عاد وزير الاسكان الأسبق في حكومة الكويت في الطائف عقب الغزو وعضو المجلس الأعلى للتخطيط، م. يحيى فهد السميط بذاكرته إلى حقبة الغزو عندما كان وزيرا سياسيا يقوم بجولات دولية ممثلا لصاحب السمو الامير الشيخ جابر الأحمد ـ رحمه الله ـ في عدة دول، كاشفا عن الدور الاعلامي الذي قام به مع سمو الشيخ ناصر المحمد الذي كان يشغل منصب وزير الدولة للشؤون الخارجية آنذاك، ذلك الدور الذي تكامل مع الدبلوماسية الكويتية حول العالم في تصدير قضية الكويت العادلة حتى تم التحرير.
وراهنا استنكر السميط استمرار هذه سياسة طرد وتطفيش المسثمر الأجنبي، وقال: لو ذهبت لأي جارة خليجية ولن أقول دول أجنبية فستجد أن أوراق وتراخيص انشاء مشروعك لا تتعدى أسبوعين مثلا.. لماذا؟ وما الذي لديهم وغير موجود عندنا؟!
جاء ذلك في حوار مع الزميلة «النهار» تعيد «الخليج» نشر اجزاء منها لاهميتها:
] أبرز ما كان في الكويت قديما ولم يعد موجودا الآن؟
ـ أبرز ما كنا نعيشه في الزمن القديم ولا نجده في الزمن الحديث هي المصداقية وحسن التعامل والثقة، وكلمة الرجل لو قال تم انتهى الموضوع حتى من دون أوراق، وكانت المحلات التجارية تغلق أبوابها بالبردة أثناء الصلاة وداخلها البضاعة والفلوس والدنيا أمان، ومع مرور الزمن كبرت الكويت وتعددت الجنسيات التي تعمل بها وكثرت أعمالها. وأنا أقول لكل زمان دولة ورجال، هناك مزايا وعيوب، وشخصيات ما كانت معروفة وصارت معروفة اليوم، وآخرون كانوا قياديين ولهم دور وتواروا الآن، الآن الماديات طغت على النفوس وصارت الفلوس وسيلة التمييز والتفاضل بين الناس وأصبح من يملك له الحظوة أما الانسان البسيط حتى ولو كان ذا خلق أصبح هامشيا، وطغت الامراض الاجتماعية والفئوية على المجتمع.
كنت وزيرا للاسكان في حكومة عام 1990 والتي التأمت في الطائف على اثر الغزو العراقي الغاشم.. لم يكن هناك سكن ولا وطن ولكن كان لك دور بارز في هذه الحكومة.. هل من اطلالة واستذكار لحكومة الحرب؟!
ربما حكومة الطائف هي الوحيدة التي كان يمارس فيها الوزير دورا سياسيا أكثر من عملية قص شريط الافتتاح هنا أو هناك، او مجالة النواب واستعراض سياسي وما شابه، لكن كنا في وضع حرب وكان لي دور كبير في الاعلام لأنني متمكن من اللغة الانجليزية، وأسهمت في لقاءات تلفزيوينة عدة عندما كنا في أمس الحاجة للاعلام ونحن بالطائف، ومثلت صاحب السمو الشيخ جابر ـ رحمه الله ـ مرتين في آسيا وافريقيا، وكنت منذ أدخل مطار أي دولة حتى أخرج منه وانا مستمر في التصريح لوسائل الاعلام في هذا البلد أو ذاك وكنا نحاول تصدير قضية الكويت العادلة أمام العالم أجمع وكشف جرائم الغزو من تعذيب واضطهاد وتدمير للبشر والحجر.
] كيف تلقيت خبر احتلال الكويت وأين كنت في أول أيام الغزو؟
ـ كان يفترض أننا على موعد لاجتماع الحكومة التقليدي الساعة 7 صباحا ولكن فوجئنا بهجوم الجيش العراقي وتشتت الاجتماع، وطبعا الشيخ جابر والشيخ سعد خرجوا من الكويت، وأنا ووزيري النفط والصحة هربنا من الكويت ودخلنا الحدود السعودية الساعة 9 مساء في أول أيام الغزو ولأن العراقيين صادروا كل أموال وممتلكات جميع الوزراء الكويتيين آنذاك، ومن الخُبر للطائف تنقلنا في عدة مناطق بالسعودية حتى التأمت الحكومة برئاسة الشيخ سعد العبدالله في الطائف لنبدأ عمل حكومة الحرب التي لا يسع الحديث عنها لقاءات عدة.
