تعول الحكومة والشعب الكويت على الدور الذي يضطلع به مجلس الأمة لحفظ الامن والاستقرار في البلاد في ضوء التحديات الاقليمية والدولية التي تفرضها الاضطرابات والازمات في المنطقة، كما يأمل الجميع التعاون بين السلطتين لتحقيق الإصلاحات الاقتصادية التي تأخرت كثيرا حتى تعبر الكويت إلى بر الأمان وتتحقق رؤسة سمو الأمير في تحول الكويت إلى مركز مالي وتجاري في المنطقة.
ويأتي اهتمام الحكومة المتزايد بدور السلطة التشريعية نظرا لاختصاصاتها الرئيسية في بحث الشؤون السياسية والتشريعية والقانونية واتخاذ القرارات التي تساعدها على تخطي فترة تشهد فيها المنطقة تحديات سياسية واقتصادية وامنية.
وفي ضوء الظروف الاقليمية «الدقيقة» وانعكاساتها المختلفة أصدر سمو الأمير الشيخ صباح الاحمد في 16 أكتوبر الماضي مرسوما بحل مجلس الأمة الامر الذي فرض العودة إلى الشعب «مصدر السلطات» لاختيار ممثليهم في البرلمان الجديد للمساهمة في مواجهة تلك التحديات.
وانتخب الكويتيون مجلس الأمة في 26 نوفمبر واختاروا 50 عضوا جديدا وذلك في انتخابات برلمانية جرت وسط صراعات وحروب تشهدها كل من سوريا والعراق واليمن وليبيا.
وقال أستاذ العلوم السياسية في جامعة الكويت الدكتور شملان العيسى في تصريح لوكالة الانباء الكويتية (كونا): ان القرار الذي اتخذه سمو الأمير بحل مجلس الأمة يعد «قرارا صائبا وحكيما» في ضوء ما تشهده المنطقة من تطورات.
واضاف: ان هناك تحديات اقتصادية وامنية « كبيرة « فرضها انخفاض اسعار النفط والتهديدات الامنية وهو ما يتطلب وجود برلمان قوي قادر على مواجهتها.
وذكر ان سمو الأمير ارتأى حل مجلس الأمة في الوقت المناسب والاحتكام للشعب الكويتي لاختيار الافضل من المرشحين لتمثيلهم في المؤسسة التشريعية التي من شأنها دعم الدولة.
واوضح ان احد اكبر التحديات التي واجهتها الكويت في الفترة الاخيرة عندما استهدف الارهاب اللحمة الوطنية في 26 يونيو 2015 باقدام انتحاري ينتمي إلى ما يسمى تنظيم الدولة الاسلامية «داعش» على تفجير مسجد الامام الصادق اثناء اداء صلاة الجمعة ما ادى إلى سقوط 26 شهيدا و227 جريحا.
وشدد على ضرورة تحصين الوحدة الوطنية لمواجهة خطر الارهاب الذي يهدد الجميع لافتا إلى محاولة وافد يحمل فكرا «داعشيا» في الثامن من اكتوبر الماضي استهداف عدد من الجنود الامريكيين في احد شوارع الكويت.
من جانبه قال استاذ العلوم السياسية في جامعة الكويت الدكتور ابراهيم الهدبان ان «حل مجلس الأمة واختيار مجلس جديد جاء في توقيت مهم ومناسب لتحقيق تطلعات سمو الأمير نحو تحصين وتطبيق النظام الديموقراطي السليم».
وذكر ان الظروف الاقليمية المحيطة بالكويت «خطرة جدا» كما تجعل التحديات الاقتصادية الوضع «أكثر صعوبة».
ورأى أن دول مجلس التعاون الخليجي تواجه جميعا جملة من التحديات الاستراتيجية ومنها الأزمات المندلعة في اليمن وليبيا وسوريا والعراق ما يتطلب تعاونا أوثق للتصدي لانعكاساتها.
وقال: ان الكويت سعت طوال تاريخها إلى تعميق انتمائها العربي من خلال طرح مبادرات سياسية واقتصادية وانسانية لتحقيق الامن والاستقرار لدول المنطقة وشعوبها.
وأضاف: انه انطلاقا من حرص الكويت على تحقيق الاستقرار في المنطقة استضافت على اراضيها مشاورات السلام اليمنية برعاية الامم المتحدة خلال الفترة ما بين شهري ابريل واغسطس الماضيين بهدف تقريب وجهات النظر بين الفرقاء اليمنيين وايجاد حل سياسي للازمة اليمنية.
إلى ذلك اعرب اكاديميون كويتيون عن الامل في ان يتبنى مجلس الأمة الجديد قوانين وتشريعات تعمل على تحسين جودة التعليم والارتقاء به باعتباره مفتاح التقدم والتنمية لاي مجتمع.
واكد الاستاذ المساعد في قسم الكيمياء بجامعة الكويت وعضو الهيئة الادارية في جمعية أعضاء هيئة التدريس الدكتور علي بومجداد في تصريح سابق لوكالة الانباء الكويتية (كونا) أهمية ان يحظى قطاع التعليم بدعم من جميع اعضاء مجلس الأمة المقبل والحكومة لتحقيق نقلة نوعية تصب في صالح تطوير قطاع التعليم الذي يعتبر عصب كل تنمية وسر كل تقدم ونهضة.
