
قال العضو المنتدب للهيئة العامة للاستثمار الشيخ سعود سالم الصباح إن الهيئة ملتزمة بالاستثمار في الولايات المتحدة، وهذا التوجه لن يتغيّر، مضيفاً أن المستثمرين الذين يخفضون المخصصات الموجهة لأصول أميركية يفعلون ذلك مقابل ماذا؟ أي مقارنة بماذا تحديداً؟ أعتقد أن لدى الولايات المتحدة الاتساع والعمق الكافيين للحفاظ على استثنائيتها التي تميّزها، كما أنها لاتزال تتمتّع بسيادة القانون. ولذلك أكرر «التقليل من شأن الوزن الاستثماري للولايات المتحدة مخاطرة على حساب من يفعل ذلك».
كلام الصباح جاء خلال حلقة نقاشية في منتدى قطر الاقتصادي بالتعاون مع وكالة بلومبرغ، حيث قدم رؤيته لآفاق مشهد الاستثمار العالمي في ظلّ الظروف الاقتصادية المتغيّرة، لافتاً إلى أن الولايات المتحدة تمتلك أكبر سوق للدخل الثابت، وأكبر سوق للأسهم الخاصة، وسوقاً عقارية ضخمة، إضافة إلى البنية التحتية والائتمان، إلى جانب أكبر أسواق رأس المال في العالم، وقال «المرء ينبغي أن يكون موجوداً هناك. وإذا أردتَ النمو، ينبغي أن تنمو مع أميركا».
وقال الصباح إن «هيئة الاستثمار» كانت دائماً جاهزة عندما كانت تسوء الأمور، وأضاف «استفدنا كثيراً من الأزمة المالية. ربما تعلمنا من أخطائنا في مجال الـ (دوت كوم)، لكن خلال الأزمة لعبت الهيئة دوراً كبيراً في إنقاذ صناعة الخدمات المالية».
ورداً على سؤال: هل هذا يعني أن الكويت ستنضم إلى قائمة الدول التي تتعهد بالاستثمار في أميركا، قال الصباح:«لا، إنه سؤال مباشر جداً. يعود الأمر إلى عمليتك وتخصيص الإستراتيجي للأصول. إذا طورتَ إستراتيجية تطلعية ووضعتَ عملية حولها، فلن تحتاج إلى أن تكون رد فعل. إذا كنتَ موجوداً بالفعل، فلن تحتاج إلى الانضمام. هكذا سأصيغ الأمر».
وأشار إلى أن الوقت بدأ ينفد أمام قطاع استثمارات الملكية الخاصة، وأن على صناديق الاستحواذ أن تبدأ بإعادة الأموال إلى المستثمرين، موضحاً أن القطاع يواجه أزمة بعدما أفلت من المحاسبة خلال السنوات الخمس إلى العشر الماضية، وأن بعض الشركات كانت تُبرم صفقات دون أي خيارات حقيقية للتخارج منها، خصوصاً في الاستحواذ الكبير ورأس المال الجريء، وأدوات الاستثمار وهو علامة مقلقة.
وأضاف أن هناك 3 أسباب رئيسية لذلك يتعلق الأول بالتسعير السيئ من دون عملية حول خلق القيمة، مع الاعتماد على الرافعة المالية وتوسع الضرائب.
وقال الصباح «نحب الشركاء العامين الذين نعمل معهم، لكن عندما يفعلون شيئاً صحيحاً، يخبرونك بذلك ويتفاخرون. لذا، أطلب من الشركاء المحدودين أن يطلبوا من شركائهم العامين إظهار عملية التسعير الخاصة بهم والضرائب التي اشتروا بها في مختلف السنوات. إذا رفضوا إظهار ذلك، فهم يفعلون شيئاً خاطئاً، لأنهم يتفاخرون إذا كانوا يفعلون شيئاً صحيحاً».
ورداً على سؤال عن تعامل أقدم صندوق سيادي (الهيئة العامة للاستثمار) وكيفية التفكير في بناء المحفظة الاستثمارية، قال الصباح: «تجاهل الجَلَبة إذا كنت مستثمراً طويل الأجل. وفي ما يتعلّق بالفرص العالمية، سنتحدث اليوم عن تحديد الفرص بناءً على سوء إدارة المخاطر. وكمستثمر طويل الأجل، لا يمكنك الاعتماد على الحظ. لتحقيق النجاح، قد يكون المرء محظوظاً على المدى القصير، لكن على المدى الطويل، لا يمكنه تحمل تكلفة الحظ».
وذكر الصباح أن تحديد الفرص بنجاح، يحتاج إلى 4 أمور رئيسية عبارة عن إستراتيجية طويلة الأجل، وعملية منظّمة حولها، ومواهب لاختيار الفرص الصحيحة، والجرأة لاتخاذ قرارات عند ظهور الفرص. وعند بناء محفظة استثمارية، سواء كنت صندوقاً سيادياً أو صندوق معاشات، ينبغي أن يعرف المستثمر وجهته، ويعمل بطريقة عكسية لتحقيق متوسط عائد رأس المال المطلوب.
