آثارت جريمة دهس رجال الامن خلال الاحتفالات الوطنية قضية ارتكاب الجرائم بحجة المرض النفسي فهذا يقتل بحجة أنه «معتل نفسيًّا»، وهذا يذبح بذريعة أنه «مكتئب»، وهذا يحرق بحجة أنه «مريض نفسيًّا». وهذا الأمر أصبح علة جاهزة لمرتكبي الجرائم بحق الآخرين. ورغم أن المرض النفسي لا سبيل لنفيه أو مصادرته عن المصابين به، لكن أن يصبح «جسرا» للنجاة من العقوبة فهذا ما لا يمكن القبول به، لانه سيؤدي إلى الانفلات الامني في المجتمع.
نائب رئيس الوزراء وزير الداخلية الشيخ محمد الخالد طمأن ذوي الشهيد تركي العنزي بالعدالة، وقال: «ليس كل من يحمل شهادة من الطب النفسي يعتبر غير مسؤول عن تصرفاته»، واكد ان وزارة الداخلية عازمة على التدقيق في جميع المعلومات وتحري الدقة للوصول إلى الحقائق كاملة واتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة لحفظ حقوق أبنائها.
من جانبه قال استشاري الطب النفسي ورئيس مركز الادمان الدكتور عادل الزايد: ان قضية الادعاء المرضي، خصوصا ادعاء المرض النفسي للحصول على ميزات خاصة أو للتهرب من المسؤولية القانونية هي قضية ليست جديدة بل هي محاولة قديمة حاول استخدامها عديمو الضمير من مرتكبي الجرائم أو بعض المحامين، ولكن هناك بعض الحقائق القانونية والعلمية التي من الضروري معرفتها في موضوع الطب النفسي الشرعي.
أولا من الناحية القانونية رأي الطبيب النفسي رأي استشاري وليس الزاميا للقاضي، فللقاضي الحق بالأخذ أو رفض الرأي الطبي، فلو تبين لهيئة المحكمة أمور اضافية لم تتبين للأطباء فان من حق هيئة المحكمة رفض القرار الطبي وعدم الأخذ به أما من الناحية الطبية فانه من المهم ان نعلم بأنه ليس كل مرض نفسي يعفي من المسؤولية القانونية، كما ان المرض النفسي لا يعني الجنون اطلاقا.
وعرف الدكتور الزايد المرض النفسي قائلا: المرض النفسي هو مرض له عوارض وظواهر مرضية يعرفها الطبيب جيدا، فمحاولة الشخص ادعاء الجنون لا تنطلي على الطبيب النفسي اطلاقا، كما ان الطب النفسي الشرعي هو تخصص دقيق في الطب النفسي وليس مجرد خبرة أو معرفة طبية، واليوم عندنا في مستشفى الطب النفسي يترأس وحدة الطب النفسي الشرعي الدكتور عبدالله الحمادي وهو استشاري متخصص في هذا المجال والفريق الطبي العامل معه يعمل وفق قواعد طبية وادارية واضحة ودقيقة.
كما تجدر الاشارة إلى ان ادارة المستشفى ترفض التدخل الخارجي في القرار الطبي، وبالتالي الفريق الطبي يعمل وفق حرية طبية كاملة تكفلها لهم ادارة المستشفى وتحرص عليها وزارة الصحة وترعاها المحكمة وفق قواعد وشروط قانونية دقيقة، كما ان التعاون بين مستشفى الطب النفسي ووزارة العدل هو تعاون دقيق وطويل وقائم على الثقة المتبادلة بين الطرفين.
وأضاف الزايد: أما بخصوص الطبيب النفسي وما هو الفرق بينه وبين الاختصاصي النفسي، فالطبيب النفسي هو خريج كلية الطب ثم تخصص في مجال الطب النفسي وهو المنوط بالتشخيص وتحديد العلاج، أما الاختصاصي النفسي فهو خريج كلية الآداب قسم علم نفس، وهو المنوط بما يعرف بالارشاد والعلاج النفسي، وكلاهما يعمل ضمن فريق متعاون من أجل تحقيق العملية العلاجية المتكاملة.
