• نوفمبر 23, 2024 - 11:27 صباحًا

سعدالعبدالله .. بطل في الحرب وباني النهضة في السلم

أحيت الكويت الذكرى الثامنة لرحيل سمو الأمير الوالد الشيخ سعد العبدالله، صاحب المسيرة الحافلة بالعطاء والإخلاص لوطنه وأبناء شعبه، تاركا خلفه بصمات راسخة وذكرى طيبة في عقول وأفئدة الكويتيين.

المناصب التي تولاها
عين سموه في مشارف الخمسينيات في دائرة الشرطة العامة عام 1949 ولكفاءته تم ايفاده إلى المملكة المتحدة لدراسة علوم الشرطة فمكث اربع سنوات وعاد عام 1954 متخرجا برتبة ضابط.
وحين عاد سمو الشيخ سعد من بعثته الدراسية عام 1954 عين نائبا لدائرة الشرطة وبقي في هذا المنصب حتى 1959 وكانت البلاد على وشك استقلالها آنذاك حيث صدر مرسوم اميري بتعيينه نائبا لدائرة الشرطة والأمن العام بعد دمجهما.
وتولى رئاسة هذه الدائرة في عام 1961 ثم قدر له ان يكون اول وزير للداخلية عام 1962 فكانت له بصمات واضحة على صعيد الكثير من التشريعات والقوانين الخاصة بالاقامة والجنسية وشروط منحها ومنع التسلل.
وعمل سمو الشيخ سعد على استقرار النظام السياسي في مواجهة التيارات المتطرفة التي أخذت تجتاح الكويت وغيرها من اقطار الخليج العربي منذ عقد الستينيات.
وفي عام 1964 تولى وزارة الدفاع فشكل المجلس الأعلى للدفاع وقام بجولات خارجية بهدف عقد صفقات تسليح الجيش وتعزيز القدرات الدفاعية للكويت وعمل على تنويع مصادر السلاح. وفور توليه حكم البلاد خلفا للشيخ صباح السالم الصباح في 1977 بادر سمو المغفور له بإذن الله الشيخ جابر الاحمد إلى تزكية الشيخ سعد العبدالله ليكون وليا للعهد وتحديدا في 31 يناير 1978 وبعدها بأيام وتحديدا في 8 فبراير من نفس العام صدر أمر أميري بتعيينه رئيسا لمجلس الوزراء. وفي 16 فبراير 1978 كلف سموه يشكيل الحكومة وكانت هذه هي الوزارة العاشرة في تاريخ الكويت وقدر لسموه ان يتولى رئاسة الحكومة في ظروف محلية واقليمية ودولية بالغة التعقيد فبذل جهودا كبيرة لمواجهة هذه الظروف والتحديات وعمل على تعزيز قدرات البلاد الدفاعية والامنية ورفع كفاءتها البشرية والمادية.
وساهم سمو الشيخ سعد في اصدار الكثير من التشريعات المتعلقة بالاسكان والتجنيس وايجار المساكن والوظائف العامة والضمان الاجتماعي.
واجتهد في تحديث المرافق العامة وزيادة الخدمات في المجالات كافة وعنى بشؤون الثقافة ودعم المؤسسات التي تقوم بالبحث العلمي وعمل على دعم صندوق احتياطي الاجيال المقبلة وحرص على تحقيق العدالة وتطوير التشريعات وحرص كذلك على معالجة مشكلة الجنسية والتجنيس فصدر قانون للجنسية الكويتية وجوازات السفر والاقامة عام 1959 واولى مشكلة الاسكان جل اهتمامه واهتم ببرامج الرعاية الاسكانية وحاول ان يضع الحلول الصائبة لمشكلة العمالة الوافدة واهتم في الوقت نفسه بتنمية العمالة الوطنية ولم يدع الازمات الاقتصادية والحوادث الارهابية تشغله عن توجيه عناية فائقة لنهضة البلاد العمرانية.
وخلال توليه رئاسة الحكومة واجه سموه الكثير من الازمات الاقتصادية التي كانت اولاها انخفاض سعر النفط واتخذ الكثير من الخطط المدروسة لاحتواء ازمة انخفاض العائد النفطي وظل رغم الازمة على سياسة تقديم المساعدات المالية الخارجية للدول الصديقة والشقيقة.
وقام سموه اثر تقلده ولاية العهد ورئاسة مجلس الوزراء بزيارات رسمية إلى مختلف دول العالم بدءا بمنطقة الخليج تعزيزا للروابط الاخوية التي تربط الكويت بشقيقاتها في الدول الخليجية.

