باتت كل دول العالم الحديث تقريبا تعرف، في أسلوب إدارتها للحكم ولتسيير شؤون الحياة، تقسيمة السلطات الثلاث: التنفيذية والتشريعية والقضائية. ولكن جرى العرف على تسمية الصحافة بـ «السلطة الرابعة».. وعلى الرغم من أنها تسمية «معنوية وأدبية»، فإنها تعني الكثير، وتشي بما للصحافة المطبوعة أو المذاعة أو المرئية، أو بالتعبير الأشمل «الإعلام»، من قيمة وأهمية، وبخطورة الدور الذي تلعبه في حياة الدول والشعوب، بل وفي مسار الإنسانية كلها.
ومن هنا تأتي أهمية وضرورة الدعوة التي لا نمل من تكرارها، لضرورة أن يكون الإعلام لدينا في الكويت، إعلاما فاعلا وإيجابيا، يبني ولا يهدم، ينقد ولا يجرح، يشخص مواطن الداء ويصف الدواء، ولا يكون كل همه الصراخ والصوت العالي والتشويه، والإساءة إلى الآخرين ـ أفرادا ومؤسسات ـ من دون بينة أو دليل. وتزداد الحاجة إلى مثل هذا الإعلام في المرحلة الحالية الحافلة بالتحديات، والتي يمكن لكلمة خارجة، أو عبارة جارحة، أو كلام غير مسؤول، أو معالجة غير موضوعية، أن تثير الفتنة وتشق الصف وتفرق الجمع، وتضرب في الصميم وحدتنا الوطنية، التي ظلت على مدى القرون مضرب الأمثال في قوتها ومتانتها، وتحديها لكل الأهوال والصعاب.
لا يعني ذلك أننا نريد إعلاما ضعيفا أو فاترا، أو نسعى إلى منعه من تناول أهم وأدق قضايانا، وانتقاد ما يتراءى له من أمور تستحق النقد وتتطلب التقويم، بل على العكس من ذلك فإننا ندعو وبقوة إلى وجود مثل هذا الإعلام، ونرى فيه ضمانة للمجتمع القوي الصحي والمتعافي.. ولنا في تجارب الدول عريقة الديموقراطية في أوروبا وأميركا، خير شاهد، فهذه الدول تتمتع بإعلام لا يمكن أن يزايد أحد عليه في قوته وقدرته على انتقاد الأوضاع السائدة لديهم، لكن هذا الإعلام نفسه يعرف تماما أين يقف، وما الحدود التي ينبغي عليه ألا يتخطاها.. ومن المستحيل أن تجد صحيفة أو فضائية في دولة غربية تدعو ـ على سبيل المثال ـ إلى هدم أركان الدولة، أو تسعى إلى الطعن في مؤسساتها الدستورية، أو تقترب ـ مجرد اقتراب ـ من النسيج الوطني، فضلا عن أن تحاول العبث به، أو التلاعب بالقيم والمرتكزات التي يبنى عليها المجتمع.
ما ندعو إليه، ونصر عليه، هو الإعلام، الذي يبصر المجتمع بعيوبه، وينير أمامه الطريق، ويأخذ بأيدي أبنائه نحو التقدم والتطور والارتقاء.. نعم نريد إعلاما بانيا لا هادما، إعلاما يقول الحق ولا يخشى فيه لومة لائم، ونريده في الوقت نفسه إعلاما واعيا بخطورة دوره ورسالته، وواجبه الوطني والإنساني.. وحين يتحقق لنا ذلك فإننا واثقون أن مجتمعنا سيضمن أن يظل ـ كما عهدناه ـ قويا مترابطا، وسينشد أيضا الأفضل، ويسعى إليه دائما.