على الرغم من أهمية النتائج الاقتصادية الكبيرة التي حققها المؤتمر العالمي الذي أقامته مصر يومي الجمعة والسبت الماضيين في شرم الشيخ، وحمل عنوان «مصر المستقبل»، فإن النتائج السياسية التي تمخضت عنه لا تقل قيمة وأهمية… فقد كرس المؤتمر مكانة مصر الكبيرة والإستراتيجية على الصعيدين الإقليمي والدولي.
أكد مؤتمر شرم الشيخ أن العالم كله يحفظ لمصر مكانتها وقدرها، ويعي جيدا أن هذه الدولة الكبيرة والرائدة ينبغي أن تظل كبيرة ورائدة، وأن من مصلحة الجميع أن تبقى مصر آمنة مستقرة وقادرة على النهوض وإعادة بناء مؤسساتها الدستورية، وضخ الدماء في شرايين اقتصادها وتنميتها، وأن ضعف مصر أو تراجع دورها لا يشكل تهديدا لها وحدها، بل يعد تهديدا للمنطقة كلها، ومن ثم لأمن واستقرار العالم كله.
لقد نجح المؤتمر في أن يجمع ما يناهز 150 مليار دولار، ودائع وقروضا وصفقات استثمارية، لا شك أنها ستصب في مصلحة الاقتصاد المصري، وستسهم بقدر كبير في تجديد البنية التحتية، وإقامة مئات المشروعات في مجالات الزراعة والصناعة والإسكان والطاقة والسياحة والتعدين وغيرها، وخلق ملايين من فرص العمل لشباب الخريجين، بما يعنيه ذلك كله من انتعاش كبير وغير مسبوق في حياة المصريين، ويقود إلى إيجاد حالة من الازدهار المعيشي، يستحقها هذا الشعب الذي عانى كثيرا، وآن له أن يقطف ثمار تعبه ومعاناته.
ولا شك في أن التقدير العربي والدولي لمصر كان ملموسا وبقوة في هذا المؤتمر، وقد عبر عنه الرئيس عبدالفتاح السيسي، في كلمته بافتتاح المؤتمر، حيث رحب «بشركاء التنمية لمصر الجديدة.. من توافقت رؤاهم على ضرورة العمل معا من أجل رخاء وتقدم الإنسانية.. من أرادوا أن يجتمعوا من أجل أن يكون لهم دور في توفير الاستقرار والازدهار لشعب طامح في التنمية وساع نحو الرخاء»، وفي إشادته بوجه خاص بمواقف الدول العربية، خصوصا السعودية التي جاء المؤتمر «نتاجا خالصا لجهد صادق بذله المغفور له بإذن الله جلالة الملك عبدالله بن عبدالعزيز.. من خلال دعوته الكريمة لعقد هذا المؤتمر.. وليس غريبا على المملكة العربية السعودية تحت قيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز.. أن تكون تلك هي مواقفها المشرفة إزاء أشقائها… فذاك نهج صاغه ملكها المؤسس.. وسار على خطاه الكريمة ملوكها الأجلاء»، وكذلك الكويت التي «كانت الأفعال دائما تسبق الكلمات للتدليل على علاقاتها الوثيقة ودعمها المستمر لمصر وشعبها.. وما تشريف سمو الأمير الشيخ صباح الأحمد لهذا المؤتمر إلا تعبير عن إيمان سموه ودولته الشقيقة بقيمة التضامن العربي»، وأيضا «الجهود الدءوبة والمقدرة التي تبذلها دولة الإمارات العربية المتحدة بقيادة سمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان.. والممثلة اليوم بالحضور الكريم لسمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة ورئيس الوزراء وحاكم دبى.. من أجل المساهمة في نهوض مصر وتحقيق الرخاء لشعبها».
وقد عبرت الكلمات التي ألقاها رؤساء الوفود في المؤتمر عن مدى ما يكنه العالم من تقدير واحترام لمصر، ورغبة في دعم مسارها الاقتصادي والتنموي، ومن ذلك ما قاله سمو الأمير الشيخ صباح الأحمد من أن «المشاركة الواسعة لعدد كبير من دول العالم وبهذا المستوى المرموق من التمثيل، يعكس المكانة الكبيرة التي تحتلها مصر في المحيطين الإقليمي والدولي، والاهتمام الذي توليه دول العالم بها، بما تحظى به من فرص استثمارية ضخمة وواعدة، بعد أن من الله عليها بنعمة الأمن والاستقرار، بفضل الجهود الكبيرة والمقدرة التي يقوم بها فخامة الأخ الرئيس عبدالفتاح السيسي وحكومته الرشيدة، والتي تحظى بتأييد ودعم شعبي لقيادة هذا الوطن العزيز والنهوض به مجددا، مما يضاعف آمالنا في مخرجات هذا المؤتمر الهام ويعمق تفاؤلنا في تحقيق الأهداف المرجوة منه».. وكذلك ما أكده سمو ولي العهد السعودي الأمير مقرن بن عبدالعزيز من تقدير المملكة والعالم كله لدور مصر ومكانتها الكبيرة، وأيضا ما ذكره سمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس دولة الإمارات رئيس مجلس الوزراء وحاكم دبي من أنه «لو لم تكن هناك مصر، فلن تكون هناك عروبة»، فضلا عما قرره وزير الخارجية الأمريكي جون كيري، من تقدير الولايات المتحدة لمصر ولأهمية دورها الرائد في المنطقة، وهو ما أجمع أيضا كل رؤساء الوفود الذين تحدثوا في المؤتمر.
ولا شك في أن مصر تدرك جيدا أن هذا المؤتمر ليس نهاية المطاف، وإنما هو بداية مسيرة طويلة وكبيرة من العمل المضني والجهد الشاق، من أجل صنع تنمية تليق بـ «مصر المستقبل»، وهو ما عبر عنه الرئيس عبدالفتاح السيسي بقوله: «إن مسيرة مصر نحو المستقبل ستستمر.. وسوف تتسارع بخطى واثقة يقودها الإيمان بالله والوطن والإرادة السياسية الراسخة.. والرغبة الصادقة والاقتناع بقيمة العمل الدءوب حتى نصل إلى الأهداف التي بدأت من أجلها تلك المسيرة.. ومصر إذ تنطلق نحو المستقبل فإنها تنفتح على العالم وترحب بالشركاء والمستثمرين الساعين إلى الاستفادة من الفرص التي تتيحها.. بما يوفر الفرصة المستحقة للمصريين في حياة كريمة ومنتجة ويحقق رخاء وازدهار مصر والمنطقة».
وهذا بالضبط ما نريده لمصر وشعبها.. تنمية مستدامة، وأمنا واستقرارا يحفظان هذه التنمية، ويضمنان استمرارها وديمومتها وارتقاءها أيضا.