لا نميل مطلقا إلى تلك النظرة التشاؤمية، التي تحاول الإيهام بأن الكويت تتراجع في كل مجال، أو أنها أقل من غيرها في الأخذ بأسباب التقدم والنهوض، فذلك ظلم للنفس، وغمط للحق ، وإنكار للواقع الماثل أمام أعيننا، والذي يشهد بأن في الكويت كثيرا من التنمية، وأنها تشهد من الإنجازات ما يستحق الإشادة به، والحديث عنه.
غير أن مشكلتنا – نحن الكويتيين – أننا اعتدنا أن نكون دائما في موقع الصدارة والريادة، ونرى أنفسنا جديرين بهذا الموقع، ولا نلتمس لأنفسنا عذرا أو مبررا إذا تخلفنا عنه، أو تقاعسنا عن بلوغه.
من هنا فإنه يحق لنا أن نسأل أنفسنا مجددا : ما الذي يحول بيننا وبين استعادة مكان الصدارة والريادة في منطقتنا؟ وما الذي يجعلنا دائمي التحسر على أيام كنا فيها روادا بحق ، وقادة لقاطرة الاقتصاد والتنمية والاستثمار فيها، ومضرب المثل لكل دولة تبتغي النهوض والتطور والازدهار؟
وحين ندقق النظر، فإننا سنكتشف أن ظروفنا أفضل من الماضي، فقد تحققت لنا وفورات مالية ضخمة، خلال سنوات ارتفاع أسعار النفط، لم يتحقق مثلها من قبل ، واتسع نطاق العمران بدرجة كبيرة، وبفضل الله وبقيادة حكيمة استطاعت أن تقود الكويت دائما إلى بر الأمان، وأن تجنبها العواصف والأنواء التي اقتلعت دولا من حولنا، ودمرت مقدرات شعوب كثيرة، وأشاعت فيها الخراب والدمار .. ومن ثم فقد كان ينبغي أن يرافق ذلك كله نهضة تنموية جبارة، تضع أسس «دولة ما بعد النفط»، وتوظف هذه الطاقات الهائلة التي يتمتع بها أبناء الكويت، لتنهي فلسفة الاعتماد على مصدر وحيد – أو شبه وحيد – للدخل . لكن ما حدث هو أن السياسة شغلتنا طويلا عن الاقتصاد، وصرفتنا عن التخطيط الجيد والمحكم لمواجهة احتمالات تراجع أسعار النفط .. وعمّق من هذه الفجوة وجود مجالس أمة أعطت اهتمامها كله أو جله للجانب الرقابي، وهو مطلوب على ألا يكون على حساب الجانب التشريعي .. كما أنها حتى وهي تمارس دورها التشريعي في ذلك الحيز الضيق الذي فرضته على نفسها ، فإنها جنحت إلى التعسف والتضييق على الناس، وتعاملت مع المستثمرين والراغبين في أن يسهموا بنصيب وافر بتنمية وطنهم، على أنهم «متهمون» أو على الأقل «مشتبه بهم» حتى تتبين براءتهم، وأصدرت تلك المجالس من التشريعات ما جعل أي مستثمر يفكر ألف مرة قبل أن يضع أمواله في استثمارات داخل الكويت ، في الوقت الذي كانت فيه الدول من حولنا تتسابق لاجتذاب هؤلاء المستثمرين عبر تشريعات وقوانين تيسر لهم إقامة مشاريعهم ، وتدعمهم بكل الطرق وتكفل لهم الاستمرار والنجاح.
مرة أخرى فإننا نؤكد أن الكويت لا ينقصها شيء، وهي قادرة في أي وقت على أن تستعيد مكانتها وريادتها في المنطقة .. وعلى الرغم من كل الملاحظات التي نبديها نحن أو يبديها غيرنا، فإننا نرى حراكا اقتصاديا وتنويا مبشرا ، يتمثل في ذلك التوجه لاستئناف إقامة مشاريع عملاقة، مثل المطار الجديد، فضلا عما نراه من مدن إسكانية كبيرة وعديدة توسع النطاق العمراني للكويت، وتخفف الاحتقان عن العاصمة .. يبقي أن تستمر هذه الروح، وأن يتواصل هذا الزخم التنموي الكبير، وأن يتواكب مع ذلك كله وعي مرتفع لدى السلطة التشريعية بأهمية إصدار تشريعات تزيل المعوقات من أمام قاطرة التنمية، وتوفر حوافز جيدة للقطاع الخاص، وتشركه إشراكا حقيقيا وفاعلا في تحقيق الخطط التنموية.
وإنا لمتفائلون.