] كيف التأمت الحكومة وأين اجتمعتم بالشيخ سعد لأول مرة؟
ـ في البداية اجتمعت أنا ووزيري النفط والصحة بالشيخ سعد الله يرحمه الله في الخفجي، وقدمنا له تصورا عن الحالة بشكل عام، وفي اليوم الثاني انتقلنا إلى الخُبر بالدمام لنمكث حوالي أسبوع هناك، وكانت لدينا مشكلة تؤرقنا وهي كيف نوصل رسالة لأهل الكويت بأن الشيخ جابر والشيخ سعد بخير وأن الحكومة الكويتية قائمة وتمارس أعمالها من السعودية، وتم الاتفاق على اختياري انا والشيخ ناصر المحمد على عمل إذاعة بمنطقة الخفجي، وكان الأمير سلمان أمير الرياض، والأمير محمد بن فهد أمير المنطقة الشرقية، فاجتمعنا مع الأمير محمد بن فهد واتفقنا على أساس نأخذ طائرة هليوكبتر ونلتقي بالفريق الفني في الخفجي لتركيب تجهيزات الاذاعة الجديدة، وفعلا ذهبنا إلى هناك وانا والشيخ ناصر المحمد اول ما قال هنا الكويت وطمأن أهل الكويت ان الشيخ جابر والشيخ سعد بخير، ولكن مع الأسف كانت الاذاعة ضعيفة وموجهة للكويت فقط، واستطاعت قوات الاحتلال رصدها بعد ساعات والتأثير عليها، ولكننا اوصلنا الرسالة المطلوبة. ثم بعد ذلك أسسنا اذاعتين في السعودية والحقيقة المملكة في هذا الصدد لم تقصر ثم انتقلنا إلى مصر وكان هناك بث ايضا من خلال المركز الإعلامي الكويتي بالقاهرة وتواصلت الرسال التي طمأنت أهل الكويت وجعلتهم يصمدون في الداخل.
] هل تمكن اليأس منك في لحظة معينة وتصورت أن الكويت لن تعود؟
ـ لا اخفيك سرا انا كنت مع المرحوم جاسم الموسى والشيخ جابر العبدالله الجابر مسؤولين عن الاعاشة، وكنا نزور دول الخليج وبعد ذلك سافرت إلى مصر ولندن، وأول أربعة شهور كان هناك تخوف، وحتى عند بعض دول الخليج في اول أيام الغزو كان هناك تخوف وتردد والاخوة في سلطنة عمان كانوا يسألوني بترجع الكويت؟، لكن بعد الشهر الخامس من الغزو وبعد التواصل مع السفير الاميركي والحشد الذي تم اتضحت الأمور وبدا أن تحرير الكويت مجرد وقت! وانت تتكلم عن السياسية التي تتسم بالضبابية دائما، وكنا نستخدم سياسة الأمل في تطمين الأصدقاء والشعب وكانت هذه سياسية حكومة الطائف التي كانت تعمل ليل نهار بالخارج.
] هل تمكنت الحكومة من تنفيذ خطة اعادة الاعمار بعد التحرير؟
ـ الحكومة استمرت 3 شهور فقط بعد التحرير، ومع تعاظم الغضب والتسرع في عدم فهم وجهة النظر السياسية كان هناك غضب ومطالبة بعدم استمرار هذه الحكومة التي تصور البعض انها السبب في دخول الجيش العراقي للكويت، طبعا العقلاء ايقنوا ان هذه العملية كانت اكبر من الحكومة وأكبر من الجيش ودول الخليج، ولو تصدينا بالجيش لكانت حدثت مجازر ابشع وما استطعنا استعادة الكويت خلال 7 شهور مثلما حدث، لكن الحمد لله قمنا بدور سياسي ناجح واكدنا على الحق الكويتي أمام العالم وانتصر الحق في النهاية ولله الحمد. الله يرحمهما الشيخ جابر والشيخ سعد كانا يتابعان الأمور لحظة بلحظة ويواصلان الليل بالنهار حتى عاد الحق وتحررت الكويت باذن الله وبفضل جهود كل المخلصين من الكويتين والخليجين والعرب والمنظمات الدولية.
وبعد العودة والتحرير استطاعت حكومتنا ان تنفذ جزءا كبيرا من خطة اعادة الاعمار في الطرق والاسكان والمرافق والخدمات وانتهينا من معظم الامور الأساسية، ولكن الضغوط كانت كبيرة وكانت هناك مطالبات بتغيير الحكومة بعناصر كلها من الداخل، والقيادة السياسية اضطرت إلى امتصاص الغضب الشعبي وتم تغيير الحكومة واستمرت عامين إلى ان تمت الدعوة لانتخاب مجلس الامة واكتمل البناء السياسي وعادت الكويت كما كانت.
] هل استفاد الكويتيون من درس الغزو؟
ـ مع الأسف الكثير لم يستفد من الدرس وما زلنا في صراعات ليس لها أي معنى أو مبرر، انا أكره هذا لأنه سني أو شيعي أو أبيض أو أسود لماذا؟ كل هذه الامور ليس لها داع ولا الدين ولا الشكل او الأصل له علاقة بالأمر نحن بشر ونتعامل مع بشر.
