صبت اغلب مواقف التعاونيين والقانونيين نحو رفض خصخصة الجمعيات التعاونية، حرصا على استمرار دورها التاريخي ومكانتها الرائدة على المستوى الخليجي، وذلك رغم وجود تجربة على أرض الواقع في جمعية الدسمة وبنيد القار التي تم طرحها للاستثمار بموافقة ومباركة الجمعية العمومية لحل معضلة خسائر الجمعية، والتي قفزت بالقضية التعاونية إلى منصة الاستجواب في مجلس الامة.
وذكرت وزيرة الشؤون الاجتماعية والعمل هند الصبيح في معرض ردها على المحور الاول لاستجواب النائب صالح عاشور بشأن ما اسماه تخصيص الجمعيات التعاونية ان وزارة (الشؤون) كسبت 279 قضية من واقع 391 قضية «اي اننا كنا في الجانب المحق في معظم هذه القضايا».
واضافت: ان «من يروج إلى انني اريد تخصيص الجمعيات وبيع البلد فقد كان بامكاني تقديم قانون ان كانت لدي هذه الفكرة كما قدمت 7 مشاريع قوانين فيما سبق إلى مجلس الامة» مبينة ان هذا التوجه «لم يكن من منظوري بعد موافقتي على اشهار عدد من الجمعيات».
في هذا السياق، اعتبر المحامي حمد الوردان أنه: «لا تجوز خصخصة الخاص».
واوضح ان الجمعيات التعاونية ليست ضمن القطاع الحكومي حتى تتم خصخصتها، بل هي اموال خاصة لمساهمين اودعوها، لافتا إلى ان الحكومة لم تساهم في العمل التعاوني سوى، من خلال توفير المكان فقط مقابل قيمة ايجارية من الجمعية.
بدوره، أكد المحامي محمد الأنصاري أن القانون لم ينظم مسألة خصخصة الجمعيات التعاونية، إلا أن خصخصتها تعتبر مخالفة للدستور الذي أعطى الجمعيات التعاونية كيانا مستقلا، حيث إنها جمعيات نفع عام يستفيد منها المواطنون من أهالي المنطقة، وتحقق لهم منفعة عامة. وفي حال خصخصتها، فقد يقع ضرر عليهم، لا سيما في عدم وجود آلية محددة للرقابة على الشركة أو المؤسسة التي ستمتلك كل جمعية.
من جانبه، رأى المحامي محمد خريبط وجود معضلة قانونية في قانون الخصخصة الذي صدر قبل 3 أعوام، حيث إنه تحدث عن تخصيص ما هو خاضع لأملاك الدولة، في حين أن الجمعيات التعاونية ملك للمساهمين أبناء المنطقة.
وعن السبب الذي يراه في توجه وزارة الشؤون إلى خصخصة الجمعيات، قال خريبط: أعتقد بأن هناك دافعا سياسيا لو أردنا الحديث عنه، فسيحتاج إلى صفحات.
في التوجه ذاته، أوضح المحامي محسن بو صليب أن الجمعيات خاضعة للقانون، وتتكون من مساهمين، فهي فعلا مخصصة، والإشراف الحكومي على مجلس الإدارة وفي الانتخابات وتشكيل مجلس. أما النشاط نفسه، فهو نشاط حر، والحديث عن خصخصتها مناقض للدستور.
وفي ندوة سابقة بعنوان «لا لتخصيص الجمعيات» فقد قال الناشط السياسي ناصر الشليمى إن فلسفة العمل التعاوني تتركز على توفير سلعة للمستهلك بأسعار مناسبة مع عدم إيقاع الخسارة بالجمعية، ما يعني أن الربح ليس هدفا بحد ذاته، مشيرا إلى الدور البارز للحركة التعاونية خلال فترة الاحتلال والمسؤولية التي اضطلعت بها.
أما رئيس اتحاد الجمعيات التعاونية د.سعد الشبو فذكر ان موقفنا في الاتحاد واضح باننا ضد الخصخصة والعبث بالعمل التعاوني ومكتسبات الشعب الكويتي، وقد قمنا في يونيو الماضي بالاجتماع مع رؤساء الجمعيات التعاونية لدعم جمعية الدسمة ولم يكن هناك أي تقصير وانطلقت الفزعة بهذا الخصوص مع تعهدات بالدعم ولكن للاسف قدمنا الكتب ولم تجد نفعا.
بدوره، تحدث المحامي نواف الفزيع فبين ان القرار الوزاري لسنة 2016 بشأن تنظيم العمل التعاوني معيبا ومتناقضا مع القرار 35 وهو الذي سمح للوزارة باستثمار الأسواق المركزية متى اقتضت الضرورة.
