شدد خادم الحرمين الملك سلمان بن عبدالعزيز على أن «القضاء على الإرهاب ليس بالمواجهة فقط وانما بالتنمية المستدامة».
وأكد «من مسؤوليتنا ان نقف متحدين ضد قوى الشر والتطرف أيا كانت.. الإسلام دين السلام والتسامح ويحرم قتل النفس البريئة.. الإسلام كان وسيبقى دين الرحمة والتعايش والسلام».
واختتمت أعمال القمة العربية الإسلامية الأميركية في مركز الملك عبدالعزيز الدولي للمؤتمرات بالرياض الأحد.
وقال خادم الحرمين:
إننا إذ نتقدم بالشكر والتقدير للرئيس ترامب لاستجابته للحضور والمشاركة في هذه القمة لنؤكد سعادتنا وامتناننا باختياره بلادكم المملكة العربية السعودية وقمتكم هذه كأول رحلة ومشاركة خارجية لفخامته مما يعكس ما يوليه فخامته وبلاده من اهتمام في قمتكم المباركة، كما نؤكد في الوقت ذاته أننا نبادله نفس المشاعر السامية في التعاون البناء لنبذ التطرف والعمل على مكافحة الإرهاب بكافة صوره وأشكاله وتجفيف منابعه وإيقاف كل سبل تمويله أو نشره والوقوف بحزم في التصدي لهذه الآفة الخطيرة على الإنسانية جمعاء.
ونجتمع اليوم في هذه القمة لنعبر عن الجدية في اتخاذ الخطوات الحثيثة لتعزيز شراكة حقيقية مع الولايات المتحدة الأميركية الصديقة بما يخدم مصالحنا المشتركة ويسهم في تحقيق الأمن والسلام والتنمية للبشرية كلها وهو ما يؤكده ديننا الإسلامي الحنيف.
أيها الأخوة والأصدقاء الأعزاء:
إن مسؤوليتنا أمام الله ثم أمام شعوبنا والعالم أجمع أن نقف متحدين لمحاربة قوى الشر والتطرف أيا كان مصدرها، امتثالا لأوامر ديننا الإسلامي الحنيف، لقد كان الإسلام وسيبقى دين الرحمة والسماحة والتعايش تؤكد ذلك شواهد ناصعة، ولقد قدم الإسلام في عصوره الزاهية أروع الأمثلة في التعايش والوئام بين أتباع الأديان السماوية والثقافات، لكننا اليوم نرى بعض المنتسبين للإسلام يسعى لتقديم صورة مشوهة لديننا، تريد أن تربط هذا الدين العظيم بالعنف.
نقول لإخواننا وأخواتنا وأبنائنا وبناتنا من المسلمين في كل مكان، بأن أحد أهم مقاصد الشريعة الإسلامية هو حفظ النفس، وأن لا شرف في ارتكاب جرائم القتل، فالإسلام دين السلام والتسامح، وقد حث على إعمار الأرض وحرم التهلكة والإفساد فيها، واعتبر قتل النفس البريئة قتلا للناس جميعا، وأن طريقنا لتحقيق مقاصد ديننا والفوز بالجنة هو في نشر قيم الإسلام السمحة التي تقوم على السلام والوسطية والاعتدال وعدم إحلال الدمار والإفساد في الأرض.
وأننا جميعا شعوبا ودولا، نرفض بكل لغة، وندين بكل شكل الإضرار بعلاقات الدول الإسلامية مع الدول الصديقة، وفرز الشعوب والدول على أساس ديني أو طائفي، وما هذه الأفعال البغيضة إلا نتيجة محاولات استغلال الإسلام كغطاء لأغراض سياسية تؤجج الكراهية والتطرف والإرهاب والصراعات الدينية والمذهبية، كما يفعل النظام الإيراني والجماعات والتنظيمات التابعة له مثل حزب الله والحوثيين، وكذلك تنظيمي داعش والقاعدة، وغيرها.
فالنظام الإيراني يشكل رأس حربة الإرهاب العالمي منذ ثورة الخميني وحتى اليوم، وإننا في هذه الدولة منذ 300 عام لم نعرف إرهابا أو تطرفا حتى أطلت ثورة الخميني برأسها عام 1979م.
لقد رفضت إيران مبادرات حسن الجوار التي قدمتها دولنا بحسن نية واستبدلت ذلك بالأطماع التوسعية والممارسات اِلإجرامية والتدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى ضاربة بالقانون الدولي عرض الحائط ومخالفة مبادئ حسن الجوار والعيش المشترك والاحترام المتبادل.
وقد ظن النظام في إيران أن صمتنا ضعفا، وحكمتنا تراجعا حتى فاض بنا الكيل من ممارساته العدوانية وتدخلاته كما شاهدنا في اليمن وغيرها من دول المنطقة.
نقول ذلك ونحن نؤكد في الوقت نفسه على ما يحظى به الشعب الإيراني لدينا من التقدير والاحترام فنحن لا نأخذ شعبا بجريرة نظامه.
لقد عانت المملكة العربية السعودية طويلا، وكانت هدفا للإرهاب، لأنها مركز الإسلام وقبلة المسلمين، ويسعى الفكر الإرهابي لتحقيق شرعيته الزائفة وانتشاره من خلال استهداف قبلة المسلمين ومركز ثقلهم.
ولقد نجحنا ولله الحمد في التصدي للأعمال الإرهابية وأحبطنا محاولاتٍ إرهابية كثيرة، وساعدنا الأشقاء والأصدقاء في دول العالم في تجنب مخططات تستهدف نسف أمنهم وتدمير استقرارهم.
