تكاد لا تخلو مكتبة من مكتبات التلفزيونات العربية من أعمال أنتجها تلفزيون دولة الكويت على مدى تاريخه الطويل لتقف شاهدة على إنجازات تتوالت منذ 55 عاما سجل بها التلفزيون ريادته في المنطقة وعلى المستوى العربي.
وتعود انطلاقة بث تلفزيون الكويت إلى 15 نوفمبر 1961 من الحي الشرقي لمدينة الكويت (منطقة شرق حاليا) ليكون ثاني تلفزيون عربي يبث رسميا بعد التلفزيون اللبناني.
وكان سمو الأمير الشيخ صباح الأحمد في ذلك العهد وزيرا للارشاد والأنباء فأصبح التلفزيون الكويتي في رعايته إحدى أهم وأكبر المؤسسات الإعلامية في الوطن العربي وشكل صرحا شامخا اعتلى أبناؤه منصات التتويج في العديد من المهرجانات بفوزهم بالكثير من الجوائز عن برامج ومسلسلات انتجها التلفزيون.
ولا بد من الاشارة إلى أن البث التلفزيوني في الكويت بدأ فعليا في تلفزيون غير رسمي عام 1951 على يد تاجر كويتي فقامت الحكومة بشرائه وبقي بثه تجريبيا مدة عامين تقريبا إلى أن بدأ البث الرسمي نهاية عام 1962 بواقع أربع ساعات يوميا بمجموع 28 ساعة أسبوعيا لتصل عام 1963 إلى 36 ساعة أسبوعيا.
وفي بدايات عام 1966 زادت ساعات البث إلى 52 ساعة أسبوعيا ثم ارتفعت في شهر أكتوبر من العام نفسه إلى 58 ساعة أسبوعيا حيث يبدأ البث من الخامسة مساء لغاية منتصف الليل باستثناء أيام الجمعة حيث كان البث يبدأ عند الساعة الثانية عصرا.
وواصل التلفزيون بعد ذلك زيادة ساعات بثه لتصبح على مدار الساعة كما ازدادت القنوات حتى وصلت حاليا إلى سبع قنوات وهي الأولى والثانية (انكليزية) والثالثة (رياضية) وبلاس (رياضية) واثراء والعربي والكويت بلاس.
وأول مكان اتخذه تلفزيون الكويت مقرا له يقع على شاطىء الخليج (قرب قصر دسمان) وبقي فيه حتى تم بناء مبناه الحالي في المجمع الضخم الذي يضم الإذاعة والتلفزيون معا.
ومنذ فترة الستينيات أصبحت الكويت قبلة لعدد من الفنانين لتسجيل وتصوير أغنياتهم من أمثال كوكب الشرق أم كلثوم، وعبدالحليم حافظ، وفريد الأطرش، وفيروز، ووديع الصافي، وفهد بلان، وسميرة توفيق، وناظم الغزالي، ومحمد عبده، وطلال مداح، وأحمد الجميري وغيرهم كثير وسبب ذلك ما حققه تلفزيون واذاعة الكويت من صيت كبير في أوساط الفنانين العرب.
كما أن الدراما الكويتية التي أنتجها تلفزيون الكويت ارتقت مكانة في مقدمة الأعمال الدرامية العربية وبقيت راسخة في عقل ومخيلة كل من شاهدها على مر السنين حتى انها لاتزال تسجل اعلى نسبة مشاهدة إذا ما عرضت في أي قناة تلفزيونية بالرغم من ان بعضها تخطى عمر انتاجه الـ 50 عاما.
ولم يقتصر دور تلفزيون الكويت على الدراما والتصوير الفني بل كان له دور كبير في جميع القضايا التي تهم الأمة العربية ومنها تهيئة الشارع والرأي العام وحشد التأييد ونقل الأخبار وخاصة إبان الحروب التي شاركت بها الكويت مع شقيقاتها من الدول العربية في عقدي الستينيات والسبعينيات.