وشدد على ضرورة تطوير مهنة المعلم وجعلها أكثر جاذبية للمتفوقين عبر سن قوانين وتشريعات تحقق مزايا وظيفية لهذه المهنة الصعبة والمهمة.
ولفت إلى أهمية وضع تشريعات وقوانين تتعلق بانشاء جامعات حكومية جديدة والاهتمام بالبحث العلمي وزيادة الانفاق عليه لما له دور مهم في الارتقاء بالتعليم من جوانبه المختلفة.
وتنمى ان يقوم مجلس الأمة المقبل بتعيين مستشارين ومتتخصصين في شؤون التعليم العالي للاستفادة من خبراتهم في وضع قوانين وتشريعات تساعد في عملية تطوير التعليم، اضافة إلى تفعيل ممارسة دوره الرقابي على وزارة التربية لاسيما فيما يتعلق بموضوع تفشي الغش وتسريب الامتحانات.
من جهته دعا الدكتور يوسف الفيلكاوي من قسم الاعلام بجامعة الكويت في تصريح مماثل إلى اعادة تقييم مخرجات وزارة التعليم العالي والتأكد من حاجاتها لسوق العمل وحاجة السوق لهذه التخصصات والاعداد المطلوبة.
واعرب الفيلكاوي عن امله في ان يكون من بين اعضاء مجلس الأمة المقبلين أساتذة جامعيون ومهتمون بالحياة الأكاديمية والتعليمية، مؤكدا اهمية تحفيز عضو هيئة التدريس في الجامعة لتقديم المزيد من البحوث لخدمة المجتمع وتحفيز الطلبة من خلال منحهم مكافأة مالية في حال حصولهم على معدل متقدم.
من جانبه دعا استاذ القانون العام في كلية الحقوق بجامعة الكويت الدكتور ابراهيم الحمود اعضاء مجلس الأمة المقبل إلى ان يكون من بين أولوياتهم انشاء مدارس وجامعات نوعية متخصصة في الطب والهندسة والبترول والعلوم التقنية.
وطالب الحمود في تصريح سابق لـ (كونا) بادخال التكنولوجيا المتقدمة إلى التعليم بحيث يصبح التعليم العادي التقليدي في أضيق الحدود.
وقال: «انه يجب ان يكون البرنامج التعليمي أكثر وضوحا مع ضرورة الأخذ بالتعليم الموازي والفني إلى جانب التعليم العادي»، معربا عن امله في زيارة الاهتمام باللغات والعلوم والتكنولوجيا بهدف مواكبة التطورات والارتقاء بالعملية التعليمية.
على الصعيد الاقتصادي يعتبر الشارع الاقتصادي ان نتائج الانتخابات البرلمانية التي جرت في 26 نوفمبر، ستحدد المسار الجديد للإصلاحات الاقتصادية والمالية في الكويت.
من جانبه قال نائب رئيس غرفة تجارة وصناعة الكويت عبدالوهاب الوزان في تصريحات صحفية سابقة: إن مايطلبه ويتمناه الاقتصاديون من مجلس الأمة أن يعمل على تهذيب الخطاب السياسي بحيث يكون على مسؤولية من الادراك لتحقيق ماتصبو اليه الأسرة الاقتصادية في الكويت خاصة مايتعلق بمشاريع قوانين تأخرت سنوات طويلة من عشرين عاما والتي يأتي من بينها قانون التخصيص.
واضاف الوزان: أننا نرى ان بعض القوانين تحتاج لرعاية خاصة من مجلس الأمة وتحتاج لتطوير البعض وتهذيب البعض الاخر واصدار مشاريع قوانين تغير مجرى الوجه الاقتصادي للكويت خاصة وأن الكويت قادمة على فكر جديد ورؤية جديدة طرحت من قبل سمو الأمير على ان تكون الكويت مركزا ماليا وتجاريا وهذه تحتاج لوقفة جادة من قبل المشرعين ومن قبل التنفيذيين في مجلس الأمة ومجلس الوزراء وهذه هي مطالب الاسرة الاقتصادية والقطاع التجاري والمالي والصناعي
وأكد على أن المشكلة تكمن في الحاجة إلى تهذيب الخطاب السياسي وان يكون نواب مجلس الأمة راقين في الاداء ويتحملون المسؤولة التاريخية امام الشعب والأمة.
وشدد الوزان على ضرورة أن يعمل ممثلو الشعب على تحقيق مكاسب للوطن وأن يكون هناك اهتمام بجعل الكويت مركزا مالىا وتجارىا وأن يكون هناك قطاع خاص حر متمكن وان تبتعد السلطة التنفيذية عن إدارة شؤون الشركات سوى الاستثمارات.
