• مايو 21, 2025 - 2:18 مساءً

جاسم الخرافي… 10 سنوات على رحيل الحكمة.. رجل دولة وقامة وطنية في ميادين الاقتصاد والعمل الخيري والتنمية

  

  • كانت مواقفه ومبادئه جزءاً من ذاكرة الكويت ومفردة أصيلة من مفردات تجربتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية
  • يُمثل نموذجاً يلهم الأجيال القادمة في العمل الوطني والممارسة المسؤولة
  • علاقاته لم تُبنَ على مصلحة بل على مبدأ فأحبّه مَنْ عرفه واحترمه مَنْ خالفه
  • جسّد مساراً مضيئاً ومنهجاً تأخذ منه الحكمة والموعظة لدوره الحكيم في المجتمع
  •  اقتصادياً… قاد توسعة أعمال «مجموعة الخرافي» لتصبح أبرز الشركات في المنطقة
  •  سياسياً… عُرف بعقلانيته واتزانه جامعاً بين الفكر والممارسة وبين الهدوء والذكاء
  •  اجتماعياً… كان شخصية جامعة يلتقي حولها الكويتيون من مختلف الأطياف والتيارات
  •  شعاره «الوطن لا يُبنى بالصراخ بل بالعمل الهادئ والحكمة» انعكس في أدائه السياسي

عرفت الكويت على مدى تاريخها العديد من الشخصيات الوطنية المؤثرة، التي تركت بصماتها الواضحة على مسار الدولة، وأسهمت في بناء مؤسساتها وترسيخ هويتها.

رجال عاشوا للكويت وبالكويت، وسكنوا في وجدان شعبها. ومن بين هؤلاء يبرز رئيس مجلس الأمة الأسبق الراحل جاسم الخرافي، رحمه الله، الذي تحلّ اليوم الذكرى العاشرة لرحيله، كرجل دولة وقامة وطنية، كانت مواقفه ومبادئه جزءاً من ذاكرة الكويت، ومفردة أصيلة من مفردات تجربتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

 سيرة عطرة

10 سنوات مضت على غياب ذلك الصوت الهادئ، والعقل الراجح، والرؤية الواثقة، التي لم تعرف الصخب والضجة، بل آثرت العمل بصمت وثبات.

ففي مثل هذا اليوم، الحادي والعشرين من مايو عام 2015، فقدت الكويت أحد رموزها الكبار، رجل الاعتدال والحكمة، الذي امتدت سيرته العطرة من قبة البرلمان، إلى ميادين الاقتصاد والعمل الخيري والتنمية.

عاش بقلبٍ مفعمٍ بالمحبة، وامتزج فيه التواضع بالعظمة، فكان يشبه البحر، لا يصخب لكنه يحتوي، لا يطلب شيئاً لكنه يمنح، لا يفرّق بين مَنْ يقترب ومَنْ يختلف، بل يفتح ذراعيه للجميع. وعلاقاته مع الآخرين لم تُبنَ على مصلحة، بل على مبدأ، فلهذا أحبه مَنْ عرفه، واحترمه مَنْ خالفه، ومَنْ عرف عمقه، لم يغادره احترامه يوماً.

عنوان الحكمة

لقد فقدت الكويت رجلاً كان في وجداننا عنواناً للحكمة، ودليلاً على أن الكبار لا يرحلون… بل يغيب البحر عن العين، ليظل في القلب والمدى أقوى من الغياب.

لقد جسّد جاسم الخرافي مساراً مضيئاً بالعطاء ومنهجاً لطريق حياة سليمة للأجيال القادمة، تأخذ منها الحكمة والموعظة مازالت راسخة في الأذهان لدوره الحكيم في المجتمع وخدمة وطنه.

نشأ جاسم الخرافي في بيت عُرف رجالاته بالتجارة والعمل العام، فوالده عبدالمحسن الخرافي كان من الشخصيات الاقتصادية والاجتماعية البارزة. وفي تلك البيئة المشبعة بالقيم، تأسست شخصية جاسم، الذي واصل تعليمه في جامعة مانشستر بالمملكة المتحدة، متخصصاً بإدارة الأعمال، قبل أن يعود إلى الكويت ليكمل مسيرة العائلة، ويضيف إليها بصمته الخاصة.