] الوزير في الكويت أليست لديه سلطة اتخاذ القرار؟
ـ كل وزير وشخصيته لكن بشكل عام الوزير في الكويت لديه السلطة والقدرة لكنه لا يتخذ القرار، والوزير في الكويت لا يعتذر ولديه خياران: اما أن ينفذ خطته ويلمع رئيس حكومته ويثبت أنه على قدر المسؤولية أو يترك عمله بدلا من أن يتفرغ للتصريحات السياسية وقص شريط الافتتاحات اما من يقول ليس لدي قرار فهو كاذب! الا في حالات معينة عندما يكون القرار مكلفا سياسيا وماديا وهذا يخضع لدراسة وتقييم ، اما في الامور العادية فمن يمنع وزير النفط من تطوير وزارته أو وزير التربية من تطوير التعليم أو وزير الصحة من تطوير الخدمات الطبية.. لا احد. لكن عندما تتدخل المصالح ويتدخل البرلمان في أمور لا يفهمها فنيا وتتعطل الأمور وتخاف الحكومة وتتراجع عن اتخاذ القرارات.
] هل تدارستم تداعيات انخفاض أسعار النفط في المجلس الأعلى للتخطيط؟
ـ لا.. لم نتدارس انخفاض الأسعار ولكننا بحثنا فيما هو أبعد من ذلك وهو نضوب النفط وتساءلنا عن البديل والخطط! ونحن في الكويت نعتمد طريقة فيها نوع من الرفاهية الزائدة في تثقيف المواطن.. ما يصير ننهي خدمات كويتي ولا يصير ما نعطي الكويتي شغل فصار هناك تسيب وعدم مبالاة. وكما أقول رب ضارة نافعة والان مع انخفاض الأسعار ربما نعرف ونقدر قيمة الدينار، ونعيد ترتيب وضعه في الميزانية لانه ما يصير نستمر طول العمر نستخرج النفط ونبيعه فقط.. ولان الشعب الذي يستهلك اكثر مما ينتج يهلك!
] ما الحلول العاجلة لو استمر نزيف الأسعار؟
ـ دائما لو عرفت الأسباب استطعت حل المشكلات، والتشخيص أن ما يحدث الآن له علاقة بالأمور السياسية التي تحدث في المنطقة وتبين الأسباب السياسية بشكل جلي في أكثر من مشهد وتفاصيل، وكشف الحديث عن الفحم الحجري ودور ايران في الانتاج الاقليمي بما يكشف أن النفط سلعة ليست سهلة وتتحكم في شعوب العالم، وانا اتصور أن دول الخليجي كانت تعمل حساباً لهذا اليوم وتستعد له، ودعك من الحديث عن مصادر الطاقة البديلة لانه لا غنى عن البترول الخام الكود لأن به مشتقات كثيرة ومهمة وتقوم عليها صناعات عملاقة في البتروكيماويات، والبترول مثل العقار يمرض ولا يموت.
الأموال المهاجرة
] ما السبب في رأيك وراء هجرة رؤوس الأموال الكويتية للاستثمار بالخارج؟
ـ السبب هو سوء الادارة والفساد والتنفيع، ولك ان تتخيل لو قدمت على مشروع استثماري لانشاء مصنع مثلا! مالم تدفع بواسطات وتضطر تنفع الآخرين فلن يتم مشروعك، في نفس الوقت لو ذهبت لأي جارة خليجية ولن أقول دول أجنبية فستجد أن أوراق وتراخيص انشاء مشروعك لا تتعدى أسبوعين مثلا.. لماذا؟ وما الذي لديهم وغير موجود عندنا؟! وهذا يكشف سبب هجرة رؤوس الاموال الوطنية للخارج وفي نفس الوقت استمرار هذه السياسة بمثابة طرد وتطفيش للمسثمر الأجنبي الذي يُواجَه بشلال من البيروقراطية والتعقيدات بلا معنى وفي النهاية أي مستثمر سواء كان وطنيا او أجنبيا يهمه تسهيل الاجراءات ووجود بيئة استثمارية مستقرة ومشجعة.
] بصراحة.. لماذا لم يتم اختيارك ضمن تشكيلة أي حكومة منذ الغزو رغم خبرتك وجهودك خلال حكومة الحرب؟
ـ القيادة السياسية كان لابد أن تضحي باكثر من 50 في المائة من قيادات الحكومة في ذلك الوقت، والحقيقة تم ترشيحي أكثر من مرة وتصل لمرحلة قريبة ثم يتم التغيير، ومرتان تم الاتصال بي للترشح ولكن ربما هذا من حسن حظي!