من جهته قال رجل الاعمال ضرار الغانم في ندوة اقتصادية سابقة: إن الاقتصاديين يريدون من نواب الأمة الانصاف لهذا البلد واحترام شعبه وان يؤدوا واجبهم وماعليهم، كما هو مطلوب منهم في القسم والتركيز على اعطاء اهمية خاصة للتشريعات الاقتصادية بالذات، اضافة إلى التشريعات الاخرى التي تدعم التنمية الشاملة للبلد وأن يتعاونوا مع الجهات والسلطات التنفيذية في معالجة القضايا التي تهم الوطن بعيدا عن الصراعات والتناحرات.
وأضاف الغانم: كل ما نأمله أن تكون لغة التخاطب واسلوب الحوار على مستوى الحرية المسؤولة التي ننعم بها وليس على مستوى الانحطاط الذي سمعنا به في المجلس المنحل وعلى الاقل من منطلق الاحترام لمشاعر الناس وسمعة الكويت وسمعة البلد وهذا الذي يهمنا.
وأستطرد الغانم قائلا: نحن نعتبر ان التشريعات الاقتصادية من اهم التشريعات التي تخلفنا فيها وانحرف النقاش وانحرفت الهوية الديموقراطية التي نفتخر بها لذا نريد من النواب العودة إلى هويتنا وإلى النهج السليم وإلى ضرورة الالتفات لمصلحة البلد.
وأكد الغانم على أهمية وضرورة اعطاء القضايا الاقتصادية اهمية خاصة وجعلها ضمن اجندة الاولويات لان الاقتصاد هو الامن والامان للكويت.
وتباينت آراء الخبراء الاقتصاديين حول تقرير حديث لوكالة موديز: قال إن «حل مجلس الأمة الكويتي ومجيء برلمان جديد قد يكون معارضا للحكومة من شأنه أن يعطل إجراءات الإصلاح الاقتصادي، وسياسة معالجة الدعم التي بدأتها الحكومة لمواجهة خطر هبوط أسعار النفط خلال العامين الأخيرين».
وقال الخبير الاقتصادي سلطان العجمي: «تبين تضارب تقارير الوكالات، عندما حدثت الأزمة العالمية المالية بفعل الرهونات عام 2008، لذلك نحن لسنا بحاجة لتصديقها في الكويت، خصوصا أن البلاد تمتلك أصولا استثمارية ضخمة تغنيها عن دخل النفط بنسبة 90 في المائة».
واضاف العجمي «لا أعتقد أن طريق الإصلاح الاقتصادي يجب أن يمر عبر ذوي الدخول المتدنية أولا برفع أسعار الوقود والسلع الأساسية عليهم»، مشيرا إلى أن الدولة عليها تقليل نفقاتها في الأمور غير الأساسية، وتخفض رواتب القياديين والوزراء ومميزاتهم وصلاحياتهم المتمثلة في أسطول سيارات فخمة يتم تبديله كل سنة، وأعتقد أننا سنكون بخير دون الرجوع لموديز أو أية وكالة تصنيف ائتماني أخرى لكن المحلل الاقتصادي في سوق الكويت للأوراق المالية، لؤي الغانم، قال «هذه الوكالات لها أهداف خاصة بها وتصنف وفقا للمتغيرات السياسية والجغرافية، لكنه لا يتفق مع من يتجاهلها».
وأضاف: «تعتمد هذه المؤسسات شروطا معينة قد لا تكون مناسبة لاقتصادنا، لكننا إن لم نطبقها انخفض تقييمنا، ومع ذلك فإني أتفهم أن خفض نفقات البذخ الحكومي سيوفر علينا أموالا أكثر من رفع الدعم الوقود الذي تعتبر تكاليفه بالنسبة لغيره من المشاريع غير الأساسية تكلفة تافهة جدا وضئيلة».
وكانت وكالة موديز للتصنيف الائتماني، أكدت في تقرير صدر شهر أكتوبر الماضي أن مجلس الأمة السابق كان أكثر المجالس تعاونا مع الحكومة في الجوانب الاقتصادية على مدى تاريخ الكويت، حيث خلا من المعارضة التي قاطعت الانتخابات منذ يوليو 2013.
لكن غياب المعارضة عن المجلس لم يمنع بعض النواب من الهجوم على مشروع قرار رفع الوقود حسب موديز، ما تسبب في حل مجلس الأمة والدعوة لانتخابات جديدة، وهذا الأمر يسلط الضوء على التحديات المؤسساتية التي تواجهها البلاد في تطبيق برنامجها الإصلاحي وتخفيض اعتمادها على النفط.
وأضافت الوكالة، أن الكويت كانت أبطأ من نظيراتها في الخليج في تطوير القطاع الخاص غير النفطي، والأخيرة في تطبيق إصلاح نظام دعم البترول.
وبينما تتمتع الكويت بأدنى سعر تعادل للنفط في الميزانية بين الدول الخليجية، وتمتلك أصولا مالية وحكومية ضخمة، إلا أنها الأكثر اعتمادا على النفط بين الدول الخليجية.
وأكدت أنه في ظل ثبات الإنفاق الحكومي عند نحو 60 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، فإن العجز المالي قد يصل إلى 2.7 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في الفترة بين 2016 و2020، وسيرتفع الدين الحكومي إلى نحو 32 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي بحلول 2020.