• نوفمبر 22, 2024 - 3:43 مساءً

المغفور له العم محمد صالح بهبهاني طوى صفحة مضيئة في تاريخ رجالات الكويت

طوى العم المرحوم محمد صالح بهبهاني، صفحة مضيئة في تاريخ رجالات الكويت.
فالراحل الكبير، وإلى جانب كونه أحد أعمدة عالم المال والأعمال البارزين، كان آخر أسير أُطلق سراحه من قبل القوات العراقية الغازية، بعدما كان وللمفارقة أول أسير يقع في يد تلك القوات.
عُرف عن المرحوم اهتمامه بجيل الشباب ليتطور وفق النهج الذي سار عليه رجالات الكويت الأوائل.
ترك الراحل سيرة ثرية وإرثاً غنياً من العطاء في نشاطات اجتماعية وتجارية متنوعة، ونشأ في بيئة أسرية على عادات وتقاليد أهل الكويت، وكان جده وأبوه يمارسان النشاط التجاري خصوصا تجارة الاراضي والعقارت.
كثيرة كانت هوايات الراحل، لعل أبرزها اقتناء أجهزة اللاسلكي، في الوقت الذي لم تكن هناك أجهزة اتصال، حيث كان الرجل يتصل من داخل وخارج البلاد بشخصيات من الأسرة الحاكمة، وعلى رأسهم سمو الأمير الشيخ صباح الأحمد، وسمو الأمير الراحل الشيخ جابر الأحمد، والشيخ فهد السالم، إلى جانب ملك الأردن الحسين بن طلال.
لم يقتصر شغف الراحل على اقتناء الأجهزة اللاسلكية فحسب، بل امتد ليصبح صاحب أول محطة إذاعية خاصة (شيرين) في خمسينات القرن الماضي.
وفي مرحلة لاحقة، سطع نجم الراحل في عالم التجارة، وتحديداً وكالات السيارات، إذ حصل على العديد من وكالات الشركات العالمية في هذا المجال، على غرار وكالة «ديسيتو» الأميركية، ومن بعدها «جيمس»، بالإضافة إلى وكالة شركة «ميرسك» الدنماركية الشهيرة.
وكان المرحوم يسافر للحصول على تلك الوكالات، في حين يتولى شقيقه الأصغر محمد رضا تسويقها داخل الكويت، ونجح كذلك في الحصول على وكالات سيارات يابانية مثل سيارات «ايزوسو» و»سوبارو»، ووكالة سيارات «بونتياك» وسيارات «جيب» الاميركية بالشراكة مع شركة الملا للسيارات، الى جانب وكالة سيارات أسبانية، فضلاً عن وكالات العديد من الساعات العالمية، ووكالة منتجات شركة «سفن آب».
رحل محمد صالح بهبهاني وترك خلفه إرثاً وسجلاً حافلاً من النشاط التجاري، سيبقى راسخاً في ذاكرة الأجيال.
وفي الأسطر التالية يوثق د. إبراهيم محمد حسين بهبهاني بعض المحطات في حياة الراحل العم محمد صالح بهبهاني ورحلته المليئة بـ«ال.حَكمْ» والذكريات الأليمة إبان مرحلة الغزو.
ويقول د. إبراهيم في روايته عن الراحل:
من أوائل الذين اشتغلوا في التجارة وأسسوا شركات تتخصص بالأجهزة الكهربائية والمنزلية، كذلك بالساعات والسيارات، وكان العم محمد صالح بهبهاني وشقيقه مراد من رجال الأعمال المعروفين في حقل التجارة وهو الابن الثالث ليوسف محمد حسين بهبهاني المشهور باسم «يوسف شيرين». تعلم التجارة مع أشقائه من والده واكتسب المعرفة الميدانية بتجارة السيارات.
العم محمد صالح بهبهاني مثل معظم أهل الكويت الذين ينأون بأنفسهم عن الأحاديث الصحافية والإعلامية، فرجالات الرعيل الأول يدعون الآخرين يتحدثون عنهم.
عملت وعلى فترات أحاول أن أسجل ما تعرض إليه أثناء الغزو ولم أحظ بالموافقة إلى أن سنحت لي الفرصة بتسجيل بعض المحطات التي واجهته في الأزمة العصبية التي مرت على الكويت وأهلها، وهي أيام بل ساعات مريرة وتطفح بالألم والمعاناة، لكنها من الصعب أن تنسى أو تمحى من الذاكرة، لذلك حاولت أن أدونها على الأقل لحفظها للأجيال القادمة.
