تسابق عددٌ لا بأس به من الأسر إلى البنوك بهدف الحصول على قرض مادي يقضون به إجازتهم أو شراء سيارة فارهة للسفر متغاضين ومتناسين حجم الخسارة الاقتصادية والإرهاق المادي الذي تتعرّض له في حال عدم القدرة على السداد؛ ليلف بذلك حبل الديون والقروض حول رقبتهم.
وأشارت الإحصائيات إلى أنّ 26 في المائة من سكّان الدول الخليجية يدّخرون بانتظام، في حين أظهرت إحصائيات آخر عامين أن اغلب المواطنين الكويتيين مقترضون، وأن الأسر مدركة حجم خسارتها الاقتصادية، لكنها بقيت على حالها لم تسع إلى محاولة التخلص من تلك الأمور واللجوء إلى سياسة الادخار بدلا من الاقتراض!
يقول عضو الموارد البشرية أسامة صالح : غياب ثقافة الادخار أصبح سبب كل أزمة اقتصادية يمر بها الإنسان، وما هي إلا سوء تصرف وغياب وعي بأهمية ما يُستهلك.
وأضاف: بين الحين والآخر نجد هناك أشخاصا تمّ القبض عليهم وحُجزت سياراتهم نتيجة ديون وقروض هائلة، فوق مستواهم المادي والاقتصادي!! ما يجعلنا نبحث عن أسباب لجوئهم للاقتراض سواء (قروض بنكية – أو استدانة أموال برهن شيكات أو خلافه)، وعند معرفة أسباب لجوئهم لذلك تجزم تماما بغياب الوعي بطريقة الاستهلاك، وكذلك فقدان الادخار تماما.
وتابع: لو وُجدت ثقافة الادخار لديهم لم يلجأوا للاقتراض للحصول على سيارة فارهة تفوق قدراتهم المالية، وكان في إمكانهم الحصول على سيارة تتناسب مع دخلهم الاقتصادي، وتؤدي غرضها.
وأردف: بكل أسف هناك مَن تلبس قائمة المدينين وحمل على عاتقه الديون لأجل السفر والبذخ، فمن الحكمة والعقل أن يكون الإنسان أكثر وعيا، ولا يتجه نحو ذلك التصرف الذي ينتج عنه فيما بعد مطالبات ومناشدات بسداد ديون كان من الممكن تفاديها بالأصل.
وأوضح قائلا: سوء إدارة الأموال والتصرُّف غير السليم في المشتريات والإنفاق والبذخ والاسراف أوقعت الأسر في مشكلات أدّت إلى تردي أوضاعهم الاجتماعية والمالية.
مشاركة زوجية
وأضاف: عدم وجود ثقافة الادخار وأهميتها يتسببان في اقتطاع جزءٍ من الراتب لمصلحة البنك؛ ما أوقع الكثيرين في عدم تحقيق التوازن لمستوى المعيشة، وهذا يتحمّله الطرفان في الأسرة: الزوج والزوجة؛ حيث مشاركة الزوجة في الإنفاق والترشيد الصحيح ومستوى إدراكها الأمور والتعامل مع متطلبات العصر، واحتياجاته بفكر واعٍ وابتعادها عن التأثر بزخم الموجات الإعلانية المحفزة على الشراء الذي لا طائل منه، سوى هدم مدخرات الأسرة يكون لها الدور الكبير في حياة أفراد أسرتها وإبعادهم عن وحل الديون.
وبيّن أن الأسر الناجحة هي تلك التي تسعى إلى تخطيط ميزانيتها وتكون ذا تخطيط واضح لأمورها المالية، واضعة نصب عينيها المثل الشهير (الدَّين همٌّ بالليل وخزيٌّ بالنهار).
مظاهر
بدوره، أكّد الإخصائي الاجتماعي مشعل القرشي؛ أن المظاهر هي التي باتت تحكم مجتمعنا، وأن الفرد أصبح أكثر رضوخا للنمط العام السائد، كل ذلك في سبيل شعوره بالانتماء والمساواة والشعور كذلك بما يسمّى «الند القادر».
وأضاف: لذا يحرص على الظهور بالمظهر الذي يواكب الجميع في الملبس والمسكن والمأكل، فأصبح ينفق أكثر ممّا يدخر! ومن هذا الموقف استغل أصحاب المصارف ومراكز التقسيط حاجات البعض، وكثّفوا دعاياتهم وتسهيلاتهم حتى أصبح الاقتراض حلا أمام نقص المال الذي يواجهه، فوقع في المصيدة التي لا خروج له منها إلا بقناعته أن تلك المظاهر بذخٌ لا حاجة له بها، وأن الحياة الحقيقية ليست في اللحاق بالجموع.
تقول مدربة التنمية البشرية آسيا داود: تؤدي الأسرة دورا مهما في تعزيز ثقافة الإسراف وبما أننا شعبٌ ميسور الحال، ولله الحمد، نعمل على تدليل أبنائنا بتوفير جميع ما يطلبونه من كماليات وإلكترونيات تفوق حاجتهم، غارسين فيهم بشكلٍ غير مقصود حب الاستهلاك لتصبح عادة مع مرور الوقت.
وأضافت: لعبت الإعلانات والدعاية والعروض دورا بارزا في تحوُّل الأسرة وأفراد المجتمع إلى نمط عيش استهلاكي لا يتناسب مع دخلها.
وتابعت: وبهدف توافر الكماليات وليس الأساسيات تتجه الأسر إلى الاستعانة بالقروض، وبالتالي تحوَّل هذا النوع من الاستهلاك إلى مشكلة اقتصادية تتسبّب في مخاطر اجتماعية.
مدارس غير مهيأة
وأردفت: تلعب المدارس دورا مهما في عملية الاستهلاك، فمدارسنا غير مهيأة لتعليم أبنائنا الترشيد وليس الاستهلاك؛ والتنشئة الاستهلاكية في المدارس عالية؛ حيث يتعلم أبناؤنا السلوك الاستهلاكي المتعلق بالحصول على المنتجات، والإلكترونيات سواء كان بحاجة لها أو لا، فيصبح لديه حب التملك فقط.
واستطردت: لتحويل سلوك أبنائنا من أفراد مستهلكين إلى منتجين، فلا بد من تعليمهم معنى الميزانية وكيفية توزيعها، والتوجيه السليم أمر ضروري حتى يشاركوا بفاعلية في المجتمع، فلا بد من تدريبهم وتدريسهم في سن مبكرة في المدارس مفهوم مستويات الدخل المختلفة على استعمال النقود، ليستطيعوا اتخاذ قرار الشراء حسب النقود التي معهم.
واختتمت حديثها قائلة: لا بد أن نبدأ بأنفسنا بعملية التوفير والادخار حتى نكون قدوة صالحة في مجال الأنماط الاستهلاكية.