وأفاد بأن المشكلة الرئيسية تكمن هنا، حيث يميل المستثمرون أحياناً إلى التركيز على ملاحقة العوائد دون النظر إلى المخاطر. لذا، ينبغي تخصيص ملف مخاطر محدد للاستثمار. والتصور أن مزيداً من المخاطر يزيد احتمالية تحقيق عائد أكبر، لكن هذا قد يكون مضللاً حسب قول الصباح الذي أكد أنه لا يمكن تفادي المخاطر عند الاستثمار، بل ينبغي فهمها ومعرفة كيفية إدارتها.
وأضاف أن المخاطر قد تكون مضللة لأنها دائماً رقم مطلق، لكن كلما زادت المخاطر، زادت احتمالية العائد الأكبر، والعكس صحيح. ولهذا ينبغي وضع عملية تنظيمية حول ذلك، لأن الاستثمار عقلاني، لكن المستثمرين ليسوا كذلك. وأنه ينبغي القضاء على العواطف عند الاستثمار. وقد رأينا ذلك في الأشهر الستة الأولى من هذا العام، حيث شهدنا أسواقاً متقلّبة للغاية، وروح المغامرة في بداية العام، لكنها دخلت في سبات. يبدو العالم مقلوباً».
وأضاف الصباح «أعتقد أن المرء بحاجة إلى التركيز على البيانات الصلبة وليس الناعمة. إذا أغلقتَ التلفاز ونظرتَ إلى البيانات الصلبة القادمة من أميركا، فقد كانت قوية جداً. لكن المستثمرين كانوا يتفاعلون كما لو كان العالم ينتهي. ما حدث في الشهر الماضي كان مهماً جداً. انتقلتَ من سوق هابطة إلى سوق صاعدة في 4 أسابيع، وهذا ليس طبيعياً. هذا النوع من السلوك يعني أن الناس كانوا يعانون من الخوف من تفويت الفرصة، وهذا الجزء العاطفي. لذا، اشتروا في سوق صاعدة، ثم باعوا عندما انخفضت الأمور. هذا يعني أنك اشتريت بسعر مرتفع وبعت بسعر منخفض، ولن تستمر في الاستثمار إذا اشتريت مرتفعاً وبعت منخفضاً. أما بالنسبة للإشارات، فهي تعتمد على السعر الذي تُعوَّض به مقابل عدم اليقين الموجود».
ورداً على سؤاله إذا كانت أميركا أقل جاذبية الآن على الهامش مما كانت عليه خلال العشرين أو الثلاثين عاماً الماضية من حيث الإمكانات الصعودية، وإذا ما كان ذلك يؤثر على تخصيص الاستثمارات بشكل عام، قال الصباح: «لنفترض نظرياً أن أسواق الأسهم أصبحت أقل جاذبية. ستأخذ رأس المال من مكان وتضعه في مكان آخر. قد تأخذه من أسواق الأسهم الأميركية وتضعه في البنية التحتية الأميركية، أو في الأسهم الخاصة، أو الائتمان الخاص. لذا، لايزال يبقى في أميركا، وقد ينمو أيضاً. السؤال: إلى أين سيذهب؟».
وعن توجيه الاستثمارات نحو القطاع العام أو الخاص، قال الصباح:«هناك فرص ومخاطر في كلا الجانبين من السوق. في الأسواق العامة، أحد المخاطر الرئيسية الاستثمار في المؤشرات. قبل 10 سنوات، كانت الأسماء الخمسة الأولى في المؤشر تشكل نحو 14 في المئة من الوزن. واستفادت الأسواق العامة والمؤشرات من البيانات والسيولة مع مرور الوقت، وذهب الكثير من التدفقات إلى الاستثمار السلبي، ما أدى إلى زخم. الآن، تشكل الأسماء الخمسة الأولى نحو 30 في المئة من مؤشر (إس آند بي 500). وقد تعتقدون أن هذا رقم كبير، لكن هذه ليست المخاطر الحقيقية. هذه الـ 30 في المئة مترابطة بشكل كبير مع بعضها البعض، وهو بمثابة إضافة رافعة مالية إليها، ما يشبه الضربة المزدوجة. وقد رأينا كيف أثر ذلك عندما خرجت أخبار «ديبسيك»، حيث انخفض السوق. هذه إشارة ينبغي الانتباه إليها.
وأضاف الصباح «إذا نظرتَ إلى المحافظ خلال العام الماضي، كل ما أحتاجه معرفة شيء واحد: هل احتفظ المدير بـ 6 في المئة من شركة إنفيديا في محفظته؟ وما إذا كان قد تفوق على مؤشره أو أقل أداءً. ففي الأسواق العامة، إذا قارنتَ بين الديون والأسهم، فهذا يعتمد على السعر ومكانك في هيكل رأس المال. في المتوسط، وكلمة في المتوسط خطيرة، لكن أسواق الأسهم تعود بنسبة 8 في المئة على المدى الطويل. وفي أبريل، حتى لو لم تكن فروق العائد عند مستويات تاريخية، كان العائد الإجمالي نحو 8 في المئة. تحصل على عوائد تشبه الأسهم وأنت في أعلى هيكل رأس المال. لكن ينبغي أن تكون مستعداً، وينبغي اتخاذ قرار عند ظهور تلك الفرصة».
