admin 
كان فعلُ الإيمان مُصاحباً لمسيرته في كل شيء. التعلم إيمان، الخدمة العامة إيمان، تمثيل بلده في أفضل صورة سفيراً ومديراً إيمان، الدفاع عن قضايا الكويت ومصالحها في ظروف إقليمية ودولية صعبة إيمان، قيادة العمل الدبلوماسي بأدق تفاصيله إيمان… وشاء القدر أن يختم خالد الجار الله، حياته كما تمنى، في بيت الله وفي العشر الأواخر من رمضان، مُصلياً مُتعبداً في محراب الإيمان.
خسرت الكويت قامة كبيرة ارتدت العباءة الدبلوماسية لسنين طويلة، وسيفتقد دبلوماسيون وسفراء وسياسيون محليون وعرب وعالميون محضر الحكمة وهو الذي ما كان يبخل برأي سديد أو نصيحة في محلها.
أبو حازم، كان سيد المبادرة وحامل أختام التسويات المولودة من مفاوضات سهلة وشاقة، يجمع ما تفرّق ويوحّد ما تقسّم. كانت المؤتمرات السياسية الخلافية الإقليمية تعقد في الكويت ويعتقد الجميع أنها على أبواب الفشل ثم يتدخل حامل كلمة السر في اللحظة الأخيرة من وراء الستار فيخرج البيان الختامي… خاتماً مرحلة ومؤسساً لأخرى.
طيلة فترة عمله نائباً لوزير الخارجية ووكيلاً للوزارة، لم يعرف أحد من رجال السياسة والإعلام أنه غاب يوماً. خالد الجارالله، كان حاضراً على امتداد الساعة. يوضح الموقف الكويتي ويشرح حيثياته ويتمنى توجيه دفة العرض لمصلحة البلد. يجد وقتاً للرد أو اللقاء وكأنه في ميدان مفتوح أو ورشة كبيرة مستنفراً كل حواسه لسباق الزمن والانجاز.
ما من هدف لديه أهم من إعلاء صوت الكويت، وما من جُهدٍ بذله إلّا لتلميع صورة الكويت. قارئ إستراتيجي للتطورات وشمولي النظرة للأبعاد السياسية والاجتماعية… وفي الوقت نفسه، تجد مكتبه خلية نحل لا تهدأ وتجده في كل تفصيل حاضر الذهن للإجابة عن أي سؤال.
كثيرون اعتبروا المنصب وظيفة وأدوا عملهم كما يجب، لكن خالد الجار الله، لم يكن موظفاً، بل كلّل الشغف منصبه. أهدى العمر كله لخدمة بلاده حافراً اسمه في سجل السياسة الخارجية بأحرف من ذهب… فأهدته أيام عطائه سجلاً من نور.
أبو حازم، حازمٌ في الدفاع عن قضايا الكويت بما يقتضيه الواجب، ومرن في تمرير المواقف بما تقتضيه الدبلوماسية، لذلك كشف الكثير من المبادرات وطوى الكثير من الأسرار وخطّ في السياسة الخارجية مساراً مختلفاً. لا إعلان فيه إلا بحساب ولا تكتم إلّا لمصلحة.
رحمك الله يا أبا حازم، وعلى روحك السلام… الذي جاهدتَ من أجله.
الراى
24 مارس 2025