دور بطولي في التحرير
كان سمو الامير الوالد الشيخ سعد العبدالله رحمه الله مقاتلا صلبا ومدافعا عنيدا عن الحق الكويتي عندما وقعت كارثة الغزو الصدامي للكويت والاحتلال.
وبذل سمو الشيخ سعد العبدالله خلال فترة الاحتلال الصدامي للكويت في عامي 1990 و1991 جهودا جبارة للدفاع عن الحق الكويتي في جولاته للدول الشقيقة والصديقة وشرح قضية شعب الكويت العادلة ما كان لها الآثر الواضح في وقوف تلك الدول إلى جانب الكويت.
كما كانت لكلمات سموه للشعب الكويتي اثناء محنة الاحتلال مردودها الايجابي في شحذ الهمم ورص الصفوف لدحر العدوان ورد كيد المعتدي.
وتمثل تحرك سموه منذ اللحظات الاولى للعدوان الصدامي باصراره على مغادرة سمو الامير الراحل الشيخ جابر الاحمد إلى السعودية لان وصول القوات العراقية إلى امير البلاد ورمزها كان يعني انهيار الروح المعنوية لدى افراد الشعب ولان وجود رمز البلاد في الخارج يعني استمرار المقاومة وحرية الحركة لحشد الرأي العام الدولي والاسلامي والعربي حول قضية الكويت وسرعة تحريرها.
وبعد كارثة الغزو الصدامي بثلاثة ايام وجه سمو الامير الوالد الشيخ سعد خطابا إلى الشعب الكويتي اكد فيه ان الكويت واجهت عبر تاريخها الطويل محنا قاسية ومحاولات غاشمة للغزو والعدوان وكلها باءت بالفشل بفضل عناية الله ورعايته وتماسك أهل الكويت وتلاحمهم واستعدادهم للموت دفاعا عن ارضها الطيبة.
وفي 5 اغسطس 1990 التقى سمو الامير الوالد خادم الحرمين الشريفين الراحل الملك فهد بن عبدالعزيز في جدة حيث تم تبادل وجهات النظر واسلوب التحرك ازاء الموقف الناتج من جراء العدوان على الكويت.
كما التقى سموه الرئيس حسني مبارك في الاسكندرية والقاهرة حيث تم الاعلان بعد ذلك عن عقد مؤتمر القمة العربية الطارئ بتاريخ 9 اغسطس 1990 وترأس سموه وفد الكويت بعد سمو الامير الراحل الشيخ جابر الاحمد والقى كلمة الكويت امام المؤتمر ومغادرته القاهرة في اليوم نفسه.
كما حرص سموه على اللقاء المستمر والمباشر مع مواطني الكويت في كل دولة يزورها وذلك بهدف الاطمئنان على حياتهم وشرح الموقف السياسي والعسكري لهم ورفع روحهم المعنوية واطلاعهم على ان العالم الحر الشريف يقف معهم ويؤيد قضيتهم.
واصر سموه رحمه الله على الوقوف الصلب إلى جانب الحق الكويتي وعدم المساومة على اي شبر من الارض الكويتية فضلا عن مطالبة سموه بالتعويضات عن اضرار الاحتلال منذ الشهر الاول وهذا يؤكد ايمان سموه منذ اللحظات الاولى بتحرير الوطن ودحر العدوان.
وتبنى سمو الامير الوالد الراحل رفض الكويت لأي وساطات او مبادرات لحلول وسط للأزمة واصر على تنفيذ كافة قرارات مجلس الأمن والقمة العربية.
وحرص سموه على الاتصال المباشر وشبه اليومي مع قيادات المقاومة الكويتية بهدف الاطمئنان على حياة المواطنين في الداخل والاطلاع على اعمال المقاومة بشكل دوري ونقل توجيهات سمو الامير الراحل الشيخ جابر الاحمد وتوجيهاته لقيادات المقاومة وشرح الموقف السياسي والعسكري لهم.