في مجال الاقتصاد، قاد جاسم الخرافي توسعة أعمال «مجموعة الخرافي»، لتصبح إحدى أبرز الشركات في المنطقة، تعمل في قطاعات حيوية كالمقاولات، والصناعة، والاستثمار، والخدمات. لم يكن مجرد رجل أعمال ناجح، بل صاحب رؤية اقتصادية تستند إلى إيمانه العميق بأهمية تطوير القطاع الخاص كركيزة للتنمية الوطنية، مؤمنًا بأن اقتصادًا قويًا هو أساس لوطن قوي

رمز سياسي

الحضور الأبرز لجاسم الخرافي كان في العمل العام، حين دخل الحياة السياسية، ليصبح لاحقاً أحد رموزها المضيئة، المتوازنة لم يكن دخوله السياسة من باب الوجاهة، بل من باب الواجب والمسؤولية

عُرف بعقلانيته واتزانه، فكان يجمع بين الفكر والممارسة، بين الهدوء الأخلاقي والذكاء السياسي، بين الواقعية والحكمة، لم يكن من محبي المواجهة من أجل المواجهة، بل من الساعين لإيجاد الحلول وتخفيف التوترات، واضعًا نصب عينيه دائمًا مصلحة الكويت واستقرارها.

تميّز بأسلوبه الحواري الهادئ، وسعيه الحثيث لردم الهوة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، وكان دائم الدعوة إلى التهدئة، ورفض الاستقطاب السياسي.

شعار وعمل

وكان دائم الترديد: «الوطن لا يُبنى بالصراخ، بل بالعمل الهادئ والحكمة». هذا الشعار لم يكن مجرد قول، بل ممارسة فعلية حقيقية انعكست في أدائه السياسي، إذ كان من أبرز الداعمين لتطوير التشريعات الاقتصادية والاجتماعية، والعمل على تحقيق التوازن بين الحكومة والمجلس دون المساس بروح الدستور أو مبادئه.

ونجح جاسم الخرافي في دعم التعليم والثقافة، وساهم في تحسين الخدمات التربوية، وساند بقوة العمل الخيري في الداخل والخارج، وخص الفئات المحتاجة باهتمام خاص، وفي أوقات الأزمات، يدعو إلى التماسك الوطني، ويرفض خطاب الانقسام الطائفي أو الفئوي، مؤمنًا بأن الكويت أكبر من كل تلك الخلافات شكّل حضوره مزيجاً بين التواضع والحزم من خلال إدارته الحكيمة للنقاشات واستماتته في الدفاع عن وحدة الصف الوطني وحظي بعلاقات طيبة مع الجميع، حيث عُرف بدماثة خلقه واحترامه العميق للآخرين، مهما اختلفت آراؤهم أو توجهاتهم.

رجل جامع

جمعته صداقات وعلاقات متميزة مع مختلف أطياف المجتمع والسياسيين، ما جعله جسراً للتقارب والتفاهم في أوقات الشدّة والاختلاف. وتميّز بأسلوبه الهادئ وكلماته المتزنة التي تعكس حكمة وخبرة رجل كرّس حياته لخدمة الكويت.

وبفضل هذه الصفات، كان مثالاً للرجل الحكيم الذي يجمع ولا يفرّق، ويصغي قبل أن يتكلم، فيكسب القلوب قبل المواقف، والعبور إلى شاطئ الأمان،عُرف بسعة صدره وقدرته على التوازن بين مختلف التوجهات السياسية، ما جعله يحظى باحترام واسع في الداخل والخارج.

وعلى الصعيد الاجتماعي، كان الخرافي شخصية جامعة يلتقي عندها الكويتيون من مختلف الأطياف والتيارات، ويتبع سياسة الباب المفتوح لكل الناس، يسمعهم، ويحاورهم، ويحترم اختلافاتهم.

وامتدت علاقاته شمال وجنوب الكويت بكل تنوعاته، فكان محل إجماع واحترام كبيرين وترك أثراً يصعب نسيانه، فكان نموذجاً يُمكن أن يلهم الأجيال القادمة في العمل الوطني والممارسة المسؤولة وبقي أثره ممتداً، كنموذج لرجل خدم وطنه بإخلاص، وقدّم له عقله وقلبه، تظل سيرة جاسم الخرافي مصدر إلهام لكل مَنْ يتطلع إلى قيادة وطنية تجمع بين الرؤية الصادقة والعمل الهادئ والعطاء.