قبل يوم من وقوع الكارثة ودخول الجيش العراقي الأراضي الكويتية أي يوم 1990/8/1 وصل العم محمد صالح بهبهاني إلى مطار الكويت قادماً من لندن ولم يمض على وجوده في أرضه سوى ساعات إلا وحلت النكبة وأصبحت الدولة تحت الاحتلال العسكري العراقي، وكما هو شأن معظم الناس، راحت الإذاعات والفضائيات والوكالات تتناقل الحدث ليصل إلى مسامعه.
في اليوم الثالث ذهب إلى «ديوان بهبهاني» بمنطقة الشعب، حيث بيوت العائلة والافراد تجمعوا هناك وتصادف أن حضر إلى الديوانية علي مراد بهبهاني وعدد من أفراد العائلة.
ما هي إلا لحظات من الانتظار ومعرفة أحوال الديرة والأهل حتى حضرت سيارتان تقل أربعة من ضباط وجنود ليدخلوا الديوانية بطريقة أشبه بمن يقتحم مكاناً خطراً وبأسلوب المداهمة موجهين كلامهم للحضور سائلين: أين «مراد بهبهاني»؟ أجابهم: ليس هنا فهو مسافر إلى الخارج، ردوا عليه ومن تكون أنت؟ قال: أنا محمد صالح بهبهاني أخو مراد بهبهاني… عندها طلبوا منه اصطحابهم ولم يكن بالإمكان مقاومتهم أو تجاهلهم وعليه مشى معهم إلى الباب الخارجي، اجلسوه في المقعد الأمامي من السيارة وهم من الخلف.
ثم تناولوا غترته وربطوها على وجهه وأغلقوا عينيه حتى لا يرى شيئاً أو يعرف إلى أين سيأخذونه، فالعصابات عندما تنقض على أحدهم تلجأ إلى هذه الوسيلة لكي ترعب الشخص المعني ويستسلم لهم ولطلباتهم.
هذا ما يتذكره العم محمد صالح بهبهاني الذي وجد نفسه بعد رحلة طويلة بالسيارة في مخفر بمدينة البصرة، وما هي إلا ساعات تحسب بالأيام وفي اجواء من الضياع التي لا يعرف سوى الله سبحانه وتعالى ماذا تحمل الأحداث من مفاجآت حتى حضر مجموعة من الضباط إلى المخفر يتقدمهم حسين كامل الذي يعرف بتاريخه الإجرامي وأياديه السوداء بحق شعبه والمعارضين لنظام صدام حسين، عندها لم يبلغوه بشيء بل اكتفوا بنقله بسيارة وضع على المقعد الخلفي وحسن كامل بالمقعد الأمامي، لتنقلب الآية فالمكان صارت له دلالة ومعنى عندما يطلب منه الجلوس بالمقاعد الأمامية يكون بخلاف المقاعد الخلفية، المهم أن السيارات الأربع المرافقة انطلقت على الطريق السريع باتجاه بغداد، فقد خرجوا من البصرة ليلاً ووصلوا بغداد ليلاً إلى أن وجد نفسه معصوب العينين، واقتادوه إلى «حاكمية المخابرات المركزية»، ويتبين في ما بعد أنه سجن يأتمر بأوامر صدام وهو ما أعلموه به السجناء الذين يدخلونه واستقبلوه به.
وكما هي حالة السجون في عهد صدام، بدت الصورة أمامه مخيفة، والداخل إليها يبقى مجهول المصير، إلى أن يقرر الله ما يشاء، أخضعوه للتفتيش أولاً، وفي غرفة مظلمة فيها طاولتان، أخذوا منه كل شيء وأبقوا فقط دشداشته، ثم أنزلوه إلى السرداب في الطابق السفلي وفي مكان لا تتعدى مساحته مترين ونصف في مترين ونصف، وبالكاد فيها مرحاض ودوش ومصبوغة باللون الأحمر، أرضيتها حمراء وسقفها أحمر، وكل شيء من حوله أحمر، ولم يكن يدور في خلده هل لهذا اللون علاقة بالتعذيب أو الموت!
جلس في السرداب من دون أن يعرف ما هي تهمته، ولماذا جيء به الى هنا من منزله في الكويت، مراراً بالبصرة، سأل نفسه أكثر من مرة، لماذا أنا هنا؟ ومع الأيام أخذ يتذمر ويتململ ويصرخ بعصبية دائمة موجهاً كلامه للعسكري: لماذا أنا هنا؟!
بعد أيام دخل عليه ضابط واصطحبه الى سطح السجن اعتقاداً من الضابط ان هذا يريحه نوعاً ما ويزيل عنه توتره العصبي، فهنا ينظر الى السماء ويرى الشمس، وراح يأخذها ذهاباً وإياباً ليعود الى حيث كان من دون ان يصل الى مسامعه نوع التهمة أو الجريمة التي اقترفها حتى يساق الى هذا السجن!