من جانبه، تحدث الرئيس السابق لجمعية الجابرية التعاونية أحمد طالب غضنفري، متسائلا: لماذا تتجه الوزارة نحو هذه الخطة؟ فإذا كان السبب الخسارة المالية فهناك من ساند جمعية الدسمة، ولكن التسرع في الخصخصة وتعديل القانون 35 وطرح جمعية عمومية عادية، أمور غريبة وعلامات استفهام كثيرة، مبينا ان المدير المعين وضع لتصريف العاجل من الأمور، وليس لاتخاذ قرارات تحول الجمعية من حال إلى حال.
وتابع بأنه إذا كان لدى الوزارة فكر الخصخصة فأنا مؤمن بها ولكن بشرط أن يتم وضع برنامج عمل يعتمد على سلطة رقابية. خلصت ورقة علمية مقدّمة للملتقى الخليجي للجمعيات التعاونية في البلاد إلى أن الدولة بسطت نفوذها على القطاع التعاوني من خلال العديد من القوانين والقرارات واللوائح التنظيمية التي حكمت القطاع التعاوني، مما أفقد المساهمين القدرة على تفعيل دور الجمعيات العمومية لتلك الجمعيات.
وبيّنت ورقة أعدها الخبير في الجهاز الفني للمعهد العربي للتخطيط الأستاذ بجامعة الكويت د. فيصل المناور وحملت عنوان «تقييم أوضاع التعاونيات في دول مجلس التعاون الخليجي، الكويت نموذجا»، أن هذا النفوذ عبّر عنه التعاونيون صراحة بالتضييق على الجمعيات التعاونية ومجالس إداراتها، وكذلك خلق عبئا تنظيميا مكلفا على الحكومة، مؤكدة أن العلاقة بين الجهتين غير مستقرة، من خلال تفرد الحكومة باتخاذ القرارات من دون مشاركة التعاونيين، ويتجلى ذلك في تطبيق نظام الصوت الواحد والتوجه نحو الخصخصة.
وأشارت الورقة إلى ضعف في مجالات عدة في ما يتعلّق بعلاقة الحكومة بالتعاونيات، منها «ضعف قنوات الحوار، والمشاركة في اتخاذ القرار، وتقليل القيود المفروضة على التعاونيات، والثقة المتبادلة، وغيرها، فضلا عن الحاجة إلى تعزيز الدور التنموي من خلال بناء القدرات والتدريب.
وحول أهم ما يريده التعاونيون من الحكومة، بيّنت النتائج أن 66.7 في المائة من المبحوثين طالبوا بالمشاركة في اتخاذ القرار، وبالنسبة ذاتها طالبوا بالحوار، بينما طالب 61.1 في المائة منهم بتقليل القيود المفروضة على التعاونيات، بينما جاءت مطالب الحكومة من الجمعيات التعاونية بالالتزام بالقوانين واللوائح المنظمة للعمل بنسبة 88.9 في المائة، وخدمة المجتمع 38.9 في المائة، ومحاربة الفساد بنسبة 27.8 في المائة، وضبط الأسعار 22.2 في المائة، ورضا المساهمين 16.7 في المائة.
رضا الجمعيات
وبشأن درجة رضا الجمعيات التعاونية عن علاقتهم مع الحكومة، اشارت النتائج إلى أن هناك رضا نسبيا في عدد من المحاور، حيث بلغ الرضا عن مباني الأسواق المركزية وفروعها بنحو 78 في المائة (راض جدا، وراض إلى حد ما)، بينما بلغت نسبة عدم الرضا بنحو 22 في المائة في هذا المجال.
أما بالنسبة لمواقع الأسواق المركزية وفروعها فقد بلغت نسبة عدم الرضا نحو 17 في المائة، وتراوحت نسبة الرضا ما بين 28 في المائة (راض جدا) و55 في المائة «راض إلى حد ما»، وهي النتائج نفسها عن حجم وجمالية مواقف سيارات المستفيدين، بينما كانت النتائج تشير إلى عدم الرضا في مجالات «العلاقة مع الجهات المختصة في إجراءات جلب العمالة الوافدة بنسبة 83 في المائة، وآليات الرقابة والاشراف الحكومي على الجمعيات التعاونية بنسبة 89 في المائة، وسهولة التواصل بين الجمعيات التعاونية ومختلف أجهزة الحكومة بنسبة 94 في المائة»، وفي ما يخص سهولة استيراد السلع الاستهلاكية كانت النتائج تشير إلى أن درجة الرضا بلغت 72 في المائة.
ووفقا للورقة انصبت محاور عدم رضا من قبل الجمعيات التعاونية عن علاقتها مع الحكومة، في المجالات التي تتركز في التعاملات المباشرة أو التعاملات شبه المتكررة «جلب العمالة الوافدة، والرقابة، والتواصل مع أجهزة»، مرجعة ذلك لأسباب عدة أهمها طول الدورة المستندية، وضعف انتاجية أجهزة الدولة، واستمرار تعامل المؤسسات بالطرق التقليدية في عملية التواصل.