المؤتمر الشعبي
وكانت هناك علامة بارزة في تاريخ الكويت هي انعقاد المؤتمر الشعبي في جدة خلال الفترة من 13 إلى 15 اكتوبر من العام 1990 والتي نبعت فكرته من سمو الامير الوالد حيث طرحها في اثناء زيارته إلى المملكة المتحدة ولقائه مع ابناء الكويت في لندن في الأسبوع الأول من شهر سبتمبر 1990 اي بعد حوالي شهر من وقوع الاحتلال الصدامي.
وبعد عودة سموه إلى الطائف عرض الامر على سمو الامير الراحل الشيخ جابر الاحمد رحمه الله فباركها وايدها وبدأت الاجراءات لتشكيل اللجنة التحضيرية للمؤتمر.
وباشر سموه جميع الاجراءات بنفسه بدءا من الاجتماع مع اللجنة التحضيرية واعداد جدول الاعمال ومقابلة بعض الشخصيات الكويتية التي ستحضر المؤتمر وتوضيح فكرته والاتفاق على شعاره والى اصدار الدعوات باسم سموه إلى جميع المشاركين. وبلغ عدد المشاركين 1200 شخصية كويتية تمثل مختلف القوى السياسية والاقتصادية والاجتماعية اضافة إلى عدد من الشخصيات الاجنبية وحوالي 433 من رجال الصحافة والاعلام لتغطية احداثه وترأس سموه المؤتمر.
ورفع المؤتمر شعار «التحرير.. شعارنا.. سبيلنا.. هدفنا» والقى سمو الامير الراحل الشيخ جابر الاحمد كلمة الافتتاح والقى سمو الشيخ سعد العبدالله رئيس المؤتمر كلمة في اليوم الأول ثم القى سموه كلمة في ختامه.
وصدر عن المؤتمر بيان ختامي يشمل 19 بندا ثم تكونت لجنة من 29 عضوا بدعوة من سمو الامير الوالد الشيخ سعد العبدالله وبرئاسته لتشكيل هيئة استشارية عليا برئاسته لمتابعة تنفيذ التوصيات والقرارات.
ومع تحمل سموه الاعباء والمهام الجسام التي كانت موكولة اليه خلال فترة الاحتلال الصدامي الغاشم للكويت والتي أداها بكل صدق وتفان فان ذلك كله لم يؤثر على مهامه الاساسية كولي للعهد ورئيس لمجلس الوزراء والتي تمثلت خلال هذه الفترة في رئاسة اجتماعات مجلس الوزراء الذي كان في حالة انعقاد شبه مستمر في مدينة الطائف خلال فترة الاحتلال وذلك لادارة شؤون البلاد والمواطنين في الداخل والخارج وتميزت هذه الفترة بأهمية الموضوعات التي كان يناقشها المجلس وحيويتها والسرعة والدقة في القرارات التي تم انجازها.
ومنذ اللحظات الاولى للتحرير ترأس سمو الامير الوالد اجتماعات مجلس الوزراء في الكويت وكانت تعقد في ديوانية الشايع فقد كان سموه على رأس الحكومة والجهاز الاداري للدولة عند دخوله الكويت بعد التحرير مباشرة وكان لوجوده على رأس الحكومة اكبر أثر في فرض الأمن واعادة السيطرة للدولة في كل ارجاء البلاد.
كما كان لسموه مواقف مشرفة تناقلتها كل وسائل الاعلام العربية والدولية عندما تصدى شخصيا وبكل قوة وحزم لأي عمليات انتقامية يقوم بها بعض الشباب المتحمس ضد اي قوى تعاونت مع قوات الاحتلال الصدامي في اثناء الاحتلال وطلب ان يأخذ العدل مجراه في هذه الامور وان تحال هذه الامور برمتها إلى القضاء الكويتي العادل.

مهمة أصعب بعد التحرير
وكانت الفترة التي تلت التحرير مباشرة من اصعب الفترات التي مرت على الكويت في تاريخها الحديث وبرز خلالها سمو الشيخ سعد العبدالله بأدائه المتفاني وديبلوماسيته العالية وحزمه واصراره الصلب على التعامل مع كم المشكلات الهائل الذي واجه الدولة منذ اللحظة الاولى للتحرير.
وتمثل ذلك في اعادة مرافق الدولة إلى العمل بكل كفاءة وسرعة وفرض الأمن والنظام واظهار هيبة الدولة وسلطتها والتعامل مع فلول الاحتلال ومن تعاون معهم بكل حزم وعدل اضافة إلى وضع خطة اعادة الوافدين الشرفاء إلى اعمالهم للمشاركة في معركة اعادة البناء وعلى رأس كل هذه المشكلات وغيرها التعامل وبسرعة مع اكبر جريمة بيئية في التاريخ المعاصر وهي اطفاء آبار النفط التي حرقها المعتدي الغاشم عند طرده من الكويت.
كل هذه المشكلات الجسام وغيرها كانت تشغل بال سمو الامير الوالد الشيخ سعد العبدالله وتؤرقه الامر الذي دفعه إلى الاستعانة بالخبرات الوطنية التي صهرتها تجربة الغزو فتمكن من اجتياز كل المشكلات ما مكن الدولة من اعادة الحياة إلى شكلها الطبيعي بسرعة ودقة.
وكان سموه عاد إلى الكويت في الرابع من مارس عام 1991 بعد التحرير واندحار الغزاة حيث احتشد آلاف المواطنين لاستقباله ومع لحظة نزوله ارض الوطن صلى سموه ركعتين شكرا لله على نصره حيث بدأ معركة اعادة اعمار الكويت التي اجتازها في فترة قصيرة بكل نجاح.