ورداً على سؤال عن نطاق تعرض«هيئة الاستثمار»الآن، وإذا ما كانت تتطلع إلى تقليل التعرض للأسهم الخاصة أم لا؟قال الصباح: «لا، الأسهم الخاصة مجموعة واسعة جداً، وأعتقد أن المخاطر تكمن بشكل رئيسي في الاستحواذ الكبير ورأس المال الجريء. السبب الأول التسعير السيئ. الجزء الثاني التسعير من دون خيارات خروج. عندما يسعرون صفقة معينة، ينظرون إلى مسار خروج واحد، مثل الطرح العام. ماذا يحدث إذا أغلق هذا السوق؟ الجزء الثالث الانحراف في الحجم. رأينا صناديق الأسهم الخاصة تنمو في الحجم مع مرور الوقت مع نفس عدد الشركات في المحفظة. تراها تصل إلى 10 أو 15 أو 20 مليار دولار. إذا كان التسعير الأساسي يعني عائداً مضاعفاً، فهذا يعني أنك ينبغي أن تحقق أصولاً بقيمة 40 ملياراً. السؤال هو: من سيشتريها؟ والإجابة: لا أعرف. وعندما نجمع كل هذا، فسنحصل على العاصفة المثالية، وهو ما لدينا الآن. فلدينا 3 تريليونات من الشركات في المحافظ التي لم تُحقق بعد، وأسوأ جزء هو أنها تقترب من نهاية دورة حياة الصندوق. الآن، يطالب الشركاء المحدودون باسترداد أموالهم، والساعة تدق، والمشترون على الجانب الآخر يُدفع لهم للانتظار. ولهذا ترى الفرص تظهر في الأسواق الثانوية والحالات الخاصة. إنها لتوفير حلول للشركاء المحدودين والعامين للخروج من المشكلة التي هم فيها. لذا، عندما تسأل إلى أين تذهب في الأسهم الخاصة؟ أقول إن الأسواق الثانوية هي نافذة ذهبية للفرص، ليس بسبب الأحداث التي تحدث اليوم، بل بسبب الأخطاء التي ارتُكبت قبل 5 أو 10 سنوات، والآن ينبغي دفع ثمنها، وربما يكون الثمن باهظاً».
عن الأخطاء التي يرتكبها الناس عادةً، وأن الاستثمار الجيد يتعلّق بتفادي تلك الأخطاء، قال الصباح: «الجميع يخطؤون. لا يمكنك تفادي ارتكاب خطأ، لكن المهم تحسين عمليتك على طول الطريق. وبعد النظر، الجميع لديه رؤية مثالية، لكن لا أحد يستطيع التنبؤ بالمستقبل. لذا، ينبغي التركيز على عمليتك. لكن أقول إن هناك درسين رئيسيين للمستثمر طويل الأجل: مما يؤتي ثماره أن تقرر الصبر بنشاط، وأحياناً تكون أفضل قرارات الاستثمار التي تتخذها هي الفرص التي لا تسعى وراءها».
ورداً على ارتكاب أخطاء، أضاف الصباح: «في ماذا أخطأنا؟ لقد كنا ومازلنا موجودين منذ 72 عاماً. نرتكب أخطاء دائماً، لكننا نتعلم منها. أعتقد أن الأمر يتعلق أحياناً بتحسين عمليتنا باستمرار، وأحياناً ينساق المرء عندما تسير الأمور بشكل صحيح ويظن أنه يفعلها بشكل صحيح، لكن المرء لا يعرف إن كان ذلك حظاً أم مهارة. الآن، انتهت الأوقات السهلة لكسب المال، ينبغي أن تستمر في تحسين عمليتك طوال الوقت. أنا ممتن لامتلاك فريق عظيم يعمل معي، وقد ركزنا كثيراً على العملية. أعتقد أن هذا هو الشيء الرئيسي».
أشار الصباح إلى أن أفضل طريقة للحصول على الذكاء الاصطناعي الآن، حتى بالنسبة للصناديق السيادية وكبار موزعي رؤوس الأموال، الاستثمار في الممكنات، مثل مراكز البيانات والطاقة. وأن الطاقة ستكون المشكلة الرئيسية، إلى جانب الاتصالية.
وذكر أنه عند «المقارنة بين امتلاك أصل وإقراضه. فحتى في الإنفاق على البنية التحتية في الذكاء الاصطناعي، ولو كان يُصنف كأسهم، فالفرصة الرئيسية في الإقراض. أعني بالإقراض أنك تذهب إلى شركة كبرى، وتقول: سأبني لك مركز بيانات وأؤجره لك تعاقدياً. الأمر يبدو كأسهم، لكنك تحصل على أداة دخل ثابت تدفع لك 10 أو 12 أو 13 في المئة من العائد الداخلي على شركة كبرى مصنفة بـ (AAA). هذه طريقة رائعة للعب في مجال استثمارات الذكاء الاصطناعي، في رأيي».