في الخمسينيات من القرن الماضي، كان اسم الكويت يقترن, خصوصا في عناوين الرسائل، ببلاد العرب. وأتصور أن تعبير «الكويت بلاد العرب»، جاء من الإنجليزية (Kuwait – Arabia)، لتحديد موقعها؛ لكونها دولة وكيانا صغيرا آنذاك، وإظهارا لشعور أهلها بانتمائهم العربي.
تذكرت هذا الأمر الآن للتأكيد على أن ما بين الكويت ومصر من الصلات والوشائج، يجعلنا مطمئنين تماما إلى أن حادثا عابرا وفرديا لا يمكن أن يؤثر سلبا في العلاقات الوثيقة بين الدولتين والشعبين الشقيقين.
ولست أبالغ حين أقرر أن هذين الشعبين هما من أكثر شعوب الأرض وفاء، فهذه حقيقة يلمسها الجميع، كما أن وقائع تاريخية كثيرة برهنت على صحتها، لذلك فإن الكويتيين لم ينسوا يوما، ولن ينسوا أبدا، أن أول بعثة تعليمية وفدت إلى الكويت لتعليم أبنائها، جاءتنا من مصر، وقت أن كان عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين وزيرا للمعارف (التعليم)، ونحن ندين بالفضل لهؤلاء المعلمين الأوائل، تماما كما نقدر لمن جاء بعدهم من معلمين وأساتذة جامعة وقضاة وأطباء ومهندسين وموظفين تقنيين وإداريين في مختلف التخصصات وعمال، ما قاموا به من جهود، وما أدوه من دور لا ينكره إلا جاحد، في نهضة الكويت وعمرانها وتقدمها.
بل ولا ينسى الكويتيون أيضا دور أدباء وفناني مصر في بناء النهضة الثقافية والفنية، وأن الذي وضع لبنات الفن المسرحي في الكويت هو الفنان المصري القدير الراحل زكي طليمات، والذي قدم لنا جيلا من عمالقة الفن الذين مازالوا يمتعوننا بفنهم وعطائهم الجميل.
أما موقف مصر من الغزو الغادر الذي قام به صدام حسين للكويت في العام 1990، فإنه مسجل ومحفور بأحرف من نور في صفحات التاريخ، فقد قادت مصر وقتها موقفا عربيا شجاعا، تأييدا للحق الكويتي وللشرعية الكويتية، وتصدت للذين أرادوا «تمييع» المواقف، أو «اللعب على كل الحبال»، ورفضت كل وسائل التسويف والمماطلة، وأصرت على موقف حازم وقاطع في تأييد تشكيل تحالف دولي لإخراج الغزاة من الكويت، ولم تكتف بالموقف السياسي، بل شارك جيشها في حرب التحرير، حتى عادت الكويت إلى أهلها طاهرة محررة.
ونحن على يقين أيضا بأن إخواننا المصريين يذكرون للكويت أنها الدولة التي لم تتخلّ عن مصر يوما، ولم تبخل قط بأي لون من ألوان الدعم الذي تستطيع تقديمه، اقتصاديا وسياسيا وحتى عسكريا، فكما امتزج الدم الكويتي والمصري في حرب تحرير الكويت، فقد سبق أن امتزج أيضا في أرض سيناء المصرية، خلال حربي 1967 و1973، وسقط على «أرض الفيروز» شهداء كويتيون افتدوا بأرواحهم تراب مصر الطهور، إيمانا منهم ومنا جميعا، بأن الأمة العربية نضالها واحد، وهدفها واحد، وعدوها أيضا واحد.
ويعرف الكافة أيضا أن العلاقات بين الكويت ومصر قد ازدادت قوة ورسوخا، بعد تولي الرئيس عبدالفتاح السيسي سدة المسؤولية، وأن قيادتي الدولتين حريصتان أشد الحرص على تطوير هذه العلاقات وتنميتها في كل المجالات، كما أن الكويت ساندت كل الخطوات التي اتخذتها القيادة المصرية لدعم أمن واستقرار مصر الشقيقة، واستكمال خطوات «خارطة الطريق» الهادفة إلى تعزيز الاستقرار، وإعادة بناء المؤسسات الدستورية، وإعادة إطلاق عجلة التنمية والاستثمار بكل قوة.
صحيح أن هناك من ينفخون في نار الفتنة، ليشعلوها نارا، ويتخذوا من حادثة فردية وسيلة لضرب العلاقات القوية والراسخة، ومحاولة الإيهام بأن هناك «أزمة»، مع أن هذه الأزمة لا وجود لها إلا في عقول هؤلاء العابثين، خصوصا في مواقع التواصل الاجتماعي، التي يستثمر بعض المتعاملين معها نقص المعلومات لدى العامة، ويروج لشائعات وأكاذيب كثيرة، على الرغم من أن الذين يعايشون الأحداث من قرب وبموضوعية، يعرفون أن الجهات الأمنية في الكويت ومصر تعاملت مع «حادثي حولي والمنيا» بتحضر ومسؤولية، ووضعتهما في إطارهما القانوني الخالص، بعيدا عن أي توظيف سياسي أو إعلامي أراد البعض جرنا إليه، وفي خلال دقائق من وقوع «حادث حولي» كانت الأجهزة الأمنية قد ألقت القبض على جميع المتورطين فيه، وقدمتهم إلى القضاء لينالوا جزاءهم العادل. والكل يعرف أن الكويت دولة قانون، وأن هذا القانون يستوي أمامه المواطن والمقيم، وأن القضاء الكويتي ينتصف دوما لكل صاحب حق، من دون النظر إلى هوية أو عرق أو دين من يختصمون أمامه.
غير أن هؤلاء العابثين واهمون، إذا تصوروا أنهم قادرون على إفساد ما بين الدولتين والشعبين الشقيقين، فما بينهما أكبر وأرسخ من كل ذلك العبث، وهما قد واجهتا على مر تاريخهما تجارب ومحنا أكبر وأخطر، لكن الدولتين صدتا كل محاولات الفتن، وبقيت روابطهما قوية ومتينة، بل وتتطور كل يوم، وستظل تتطور، و«تكنس» في طريقها كل محاولات العبث ومساعي الفتنة، وترد كيد الكائدين إلى نحورهم، ويبقى الكويتيون والمصريون إخوة أشقاء، لا يفرق بينهم شيء، ولا ينال من مودتهم أحد.