يحتاج المرء أحيانا إلى تأمل عميق لما وراء الأحداث الظاهرة التي تجري من حولنا، لكي ينفذ إلى ما وراء الظاهر، في محاولة للوصول إلى إطار محدد يجمع بين هذه الأحداث، ويقدم تفسيرا لها.
والناظر إلى المنطقة العربية، أو منطقة الشرق الأوسط بشكل عام، لا بد أن تستوقفه تلك الوقائع الكبيرة التي شهدتها تلك المنطقة وخلال تلك الفترة التي عاصرناها، في مسلسل لا ينتهي، منذ سقوط شاه إيران محمد رضا بهلوي في العام 1979، مرورا بما وقع في العراق طوال تلك السنين، وقيادته البعثية المقبورة التي أوردت دولتها موارد التهلكة، بإشعالها الحرب الضروس مع إيران استمرت ثماني سنوات، وأهلكت الحرث والنسل، ثم أتبعتها بغزو الكويت في العام 1990، وما تلا ذلك مما يعرفه الجميع، لا تزال تعاني المنطقة آثاره.. وكذلك ما شهدته المنطقة ما يسمى بالربيع العربي والذي كان خريفا خلال السنوات الخمس الأخيرة والذي شهد أحداث وهبّات زلزلت هذا الجزء المهم والكبير من العالم، سواء في تونس أو مصر وليبيا واليمن وسوريا، مما لا تزال تبعاته وانعكاساته تتوالى، وتفعل فعلها، ولا أحد يدري أين تتوقف وكيف تنتهي، خصوصا في ظل نشأة واستفحال التنظيمات المتطرفة والإرهابية، بدءا من التنظيم الذي شكل «الحاضنة الأساسية» لكل ما جاء بعده، ونعني به «القاعدة»، وانتهاء بـ «داعش» الذي حير الألباب وأزاغ الأبصار، بما يفعله، وعدائه لكل خلق الله، ولسائر الأديان والمذاهب والأعراق، وقيامه بنشر الخراب والدمار في كل مكان تصل إليه يداه، واحتشدت لأجله جيوش من مختلف دول العالم لمحاربته والتصدي لشروره.
في كل هذه الأحداث التي استغرقت نحو ثلاثة عقود من الزمن، يحق لنا أن نتساءل: من وراء هذا المسلسل المتواصل في كل ما يجري؟ من المخرج؟ ومن المنفذ ؟ ولمصلحة من؟
إننا أمام «سيناريو» محكم، لكنه في الوقت نفسه شديد الخطورة، ونحن لا ندعي أننا نملك تفسيرا له، أو أن لدينا إجابات محددة وقاطعة على الأسئلة التي طرحناها.. وعلينا أن نعيد طرح تلك الأسئلة مرارا وتكرارا، وأن نتعاون فيما بيننا من أجل محاولة تفكيك تلك الأحداث، والوصول إلى «المخرج» و«المنفذ»، والكشف عن «صاحب المصلحة».
اللهم احفظ دولنا وشعوبها.