عَشْرٌ مضت… ما أصعب الرحيل

عشر سنوات مضت… ما غاب ذكرك مرّة ولا تراجع الحضور. على العكس من ذلك كان الترحّم عليك، شخصاً وسيرة ومسيرة ومواقف، يزداد كلما توتّرت الحياة السياسية واهتزت اللحمة المجتمعية وتمادى البعض في الطعن بالوحدة الوطنية… ولسان حال المُترحّمين واحد: أين أنت يا أبا عبد المحسن.

جاسم الخرافي، ما أصعب الرحيل. ليتهم سمعوا منك. ليتهم اعتمدوا تقديراً للأمور شبيهاً بما فعلت. ليتهم توقّفوا عند تحذيراتك الدائمة بألّا تتحول الحياة الديموقراطية إلى مِنصّات إطلاق مُغامرات وإساءات وتفريط بالمُكتسبات الدستورية وأهمها الحريات العامة… وليتهم تشابهوا – كما فعلت – مع تاريخ هذا البلد ورموزه وأخلاق رجالات الدولة. وها هم يحصدون نتائج ما كنت تُحاول بكل قوّتك ألّا نصل إليه، لكن الداء تفاقم وآخر الدواء الكيّ.

حمت قامتك حتى الذين أساؤوا إليك، وكانت ابتسامتك التي لا تفارقك جسر تواصل مع الجميع وحاجزاً في الوقت نفسه يحجب النزول إلى مستويات من الخصومة لم تألفها شخصياً ولم تعرفها الكويت.

أبا عبد المحسن، أمسكت بمطرقة البرلمان كأنّك تمسك الجمر خوفاً من سقوطه واحتراق التجارب والمراحل. صبرت وتعاليت وتجاوزت ولم تقطع الودّ حتى مع من تعمّد الإساءة إليك. كلّما تمادوا في غيّهم وسياساتهم وسلوكياتهم كانت ابتسامتك تنطلق ورحابة صدرك تتّسع ورباطة جأشك تقوى. وفي الوقت نفسه كنت تردّ على كلّ فرية أو خطأ بأسلوب الاحترام والحزم اللذين جُبِلت عليهما من دون التعرّض الشخصي لأيّ كان، رغم أن سلاح الفاشلين والمُقامرين بالاستقرار كان يرتكز أساساً على التعرّض لشخصك والافتراء على سيرتك التي خرجت دائماً من أيّ سجال مُشرقة لامعة.

ليتهم سمعوا منك. حكومات عاجزة لا برامج عندها ولا همّ لها سوى عقد صفقات مع بعض النواب خوفاً على كراسي الوزراء، ومجالس كبّلتها المصالح الشخصية والانتخابية. التقى الطرفان على العبث المُبرمج … وكان القانون ضحية ذاك العبث.

واجهت انحرافات بعض من في المُؤسّسة التشريعية كما واجهت تخاذل حكومات عن اتخاذ القرارات الصحيحة… ومع ذلك، كانت قامتك جامعة شاملة. تضع الإصبع على الجُرح أو مكمن الخلل، وتمدّ يدك فوراً إلى الجميع للعمل معاً من أجل الوصول إلى حلول.

كم كان للصبر حضور في عقلك وقلبك إيماناً منك بأن الكويت أسرة واحدة. كم تجاوزت وترفّعت. كم كُنت أنت في مُختلف الظروف والتحديات. أنت الذي لا تُشبه سوى نفسك… كم كُنت الكويتي الكويتي جاسم الخرافي.

المصدر/ ” الراي ” 21 مايو 2025

Read Previous

وزيرة الأشغال : بدء صيانة جذرية للطرق في مدينة سعد العبدالله

Read Next

حمد المرزوق: البنوك لديها أكثر من 5 مليارات دينار سيولة.. لمواجهة التوسع بالائتمان وتمويل المشاريع العقارية

0 0 votes
تقييم المقال
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments

Most Popular

0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x