في غمرة احتفالاتنا بأعيادنا الوطنية «عيد الاستقلال الخامس والخمسين، وعيد التحرير الخامس والعشرين»، والتي تتواكب أيضا مع الذكرى العاشرة لتولي صاحب السمو الأمير الشيخ صباح الأحمد مقاليد الحكم، فإن أفراحنا بهذه الأعياد ـ وهي أفراح مستحقة ومطلوبة – ينبغي ألا تنسينا، ولو للحظة واحدة، أن هذا الاستقلال ما كان ليتحقق، وأن التحرير ما كان ليتم، لولا تمسكنا بوحدة صفنا الوطني، ورفضنا التفريط في هذه الوحدة باي صورة من الصور، وأننا دفعنا أثمانا باهظة من دماء إخواننا وأبنائنا، الذين بذلوا أرواحهم فداء للوطن، ومن ثم فإن تراب الكويت المضمخ بعطر دم الشهداء، هو عندنا أطيب من المسك، وأغلى من الذهب، وأبقى من كل كنوز الدنيا، والحفاظ عليه هو أمانة في أعناقنا جميعا.
ذلك هو الدرس الأهم والأعظم من دروس الأعياد الوطنية، والرسالة التي يجب ألا تغيب يوما عن أنظارنا وقلوبنا.. وتكفي نظرة واحدة إلى خريطة المنطقة من حولنا، لندرك أننا لا نردد كلاما إنشائيا، أو نتغنى بمثاليات، وإنما نقرر حقائق يصدقها الواقع، وتبوح بها الأحداث، وتكشف عن عمقها النتائج الكارثية المترتبة على تجاهل قيمة الوحدة الوطنية في بعض الدول، وإطلاق العنان للصراعات العرقية والحزبية والطائفية، التي مزقت دولا، ودمرت أوطانا، وشرذمت مجتمعات، وشردت شعوبا في الملاجئ والمنافي، وهو ما ينبغي أن يدفعنا للمزيد من التمسك بتكاتفنا وتلاحمنا، وسد أي ثغرة يمكن أن تنفذ منها ريح الفتنة، لتعبث بالنسيج الوطني، أو تهدد بشق الصف الواحد.
لقد قدمت الكويت منذ نشأتها نموذجا رائعا ومتميزا للوحدة الوطنية، وزاد من روعة هذا النموذج أنه ظل باقيا ولم يهتز أو يتأثر في أي عصر من العصور التي مررنا بها.. فقد ظللنا موحدن متآلفين وقت أن كانت سبل العيش ضيقة، والحياة بالغة الصعوبة والمشقة، لا يتوافر لنا فيها إلا القليل جدا من الموارد.. واستمرت هذه الروح بعد ظهور النفط وتبدل أحوالنا الاقتصادية إلى الأفضل، وبروز الثراء والرفاه، فقد تغيرت اشياء كثيرة في طبائعنا وسلوكياتنا، لكن الذي لم يتغير قط هو ذلك الرباط الذي يوحد بيننا، ويجمعنا على المحبة والخير والوئام.
إننا إذ نبارك لصاحب السمو الأمير بالأعياد الوطنية، وبذكرى مرور عشر سنوات على توليه الحكم، كما نهنئ سمو ولي العهد بالذكرى العاشرة لتوليه منصبه، ونهنئ الشعب الكويتي كله بهذه المناسبات الوطنية مجتمعة، فإننا لعلى يقين من أن الكويت ستبقى على عهدها من الوحدة والوئام، والتماسك بين قيادتها وشعبها، والحرص على أن تصون النعمة الأعظم التي حبانا الله إياها، نعمة الأمن والأمان والاستقرار.