وفي عام 1974 خطا تلفزيون الكويت خطوة نوعية بالانتقال من اللونين الأبيض والأسود إلى البث الملون وذلك في كأس الخليج لكرة القدم التي أقيمت في مملكة البحرين.
وفي عام 1990 خلال الغزو العراقي للكويت أدى تلفزيون الكويت دورا مهما في شحذ همم المواطنين وشد أزرهم من داخل الكويت أولا قبل انتقال البث إلى المملكة العربية السعودية الشقيقة إثر تهيئة استديو في منطقة (الدسمة) القريبة من العاصمة فور احتلال قوات الغزو مبنى التلفزيون والاذاعة لخنق صوت الاعلام الكويتي.
وانطلقت الاذاعة الكويتية من منطقة الدسمة ثم تم ربط الاستوديو الاذاعي بالموجة التلفزيونية فشاهد الكويتيون المذيعين يوسف مصطفى وسلوى حسين من خلال البث المباشر.
واستمر هذا الاستديو بالعمل مدة يومين إلى أن تمكن المحتل من كشف محطة الارسال التي كان الإعلاميون الكويتيون يستخدمونها للبث في جزيرة فيلكا.
ولم يستطع الاحتلال منع إعلاميي الكويت من أداء واجبهم بل ازداد ايمانهم بمسؤوليتهم اخلاصا ووفاء لوطنهم فقاموا ببث رسالة يومية من المملكة العربية السعودية باسم تلفزيون الكويت إلى الشعب الكويتي الصامد في الداخل والمرابط في دول مجلس التعاون.
وكانت الرسالة اليومية تسجل في استديوهات التلفزيون السعودي بالرياض ثم ترسل عبر الأقمار الصناعية إلى دول الخليج ليتم بثها بعد نشرات الأخبار التلفزيونية الرئيسية مباشرة حسب الاتفاق الذي تم بين وزراء إعلام دول مجلس التعاون الخليجي.
ولم تقف جريمة الاحتلال عند عملية اسكات الإعلام الكويتي من الداخل بل طاولت يد التخريب الغازية مبنى ومحتويات التلفزيون ونهبت جميع ممتلكاته ومنها بشكل خاص مكتبته وآلاته وأجهزته وتركته مدمرا بالكامل.
وما أن استعادت دولة الكويت حريتها حتى باشرت وزارة الإعلام العمل السريع لإعادة المبنى لسابق عهده وتزويده بأحدث الاجهزة، كما حرصت على تزويد المكتبة بكل ما خسرته من أفلام وتسجيلات نادرة تعتبر ثروة قومية ونتاج سنين من الجهد والابداع عبثت فيها عقلية المحتل التخريبية.
ولم تتوقف جهود الوزارة طوال السنوات الماضية على تطوير وتحديث جميع قطاعاتها ومن ضمنها قطاع التلفزيون من النواحي التقنية والبشرية والبنية التحتية والهندسية.
وفي هذا الصدد قال وكيل وزارة الاعلام طارق المزرم لوكالة الأنباء الكويتية (كونا) إن الوزارة وبتوجيهات وجهود وزير الإعلام ووزير الدولة لشؤون الشباب الشيخ سلمان الحمود قامت في السنوات الأخيرة بأعمال تطويرية متعددة شملت جميع نواحي العمل التلفزيوني.
وأوضح المزرم أن هذه الاعمال تشمل البنية التحتية من مختلف النواحي الهندسية والبشرية والتقنية، مبينا أنه تم تزويد التلفزيون بأحدث ما توصلت إليه التكنولوجيا في العالم من أجهزة البث والإرسال والمونتاج والتصوير والإضاءة والصوتيات.
وذكر أنه وبجهود كبيرة من قطاع الهندسة بالوزارة تم أخيرا تطوير الاستوديوهات التلفزيونية واعيد افتتاح (استديو 800) بعد تزويده بأحدث تكنولوجيا (الغرافيكس) والمونتاج والصوت والاضاءة وغرفة التحكم فيه.
