بقلم .. طوبى نور سونمز
سفيرة جمهورية تركيا لدى دولة الكويت
لقد مرت ثماني سنوات منذ أن وقف الشعب التركي بشجاعة ضد محاولة الانقلاب الدموية التي أطلقتها منظمة “فتح الله الإرهابية” (FETO) والتي استهدفت أساس الديمقراطية التركية وحكومتها المنتخبة.
في ليلة الخامس عشر من يوليو/تموز 2016، شهدت تركيا خطراً غير مسبوق هدد النسيج الديمقراطي فيها.
غادرت وحدات الجيش التابعة لمنظمة غولن الإرهابية أو الانقلابيون ثكناتهم لاحتلال مواقع رئيسية، مثل جسر البوسفور في إسطنبول، وقصفت الطائرات المقاتلة والمروحيات الهجومية أهدافًا استراتيجية بما في ذلك البرلمان والمجمع الرئاسي ومقر الجيش والشرطة في العاصمة أنقرة. حتى أنهم حاولوا اغتيال الرئيس رجب طيب أردوغان، وأجبروا هيئة الإذاعة والتلفزيون التركية الرسمية (تي آر تي) على قراءة بيان يعلن ما يسمى بالانقلاب العسكري.
ووجه الرئيس رجب طيب أردوغان، كلمة إلى الأمة، عبر مكالمة فيس تايم تم بثها على التلفزيون، دعا فيها مواطنينا إلى الدفاع عن ديمقراطيتهم. وقد لاقى نداءه صدى عميقا، مما حفز الملايين على مقاومة الانقلاب. وبثت المساجد دعوات للوحدة والمقاومة، مؤكدة على أن الديمقراطية تستحق الدفاع عنها بأي ثمن.
وبعد ذلك، نهض الشعب التركي بوحدة وشجاعة ملحوظة ودافع عن الديمقراطية بحياته، مظهراً التزاماً لا يتزعزع بديمقراطيته. واندفع المواطنون من كافة الأطياف، بغض النظر عن انتماءاتهم السياسية، إلى الشوارع في تحد للانقلاب، وواجه الرجال والنساء وحتى الأطفال الجنود المسلحين والدبابات، مدفوعين بإيمان راسخ بقدسية مؤسساتهم الديمقراطية، وهكذا أعلنوا “انتصار الديمقراطية”.
لم يتردد المتآمرون المشئومون في استخدام القوة العسكرية المميتة ضد المدنيين الأبرياء، مما أدى إلى استشهاد 251 شخصًا وإصابة الآلاف. كما استشهدت في هجوم الخونة ضابطة الشرطة السيدة زينب صاغير التي عملت في سفارتنا لمدة 3 سنوات.
إن الجرائم التي ارتكبت ليلة الخامس عشر من يوليو/تموز لم تكن سوى قمة جبل الجليد. فلو نجح الانقلاب المشئوم لما كان هناك ديمقراطية، ولكانت الحقوق والحريات الأساسية للأمة التركية متجمدة إلى أجل غير مسمى. كانت الأمة ستسقط في أيدي حكومة متطرفة حيث حاول الخونة اغتصاب حكم البلاد والقانون.
ولكن الانقلابيين لم يستطيعوا تخمين مدى صمود الشعب وبطولته. إذ تمت هزيمة إرادة تنظيم غولن الإرهابي للسيطرة على البلاد بأسرها، أمام إرادة الشعب في حماية الديمقراطية.
من ناحية أخرى، علينا أن نوضح الطبيعة الحقيقية لمنظمة فتح الله غولن الإرهابية. فقد تأسست هذه المنظمة الإرهابية في أواخر ستينيات القرن العشرين باعتبارها ما يسمى “حركة دينية”. وبحجة تعزيز التعليم والحوار بين الأديان، نجحت في تغطية نواياها الخبيثة.
إن التسلل المخطط له جيدًا والواسع النطاق من قبل أعضاء منظمة غولن الإرهابية والذي اخترق الجيش وأجهزة إنفاذ القانون والسلك القضائي والعديد من المؤسسات الحكومية، تم تنفيذه على مدى عقود من الزمن سراً بموجب خطة شاملة، تم إطلاق المرحلة النهائية منها في 15 يوليو 2016 بمحاولة انقلاب.
ونظرا لخطورة هذه الخيانة وتعقيداتها، فإن مكافحة منظمة غولن الإرهابية داخل تركيا وخارجها تشكل إحدى الأولويات الرئيسية لدولتنا. وقد تم تقديم مرتكبي محاولة الانقلاب إلى العدالة على أساس سيادة القانون. وتم الكشف عن الهيكل التنظيمي لمنظمة غولن الإرهابية داخل المؤسسات الحكومية، وتم البدء بالإجراءات الإدارية والقضائية ضد أعضائها.
لدينا تصميم راسخ على محاربة منظمة غولن الإرهابية والقضاء على أي تهديد قادم قد يأتي من هذه المنظمة الإرهابية الشنيعة في المستقبل.
إن أحداث 15 يوليو ستظل محفورة إلى الأبد في ذاكرتنا الجماعية كشهادة على قوة المواطنين الشجعان في الدفاع عن أسلوب حياتهم الديمقراطي.
إن شجاعة الشعب التركي وقدرته على الصمود في مواجهة التهديد الخطير لديمقراطيته تشكل قصة ملهمة للوحدة الوطنية والتصميم. إنه تذكير قوي بأن القوة الحقيقية للأمة تكمن في أيدي شعبها، والتزامه الثابت بمبادئ الديمقراطية. ولهذا السبب، يتم الاحتفال بيوم 15 يوليو باعتباره “يوم الديمقراطية والوحدة الوطنية”، وهو يوم لإبقاء الذاكرة الجماعية حية.
وبهذه المشاعر نتذكر بكل امتنان شهدائنا والمحاربين القدامى الذين دافعوا عن الديمقراطية بأرواحهم. إنهم أبطال “قرن تركيا”.
رحم الله كل من ضحى بحياته ببطولة وبسالة وأسكنه فسيح جناته.