إثر الحادث الإرهابي بتفجير مسجد الإمام الصادق، أصدر مجلس الأمة قانونا للبصمة الوراثية في الأول من يوليو الماضي، يلزم من خلاله جميع المواطنين والمقيمين بإجراء فحص DNA، لحفظها في قاعدة بيانات لدى وزارة الداخلية، ويعاقب بالسجن لمدة عام واحد وغرامة لا تزيد على 10 آلاف دينار، أو بإحدى العقوبتين أي شخص يمتنع عن تقديم عينة الحمض النووي. وكانت منظمة هيومن رايتس ووتش قد أعلنت ان هذا القانون الذي تبناه مجلس الأمة يمثل انتهاكا للخصوصية. وقد اختلفت الآراء والرؤى حول هذا القانون… المحامية أريج حمادة تقدم دراسة لهذا القانون 78 لسنة 2015 تلقي الضوء من خلالها على نشأة وتطور علم البصمة الوراثية، وإيجابيات وسلبيات القانون الذي صدر، وهنا ملخص للدراسة:
في عام 1984 جرت جريمة اغتصاب، حيث قتلت طفلتان على مرحلتين. وقد ترك القاتل سائلا منويا على جسم كل من الطفلتين بعد أن قام باغتصابهما، وقيدت الجريمة ضد مجهول، لكن المحققين كانوا متأكدين أن المجرم من سكان نفس المنطقة التي حصلت فيها جريمة الاغتصاب والقتل، ومنذ ذلك الوقت قررت الشرطة البريطانية الاعتماد على التكنولوجيا للكشف عن المجرمين.
وكان احد المحققين قد سمع عن عالم بريطاني يدعى «أليك جيفريرز» وهو مكتشف البصمة الوراثية (الحمض النووي)، حيث يتم من خلاله التعرف على هوية الأشخاص، فأملت وزارة الداخلية البريطانية استغلال هذا الاكتشاف لربط المجرم بجريمة اغتصاب الطفلتين المقتولتين، فأطلقت الشرطة البريطانية حملة التطوع للفحص النووي للرجال في منطقة إيبرور وحددت المرحلة العمرية الخاضعة للفحص من سن 13 إلى 33 سنة، وحيث ان الشرطة البريطانية كانت على يقين بأن المجرم لن يتطوع للفحص أو سيحتال على نظام الفحوص، وبالتالي سيتم فتح تحقيق مع رجال المنطقة الرافضين لإجراء الفحص النووي، وبالفعل تقدم 4500 رجل باستثناء شخص واحد وهو خباز محلي له سجل إجرامي، حاول التخلص من الفحص من خلال صديق له طلب منه مساعدته بانتحال شخصيته، وتقديم عينته بدلا منه، وذلك لإجراء الفحص من خلال استعمال جواز مزور باسمه، وبعد الإلحاح وافق على انتحال شخصية الخباز، وبالفعل قدم عينة دمه باسم المجرم، وبعد مرور شهرين عرفت بالمصادفة مديرة المخبز بذلك فتقدمت ببلاغ إلى الشرطة البريطانية، وبعد القبض على الخباز وإجباره على إجراء الفحص النووي ثبت انه المجرم وثبت ارتباطه بالجريمة، وبذلك أصبح للبصمة الوراثية دور في وقف ارتكاب جرائم أخرى بعد القبض عليه عن طريق تحليل الحمض النووي (DNA).
وتعتبر البصمة الوراثية من أهم الوسائل التي أحرزتها البشرية في مجال البحث الجنائي لمحاربة ومكافحة الجريمة. وقد أصبح بإمكان الباحثين الجنائيين التدقيق في أدق تفاصيل الجريمة بسبب اكتشاف البصمة الوراثية، والتي أحدثت ثورة هائلة وتغييرا جذريا في التحقيقات فزادت من قدرات الكشف والتحقق.
القانون الكويتي
أما في القانون الكويتي فقد تم تعريف البصمة الوراثية في المادة 1 بأنها خريطة الجينات البيولوجية الموروثة، والتي تدل على شخصية الفرد وتميزه عن غيره، وتتمثل السمات البيولوجية أو الخط الجيني للمواقع غير المشفرة عالية التبيان في الحمض النووي الكروموزي التي تنتج من تحليل الحمض النووي بالعينات البيولوجية.
ولم يكتف المشرع بذلك بل تطرق أيضا لتعريف مصطلحين آخرين وهما العينة الحيوية، وهي الجزء الذي يؤخذ من الجسم البشري أو إفرازاته الحيوية بهدف إجراء المقارنة لتحديد الشخصية، كما عرف قاعدة بيانات البصمة الوراثية، وهو عبارة عن نظام حاسب آلي تخزن فيه البيانات التي تحوي السمات الوراثية للحمض النووي للأشخاص المخزنة بياناتهم، وحسبما ورد في المادة 2 من القانون فإن هذه القاعدة تنشأ في وزارة الداخلية وتخصص لحفظ البصمات الوراثية الناتجة عن العينات التي تؤخذ.
وقد جاءت المادة 5 من القانون لتتناول الحالات التي يتم عن طريقها الاستعانة بهذه القاعدة، حيث حصرت في الآتي:
٭ تحديد هوية مرتكب الجريمة وتأكيد ارتباطها بها.
٭ التحقق من هوية المشتبه فيهم وإثبات نسبهم بذويهم.
٭ تحديد هوية الجثث المجهولة.
حجية البصمة الوراثية
تعد البصمة الوراثية البنية الجينية التفصيلية التي تدل على هوية كل فرد بعينه وهي وسيلة تمتاز بالدقة لتسهيل مهمة الطب الشرعي والتحقق من الشخصية ومعرفة الصفات الوراثية المميزة للشخص عند أخذ أي خلية، سواء الدم أو اللعاب أو المني أو البول أو الشعر أو بصمة الجسم أو أظافر أو حتى الجلد البشري، لذلك تعتبر قرينة إثبات قوية لا تقبل الشك، وهي وسيلة معترف بها في جميع محاكم أوروبا، كما تعتبر من أحدث الطرق لإثبات النسب أو نفيه.
الآثار السلبية للبصمة الوراثية
ورغم كل الجوانب والآثار الإيجابية للبصمة الوراثية التي ذكرت إلا انها لا تخلو من الآثار السلبية، ومنها على سبيل المثال انتهاك حق الخصوصية للإنسان، لذلك لا بد من وجود توازن ما بين حق الخصوصية في الحياة الخاصة وبين حق المجتمع بالتعرض لشؤونه.
سريان قانون البصمة الوراثية
يضع قانون البصمة الوراثية المبادئ العامة ويتم تنظيم هذه المبادئ بصورة مفصلة بواسطة لوائح تضعها السلطة التنفيذية، وهذا ما تناولته المادة 3 من قانون البصمة الوراثية، حيث أعطت اللائحة التنفيذية الحق في تنظيم أحكام أخذ العينات الحيوية وإجراء فحص البصمة الوراثية وكذلك تسجيلها بقاعدة بيانات البصمة الوراثية على أن يتم التسجيل خلال سنة من تاريخ إصدار هذه اللائحة. وبعد الاطلاع على المادة 11 من ذات القانون نجد أنه حدد نطاق تطبيق القانون من حيث الأشخاص، حيث تسري أحكام قانون البصمة الوراثية على جميع المواطنين والمقيمين والزائرين وكل من دخل الأراضي الكويتية.
إلا انني أرى ضرورة تحديد دوافع وأسباب الطلب على سبيل الحصر حتى لا يكون هناك تعسف في استعمال هذا الحق من قبل الجهات المختصة.