وحدة الكلمة والصف
وكانا الشيخ سعد يؤمن إيمانا قويا بأن قوة أبناء الكويت تكمن في وحدة الكلمة ووحدة الصف كما كان يؤمن بأن قوة العرب الحقيقية في تضامنهم ولذلك يحرص على لم الشمل العربي وتسوية النزاعات العربية بالطرق السلمية والتركيز على الأهداف القومية للأمة العربية وقضاياها المصيرية.
وعبر المواطنون عن حبهم للشيخ سعد حين غادر في 11 مارس 1997 للعلاج في بريطانيا بسبب العارض الصحي حيث لم تنقطع الزيارات والبرقيات لسموه وكانت عودته في 12 أكتوبر 1997 مبايعة حقيقية له فشهدت الكويت استقبالا جماهيريا حاشدا شاركت فيه كل فصائل الشعب الكويتي ببرامج وتجهيزات أعدت بشكل طوعي حبا وتقديرا لسموه.
وقال سموه حينذاك «إن ما أظهرتموه تجاه شخصي الضعيف من حب وتعاطف ورعاية كان دليلا ناصعا على أصالة معدن أهل الكويت ومروءتهم وشهامتهم».
وعلى الرغم من تعلق سمو الشيخ سعد بحب الكويت وعدم رغبته بمغادرتها إلا أن مرض سموه العارض جعله يغادر الكويت مرة أخرى في 18 أغسطس 1999 إلى العاصمة البريطانية لإجراء فحوصات طبية.
وقد قطع سموه رحلة العلاج التي استمرت 65 يوما وفضل العودة إلى الكويت لمتابعة عمله الوطني في الكويت حيث حضر سموه في 22 أكتوبر 1999 جلسة افتتاح دور الانعقاد الجديد لمجلس الأمة في فصله التشريعي.
وقال سموه حينذاك «حرصت على العودة مبكرا رغم نصائح الأطباء لأكون بينكم لعلي أوفيكم بعض حقكم وشيئا من جميلكم تجسيدا لمبادئ وطنية ومعان سامية وتأكيدا للمودة والتراحم والتواصل، هذه الخصال الحميدة التي تميز بها أهل الكويت».
ورغم الظروف الصحية التي كان يمر بها فإن سمو ولي العهد ورئيس مجلس الوزراء حضر لقاء السلطتين التنفيذية والتشريعية في منزل رئيس مجلس الأمة جاسم الخرافي، حيث أوصى الشيخ سعد الحضور بالتعاون والتآزر والتحاب.
وتقديرا لمكانة وجهود سمو ولي العهد ورئيس مجلس الوزراء في تأصيل مكانة الكويت الدولية في جميع المحافل فقد تقلد العديد من الأوسمة والشهادات منها ما تقلده أثناء زيارته إلى بيروت في 19 أغسطس 1996، حيث قلده الرئيس السابق الياس الهراوي وشاح الأرز تقديرا لمواقف الكويت تجاه لبنان. وأثناء زيارة الأمير عبدالله ولي العهد السعودي ونائب رئيس مجلس الوزراء ورئيس الحرس الوطني السعودي للكويت في 2 يوليو 2000 قلد سمو الشيخ سعد وشاح الملك عبدالعزيز بن سعود من الطبقة الأولى وذلك تقديرا لمواقف الكويت في المحافل الدولية والعربية.
توفي الشيخ سعد العبدالله، عن عمر يناهز 78 عاما، يوم الثلاثاء الموافق 13/5 2008 بعد ازمات صحية عنيفة لازمته منذ العام 1997.

Read Previous

الديوان الأميري كرم موظفيه المتقاعدين: دور فاعل وتحمل للمسؤولية وصون للأمانة

Read Next

الجسار: وضع الكهرباء مطمئن لكن لا داعي للإسراف

0 0 votes
تقييم المقال
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments

Most Popular

0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x