بدوره قال المحامي محمد خريبط: ان الكثير من المتهمين يلجأون إلى ادعاء الجنون في شتى انواع القضايا وان كان اغلبها بقضايا الاعتداءات الواقعة على النفس من ضرب وتعد وقتل.
واضاف: انني شهدت هذا الدفع وهذا الادعاء في قضايا جلب المواد المخدرة والتي تصل عقوبتها إلى الإعدام وقضايا التزوير وفي احدى قضايا السرقة بل الغريب ان احدى المتهمات بقضية زنا إدعت الجنون امام المحكمة ودفعت بانتفاء المسؤولية وطلبت معاملتها كمجني عليها وليست كمتهمة!! وذلك كون هذا الدفع جوهري وملزم للمحكمة ان تبحث فيه، كما قلت سابقا وبعض مدعي الجنون يدعون بأن الجنون كان مؤقتا فقط اثناء ارتكاب الفعل المجرَّم.
وفي احدى قضايا القتل المعروفة في الكويت ادعى احد المتهمين انه يعاني من تخلف عقلي قديم ومنذ زمن سابق للواقعة.
واضاف خريبط: الجهة المناط لها بالكشف عن الحالة العقلية للمتهم هي الطب الشرعي ومن ثم ممكن الاستعانة بِلجنة ثلاثية مختصة ومنتدبة من جامعة الكويت بناء على طلب الدفاع لبحث حالة المتهم وقواه العقلية.
ومن الممكن ان تصل البراعة بالتمثيل باتقان دور المريض العقلي على اللجنة للافلات من العقاب حيث ان بعض المجرمين ولا أقول المتهمين بارعون جداً بالكذب فمنهم من يخدع المباحث او النيابة وربما حتى المحامين.
وحسبما وضّح لي احد الأطباء النفسيين في احدى المرات بان المرض العقلي نوعان حالة تعاني من تخلف عقلي ومرض عضوي، والحالة الأخرى ان يعاني من مرض نفسي يؤثر في ادراكه.
والحالة الثانية يمكن للمتهم ان يخادع فيها، فهي دون قيود او شروط ويمكن لأي شخص ان يعاني من هذا العارض العقلي او الذهني.
وشرح المحامي محمد الخريبط ان: في المادة 118 اجراءات تنص على ما يجب على القاضي عمله في حال اكتشافه للعارض العقلي.
أما المادة 22 جزاء فتنص صراحة على انه لا يسأل جزائيا من يكون وقت ارتكاب الفعل عاجزا.. هنا نجد ان المشرع حدد في البداية عدم المساءلة الجزائية دون المدنية أي انه وان اعفي من العقوبة الا ان افتراض المسؤولية المدنية مازال قائماً، ومن ناحية أخرى لم يشترط المشرع ان يكون المتهم مجنوناً فقط.
وهذه مسألة فضفاضة ومعقدة نوعا ما فلفظ أي حالة عقلية أخرى غير طبيعية الواردة بالنص تدخل الكثير من الأمراض والتصرفات ضمن دائرة الاعفاء من العقوبة وقد ضمنت المذكرة الايضاحية للمادة من الباب الثاني ونظرية الجريمة في مسألة الادراك والوعي وفرق بين منعدم الادراك وناقص الادراك وفرق في السن من قبل السابعة وبعد السابعة ومن لم يتم الرابعة عشرة، فمثلا: لو ارتكب جريمة قتل والمتهم في حالة سكر او تحت تأثير المخدرات فان سبق الاصرار لا يضاف للتهمة.
الا في حالة اثبات ان المتهم تعاطى المواد المسكرة او المخدرة بهدف تقوية عزمه لارتكاب جريمة القتل.