مقولة أن المسؤولية تكليف وليست تشريفاً وخرجت مرفوع الجبين، نظيف الكفّ، ورمزاً للنزاهة والشفافية.
خرجت من الحكومة ولم تخرج من الهمّ الوطني ولا من الشأن العام. لم تبخل باستشارة ورأي واقتراح وكنت حاضراً في أيّ مرحلة تتطلّب حضورك ولو بعيداً من الضوء الإعلامي والسياسي. حضور جسَّد صوت العقل في مرحلة انتقالية علت فيها أصوات أخرى… لكن الأنظار كانت دائماً تتّجه إلى حيثُ الخبرة والحِكْمَة والرّأي السّديد.
اليوم، صاحب السمو أمير البلاد حفظه الله، أصدر أمراً بتعيينكم ولياً لعهد الكويت. ومع الاحترام لجميع من تنطبق عليهم مُواصفات المنصب وهم من خيرة الشخصيات، إلّا أنّ الاختيار نَبَعَ من رؤية ثاقبة وثِقة عارمة بأنك الأكثر قُدرة على العطاء والعمل لخدمة الكويت واستقرارها وأمنها وأمانها وتنشيط الدورة الاقتصادية وتطوير الجهاز الإداري وإحداث نقلة نوعية نحو مُستقبل أفضل.
نعم، هناك حكومة ورئيس حكومة ووزراء، ومسؤوليتهم في هذه الظروف تحديداً مسؤوليّة تاريخيّة. لأنّهم مُكلّفون بإدارة البلد وعلى كاهِلهم أُضيفت مُهمّات تشريعيّة إلى المُهمّات التنفيذيّة، إنما الجميع واثقون من أنّك ستُعطي ولاية العهد أيضاً دوراً توجيهيّاً استناداً إلى خبرتكم الطويلة في التّخطيط والتّنفيذ وإلى ما يُعرف عنك من مُتابعة حثيثة ودائِمة لمَلفّات اقتصاديّة وتنمويّة وأُخرى تتعلّق بالتركيبة السُّكانيّة، إِضافة إلى التعليم الذي قُلتم عنه دائماً إنه الحجر الأساس للعبور إلى المُستقبل وبناء قادة الغد… من دون أن نَنْسى مُساهمتك الأساسيّة في عمليّة التّحوّل الرّقمي وخلال أصعب ظرف مرّت فيه الكويت بعد الغزو أي جائحة كورونا.
سمو ولي العهد
يقولُ الإمام الشافعي إن رضا الناس غاية لا تُدرك. لكن ردّ الفعل الشعبي العفوي العارم بعد الأمر السامي بتعيينك في هذا المنصب أظهر حجم رضا الكويتيّين عن سيرتك ومَسيرتك، كما أظهرَ حَجْم الحِكْمَة التي تجلّت في قرار صاحب السمو أمير الكويت الذي يُبْحِر بالسّفينة إلى مَوانِئ الأمن والأمان… باقتدار قائد وعقل رائد وقلب والد لا يحمل سوى الخير والمَحبّة لهذه البلاد وشعبها.
سمو الشيخ صباح الخالد، على ثقة في أنك ستُتَرجِم رُؤى صاحب السمو الأمير عَمَلاً تنفيذيّاً واضحاً بالتعاون الأكيد مع عضيدك رئيس مجلس الوزراء سمو الشيخ أحمد العبدالله الذي يتولّى باقتدار التصدّي لمُهمّات إِضافيّة كبيرة في ظِلّ الظّرف السياسي الحالي والمعروف عنه أنه يُولي لموضوعي تنشيط الاقتصاد وتطوير التعليم أولوية قُصوى.
مَبروك للكويت وأهلها… والبركة في أهْلِ الأمَل بمُستقبلٍ أَفْضَل.
جاسم مرزوق بودي
الراي 9 يونيو 2024