واستمر على هذه الحال، ومن يوم الى آخر والزمن يدور والساعات تتوالى وهو صابر على ما فيه، وجد نفسه مقطوعاً من كل ناحية، فلا مسؤول يتحدث معه ولا جهة يدعى عليها، بل أيقن ان التهمة هي كونه «مواطناً كويتياً» لن يكون في منأى من العذاب طالما ان صدام حسين استباح كل الأعراف والمواثيق الأخلاقية والإنسانية والدولية.
ها هي دورة الزمن تدور ويصل الى موعد ليس بعلمه، وان عرف فيه في ما بعد، موعد الضربة الجوية التي أجبرت النظام الصدامي الى التراجع، وان هناك ثمناً كبيراً سيدفعه، فكان السابع عشر من يناير 1991 لتحصل المفاجأة، ويأتي من يخرجه من السجن ويقوده مع مجموعة أخرى من السجناء الى سرادبين تحت الأرض، وهؤلاء السجناء من القادة الذين أتموا هذه العملية كانوا عبارة عن ثلاثة ضباط عراقيين عرف لاحقاً انهم جنرالات كبار. بعد ذلك وضع والمجموعة التي كانت معه بالسيارات لتنطلق شمالاً والى مقر جديد تبين له انه سجن بعقوبة، وهناك مكث نحو ثلاثة أسابيع ليصحو يوماً على وفد من الصليب الأحمر الدولي يسجل اسمه وآخرين، وكان ضمنهم السيد عزت جعفر، وهنا بدأت الأسئلة تراود العم محمد صالح بهبهاني: هل هناك مؤشرات على النجاة؟ هل يعني اننا بتنا قريبين من تنسم هواء الحرية؟ واستمر القلق والانتظار وبعد خمسة عشر يوماً إضافية نقلوا بسيارات الى منطقة الرمادي.. وهنا بدت الصورة أمامه أكثر وضوحاً، فها هي مجاميع من ابناء الكويت يصل عددهم الى نحو 800 شخص يقبعون في هذا الشجن ومع كل يوم وخلال ثلاثة أسابيع كان يفد الى السجن أعداد جديدة من أهل الكويت.
تشاء الأقدار أن يشهدوا فجراً جديداً يطل عليهم لتتبدل الصورة، ويتحول صاحب السجن إلى سجين، فشمس الحرية أخذت طريقها نحو العدالة الإلهية التي أدركت أن أصحاب الأرض لا بد أن يعودوا إلى مساكنهم وذويهم وأهلهم بعد عذاب طويل، والساعات الأولى من شهر مارس 1991 كانت على موعد مع أصوات الحق ليشهد أياماً بدت ملامحها تظهر بصفاء ووضوح، فيوم السجن قد ولى وجاء يوم التحرر والانطلاق ليجد نفسه مع أبناء وطنه في باصات أعدت خصيصاً لهم، كما وجد نفسه يوماً داخل زنزانته يجمعه «عدو مشترك وغاصباً» لكل من ينتمي إلى المواطنة الكويتية.
ها هم يتجهون إلى خارج حدود السجن الكبير إلى أرض الحرية ليقف مع أقرانه في طوابير ومجموعات يحطون في مدينة عرعر بالمملكة العربية السعودية الشقيقة، ويتم الاستلام والتسليم ما بين الجاني وهو العراق إلى الشقيق في السعودية، وفي مدرسة كبيرة أعدت لهذا الغرض، ليجدوا الشيخ أحمد الحمود الجابر الصباح في استقبالهم مع وفد كويتي كبير يرحبون ويباركون ويهنئون ويحرصون على راحتهم، وما إن بزغ فجر صباح اليوم التالي إلا ووجد نفسه على أول طائرة بصحبة عدد من أبناء الكويت، وكان منهم المغفور له الشيخ باسل ابن المرحوم الشيخ سالم الصباح، ليدخلوا الكويت بالعز والكرامة، ويعود إلى مسكنه وللديوان الذي اختطف منه على يد الضباط والعسكر العراقيين الذين طردوا من الكويت، كما يطرد السارق لحظة إقدامه على الجريمة.
كان السؤال الدائم الذي لم يفارقه، ليس ما إذا كان يشعر بالخوف أم لا، بل إنه لم يعرف التهمة التي من أجلها بقى سجيناً طوال سبعة أشهر، وإن أدرك ذلك بفطرته وعفويته، يكفي أن أكون كويتياً حتى أسجن من قبل نظام أرعن ومحتل لبلده.

Read Previous

تحديات المرحلة المقبلة

Read Next

نواب: إنشاء منطقة تجارية حرة في خمس جزر «مشروع دولة»

0 0 votes
تقييم المقال
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments

Most Popular

0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x