اقتصاد السوق
وخلصت الورقة في نتائج، استبيان موزع على اعضاء مجلس ادارة في كل الجمعيات التعاونية حول تقييم دور التعاونيات في ظل اقتصاد السوق، إلى ان نسبة 94 في المائة من المبحوثين اكدوا ان التعاونيات توفر تشكيلة متنوعة من السلع والخدمات، كما أبرزت النتائج أن قرابة 17 في المائة من الجمعيات تقر بأن مستوى جودة الخدمات والسلع والانشطة متوسط، وكان معيار حكمهم في ذلك مبني على صندوق الشكاوى ومقاييس الجودة والرأي الشخصي، في حين يقر البقية بالجودة العالية لمستوى الخدمات والسلع. وفي السؤال حول عدد الانشطة التي تقدمها الجمعيات بالسنة الاخيرة؛ كانت الاجابات متوزعة بين 15 و40 نشاطا كانت أهمها في مجالات «المهرجانات التسويقية، والأنشطة الترفيهية، والرياضية، وأنشطة دينية، وتربوية، وتنظيم رحلات العمرة، ودعم المدارس، والمراكز الصحية. هذا، وقد أجمع كل المبحوثين على وجود انعكاس ايجابي للانشطة الاجتماعية المقدمة من قبل الجمعيات، وعلى رضا المستفيدين.
وبالتساؤل حول الصعوبات التي يرصدها التعاونيون عند توفير السلع اكدت النتائج بأن 94 في المائة منهم لا يجدون أي صعوبة في توفير السلع في حين أكد البقية على وجود صعوبات تمثلت في «ارتفاع الأسعار»، «عدم توفير وكيل لها في البلاد، ومحدودية الكميات الموجودة». وهو ما يطرح السؤال حول طرق توفير السلع الاستهلاكية التي تؤكد أن 39 في المائة فقط من التعاونيات تعتمد التوريد المباشر، إضافة إلى الوكلاء التجاريين، واتحاد الجمعيات.
وبخصوص مستوى العائد على الاستثمارات التي قامت بها الجمعيات مقارنة بالسنوات الماضية يتأكد أن المستوى ثابت لدى 67 في المائة من الجمعيات في حين أنه شهد ارتفاعا لدى بقية الجمعيات التعاونية، وهو ما يؤكد قدرة ثلث التعاونيات على منافسة مراكز البيع التجارية في إطار المحافظة على الدور التعاوني.
ارتفاع القضايا
واشارت إلى ارتفاع في عدد القضايا التي تواجهها التعاونيات في أروقة المحاكم نتيجة مخالفة القوانين واللوائح والقرارات التنظيمة، والتي بلغت نحو ما يقارب 300 قضية تنظر بشكل يومي أمام القضاء ضد الجمعيات التعاونية بسبب جنح البلدية والتجارة المترتبة على مخالفات الجمعيات وأفرعها والأسواق التابعة للنظم واللوائح المنظمة للعمل التعاوني (جريدة القبس الكويتية في عددها الصادر بتاريخ 28 ابريل 2014)، مما يدل على ضعف وعي التعاونيين بقواعد العمل التعاوني سواء الإداري منها أو القانوني.
واشارت الورقة إلى تصادم توجّه وزارة الشؤون الاجتماعية بشأن تخصيص الجمعيات التعاونية بالهدف العام من إنشاء تلك الجمعيات، مما أثار الجدل والصدام بين الوزارة والتعاونيين الذين رفضوا هذا التوجه جملة وتفصيلا.
وجاء في الورقة أن الوزارة اوضحت أن الهدف من خصخصة الجمعيات التعاونية يكمن في عملية رفع كفاءة العمل والتوظيف الأمثل لموارد تلك الجمعيات، وتقليل معدلات الفساد.
الصوت الواحد
في ما يتعلق بتطبيق نظام الصوت الواحد في انتخابات الجمعيات التعاونية قالت الورقة انه من خلال تتبع أداء الساحة التعاونية بعد إقرار هذا النظام هناك زيادة في عدد القضايا المرفوعة ضد الجمعيات التعاونية، مضيفة «كما عبّر عدد من رؤساء مجالس الإدارات التعاونية آنذاك عن رفضهم المطلق للقرار الصادر بإقرار الصوت الواحد في الانتخابات، معتبرين أنه تدخل في صميم العمل التعاوني وانتقاص من هيبة التعاونيين، وتدمير ممنهج للقطاع الأهم بعد القطاعين العام والخاص.
وشددوا على أن هذا القرار ما هو إلا تمهيد لخصخصة التعاونيات وجعل القطاع طارد اللكفاءات، إضافة إلى تهميش الأغلبية.