تنعقد القمة العربية الثامنة والعشرون، التي تستضيفها العاصمة الأردنية عُمان غدا الأربعاء، وسط ظروف إقليمية ودولية بالغة الدقة والحساسية، وفي ظل مخاطر وتحديات كبيرة تهدد الأمن القومي، وتضعه أمام اختبار صعب، لأن هذه المخاطر والتحديات باتت تشكل تهديدا لوجود الأمة ذاته، وليس فقط لحدودها.
من هنا تأتي أهمية هذه القمة، والاهتمام الكبير الذي تحظى به عربيا وعالميا، فهي تلتئم والحروب الأهلية مشتعلة في أكثر من دولة عربية، كما أن هناك دولا أخرى ليست بمنأى عن تلك الحروب، بل إنها تكاد تنزلق إليها بين لحظة وأخرى. ولن تستطيع الشعوب العربية أن تتفهم أو تتسامح إزاء مسألة أن تنعقد القمة العربية وتنفض، من دون أن تتوصل إلى حلول عملية وناجزة للأزمات الكبرى التي تأخذ بخناق أمتنا، وتستنزف مواردها البشرية والمالية، وتحول دون توجيه هذه الموارد لإحداث تنمية شاملة، في كل مجالات الحياة.
تنعقد قمة عمان أيضا، بعد انتخابات رئاسية أمريكية، أفرزت إدارة جديدة للبيت الأبيض، تمتلك رؤى جديدة ومغايرة لسابقتها، وتطرح تصورات وخططا مختلفة لمعالجة قضايا العالم ومشكلاته . ولسنا بمعزل بالطبع عن دائرة اهتمام هذه الإدارة، خصوصا طريقة تعاملها مع القضية الفلسطينية، وملف السلام في الشرق الأوسط بشكل عام . ولا بد أن ندرك أن مصير قضية فلسطين والسلام في المنطقة، ليس مرهونا فقط بطريقة إدارة واشنطن لهذه الملفات، وإنما بالدرجة الأولى والأهم، بكيفية تعاطينا نحن معها، ومدى استعدادنا لأن نكون جادين في السير باتجاه حلها .
وبالطبع تبقى أمام القمة ملفات أخرى كثيرة، معظمها ليس جديدا، بل يتكرر طرحه في كل قمة عربية . وفي القلب من ذلك بالتأكيد الملف الاقتصادي والتنموي، والذي طالما نادينا بتنحيته قدر الإمكان، بعيدا عن الصراعات السياسية، ومنحه الاهتمام اللازم والتركيز المستحق. وطالما نبهنا أيضا إلى أن الخلافات السياسية ينبغي ألا يمتد تأثيرها إلى دائرة الاقتصاد، وضرورة أن يستمر التعاون الاقتصادي ويتطور إلى نوع من التكامل الذي ترضى به شعوبنا، والقادر على أن يحمي مصالحنا ويحقق أهدافنا التنموية، في ظل صراعات اقتصادية عالمية شرسة، لا يكاد يفلت من تأثيرها وخطرها أحد.
إننا نعرف أن القادة العرب يتحركون في عالم مليء بالتحديات، وأن التنظير ربما يكون سهلا، لكن الواقع يصطدم بالكثير من العقبات والعراقيل، غير أننا لا نطلب المستحيل، وإنما ندعو إلى ضرورة وحتمية الحفاظ على الدول العربية من خطر التمزق والتحلل، وحماية كياناتها من الذوبان والتشتت والضياع، والعمل من أجل استنقاذ الاقتصاد من براثن السياسة، ومواصلة السعي لتحقيق أماني وتطلعات الشعوب العربية.