واشار إلى انه تم ايضا تزويد الاستديو بكاميرات هي الأحدث في العالم، لافتا إلى انه تم كذلك تطوير (استديو 600) الواقع في مبنى السالمية وتزويده بتقنية بث (4 كي) وهي من احدث التقنيات المستخدمة.
واوضح انه تم ايضا تطوير وتحديث استديو الأخبار وتوقيع عقد لتطوير الاستديوهات ( 600 و300 و160 و80) وتزويدها بتكنولوجيا متطورة تشمل جميع الجوانب الفنية بهدف مواكبة التكنولوجيا والبث بأعلى درجات النقاوة بالصورة (اتش دي).
وشدد على ان الوزارة تعمل بعقلية تطوير العمل بما يتناسب مع التطور التكنولوجي المعتمد على التقنية الرقمية (الديجيتال) وهو ما شاهده الجمهور في عدد من المناسبات مثل افتتاح (استاد جابر) ونقل افتتاح مركز (جابر الأحمد الثقافي) والألعاب النارية.
وبين المزرم أنه تم ايضا انشاء مركز مونتاج عالي الجودة (اتش دي) رئيسي مزود بأحدث تكنولوجيا في مجال المونتاج ليخدم جميع قطاعات التلفزيون.
وكشف انه تم تعزيز اسطول سيارات النقل الخارجي بسبع سيارات حديثة منها اثنتان من أكبر وأحدث الأنواع على مستوى المنطقة سيتم تسلمهما خلال الشهر الجاري.
وقال: إنه تم تصنيع هاتين السيارتين في أحد أكبر وأرقى مصانع بلجيكا وكل سيارة تعتبر مؤسسة تلفزيونية متنقلة بحد ذاتها حيث تحتوي على 14 كاميرا تلفزيونية عالية الجودة لنقل المباريات الرياضية وتعمل على الاعادة البطيئة بحساسية عالية.
وأضاف: انه تم تزويد اسطول النقل بسيارتي نقل مساندة تعمل بنظام السيرفر المتطور من نوع (اي في اس) استخدمت بنقل مباريات كأس العالم لكرة القدم الماضية لافتا إلى أن السيرفر عالي الدقة (اتش دي).
وأكد حرص الوزارة على تطوير العنصر البشري من الشباب المبدع والمجتهد والطموح من العاملين بالوزارة والقائمين على استخدام هذه التكنولوجيا المتطورة، وذلك على أيدي مختصين وخبراء من خلال دورات تدريبية وورش عمل داخل الكويت وخارجها في جميع مجالات العمل في التلفزيون مثل الإضاءة والصوت والتصوير.
ولفت المزرم إلى ان نهج الوزارة هو إعطاء الفرصة الكبيرة الشباب لكي يقدموا إبداعاتهم وعطاءاتهم بما يخدم تطور الإعلام الكويتي.
ويملك تلفزيون دولة الكويت جيشا متكاملا من العاملين في حقل التلفزيون بجميع فروعه من فنيين للديكور يقومون بإنشاء ديكورات البرامج وكذلك فنيين مدربين تدريبا عاليا سواء للصوت أو الاضاءة أو المكياج أو التصوير بجميع انواعه ومخرجين ومعدين ومذيعين.
ولطالما أكد وزير الإعلام ووزير الدولة لشؤون الشباب الشيخ سلمان الحمود أن الاهتمام بالعنصر البشري وتدريبه وتطويره من اولويات الوزارة بجانب الاهتمام بالجانب التقني والتكنولوجي.
ويبقى تلفزيون دولة الكويت علامة فارقة في مسيرة الإعلام العربي بما حققه من انجازات سباقة وبما أنتجه من أعمال ظلت وستبقى خالدة في ذاكرة الشعوب العربية من برامج وأعمال درامية أمتعت الجماهير لعقود وحملت رسالات اجتماعية وتربوية وانسانية غرست في عقول الصغار والشباب والكبار وبقيت ماثلة في أعينهم وكلما ذكر الإعلام العربي يجدون البصمة الكويتية وقد حفرت خطوطها في الصدارة.