لا تزال كل الشواهد الماثلة حولنا شرقا وغربا، تبرهن على أن ما حدث في منطقتنا قبل عدة سنوات، واصطلح على تسميته ب «الربيع العربي»، لم يكن سوى خريف عربي قاحل ومجدب، جثم بصدره على المنطقة كلها، ونشر فيها الخراب والدمار، وحرمها من جني ثمار تنمية ظلت شعوبها تؤسس لها وتتعهدها بالرعاية والتطوير عشرات السنين، فلما آن أوان الحصاد، فوجئت بنار فتنة تأكل الأخضر واليابس، ولا تكتفي بذلك، بل تدخلها في أتون احتراب أهلي رهيب، لا يعلم إلا الله وحده كيف ينتهي، ولا متى تخبو ناره وتصبح رمادا.
إننا نعلم أنه كانت هناك شعوب عربية تعاني الحرمان من كثير من حقوقها السياسية والديمقراطية والإنسانية، لكننا نعلم أيضا أن مسار التاريخ لا يتوقف، وأن هذه الشعوب نفسها كان قد بدأ فيها حراك سياسي نشط وفاعل، وكان أكثر ما يميزه أنه حراك سلمي يلتزم بالقانون من ناحية، ويبتعد من ناحية أخرى عن كل أشكال الصدام مع الدولة، لأنه يدرك أن عاقبة هذا الصدام وخيمة وكارثية، لكن فجأة دخل على الخط هذا «الخريف العربي»، الذي لا شك لعبت عوامل خارجية دورا مؤثرا فيه، لينحرف النضال السلمي للشعوب عن مساره، وتنغرس بذور الشقاق بين الشعوب وحكامها، وتخلق معادلة صفرية خطيرة في العمل السياسي، مؤداها «إما كل شيء أو لا شيء»، مع أن السياسة تقوم على النسبية، وعلى المرونة والتفاوض ومبدأ «خذ وهات»، وليس القطعية الحدية التي تنتهي بهلاك الجميع ودمارهم والمحصلة هي ما رأيناه ومازلنا نرى آثاره وتداعياته على صعيد المنطقة كلها.
لماذا نعود إلى طرق هذا الموضوع الآن؟
لنذكر الجميع بأننا في الكويت وسائر دول مجلس التعاون الخليجي نعيش ربيعا مستمرا من الازدهار والتنمية، وننعم بقدر كبير من الأمن والاستقرار، بما يدعونا إلى ضرورة الحفاظ على هذه الحالة، بل والقيام بدور تاريخي من أجل نقل تلك الحالة إلى المنطقة كلها، عبر الإسهام بدور فاعل في وضع حد لتلك الصراعات التي أخذت بخناق المنطقة، وأدخلتها في دوامة مفزعة لا تكاد تعرف سبيلا للخروج منها.
نعم باستطاعة الشعوب أن تطالب بالمزيد من الحريات والحقوق، لكن عليها أن تتذكر أنه في غياب الأمن والاستقرار لا وجود لكل ذلك، ببساطة لأن وجود الدولة نفسه يتعرض للدمار والخراب والفناء.