أيها الإخوة والأصدقاء الأعزاء:
إن القضاء على الإرهاب لا يكون بالمواجهة المباشرة فقط بل إن التنمية المستدامة هي جرعة التحصين الناجح بإذنه تعالى وهو ما تجسده رؤية المملكة العربية السعودية عشرين ثلاثين في جوانبها المختلفة من الحرص على استثمار الشباب وتمكين المرأة وتنويع الاقتصاد وتطوير التعليم، وبدون شك فإن المملكة العربية السعودية تدعم وتشجع كل توجه لدى الدول الشقيقة والصديقة يهدف إلى تفعيل التنمية المستدامة في بلدانهم.
كما إننا نشدد على أن تحقيق السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين مطلب عادل وضروري ويتطلب تضحياتٍ مشتركة وعزيمة صادقة من أجل صالح الجميع ، كما أنه يتعين على المجتمع الدولي تكثيف الجهود لحل الأزمة السورية بما يحقق تطلعات الشعب السوري ويحفظ وحدة سوريا وسيادتها.
عقب ذلك ألقى الرئيس دونالد ترمب رئيس الولايات المتحدة الأميركية كلمة أعرب في مستهلها عن شكره لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود وحكومة وشعب المملكة العربية السعودية الصديق على ما أحيط به من حفاوة استقبال وكرم ضيافة منذ لحظة وصوله ،مبديا تشرفه بزيارة المملكة.
وقال: أشكر الملك سلمان بن عبدالعزيز، على كلماته الرائعة ومملكته العظيمة ـ الممكلة العريبة السعودية ـ لاستضافتهم قمة اليوم وأنني أتشرف بهم في هذا البلد المضياف الرئع الذي طالما سمعت عن روعته وعن روعة مواطنيه، ولكن الكلمات لن تفيكم حقكم، ولن تفي حق هذا البلد الرائع العظيم، والضيافة التي لا مثيل لها التي شهدناها منذ لحظة وصولنا.
واستذكر، اللقاء التاريخي الذي جمع الملك عبدالعزيزبن عبدالرحمن والرئيس الأميركي روزفلت، ومنه انطلقت رحلة الشراكة التاريخية طويلة المدى بين البلدين، مبينا أنه اليوم يبدأ فصل جديد في مسيرة هذه الشراكة بما يحقق مصالح الشعبين الصديقين.
وقدم الرئيس ترامب، شكره لرؤساء الوفود الإٍسلامية المشاركين في القمة العربية الإسلامية الأميركية، وقال: اجتماعنا مبارك لشعوبكم ولشعبنا، وأنني أقف أمامكم كممثل للشعب الأميركي، لانقل لكم رسالة صداقة، وأمل، وحب ولهذا السبب اخترت أن تكون أول زيارة خارج بلادي إلى قلب العالم الإسلامي، إلى المملكة العربية السعودية راعيه الحرمين الشريفين وقبلة العالم الإٍسلامي.
وأضاف الرئيس الأميركي قائلا: في خطاب افتتاح السلطة مع الشعب الأميركي أكدت على الصداقات القديمة بين أمريكا والدول الأخرى والشراكات الجديدة من أجل تحقيق السلام ، كما أنني وعدت أن أميركا لن تحاول أن تفرض طريقة حياة على الآخرين بل أن نمد أيدينا لروح التعاون والثقه، مؤكدا أن رؤية بلاده رؤية سلام وأمن ورخاء في هذه المنطقة وفي كل أنحاء العالم، وتهدف إلى تحالف الأمم والشعوب المشاركة بهدف التخلص من التطرف واستشراف المستقبل بما يتناسب مع هذا الاجتماع غير المسبوق.
ونوه بالروح الطيبة والتعاون الكبير الذي ساد اجتماعه مع خادم الحرمين الشريفين، وسمو ولي عهده الأمين، وسمو ولي ولي العهد ـ حفظهم الله ـ وما شهدته الزيارة من توقيع اتفاقيات تاريخية مع المملكة لاستثمار حوالى 400 مليار دولار في أميركا وبما يحقق المئات من الوظائف والأعمال في أمريكا والمملكة العربية السعودية.
وبين أن الاتفاق مع المملكة على مشتريات عسكرية بلغت قيمتها 110 مليارات دولار سوف يساعد القوات العسكرية السعودية للقيام بدور أكبر في الأمن وبالعمليات التي تتعلق بها، كما بدأت مناقشات مع الكثير من الدول المشاركة في القمة لتعزيز الشراكات وتشكيل شراكات جديدة من أجل تعزيز السلام والاستقرار في الشرق الأوسط بل واوسع من ذالك.
وقال الرئيس الأميركي: إننا اليوم نرسم التاريخ من جديد لافتتاح مركز عالمي جديد لمكافحة التطرف والإيدلوجية المتطرفة ،ومن هنا في هذا المكان بالذات في الجزء المركزي للعالم الإسلامي فإن هذا المركز العظيم الجديد سيكون إعلانا بأن غالبية الدول الإسلامية لابد أن تتولى القيادة لمكافحة التطرف، معبرا عن امتنانه لخادم الحرمين الشريفين، على ما أبداه من عزيمة قوية وقيادة رائعة.
وقال الرئيس ترمب: بعون الله هذه القمة هي بداية نهاية أولئك الذي يمارسون التطرف والإرهاب، وبداية السلام في الشرق الأوسط وفي العالم»، مؤكدا أن ذلك لن يتحقق إلا بهدم الإيدلوجية التي تدفع الإرهاب.
وأضاف أنه لم ينجُ من عنف الإرهاب إلا القليل من الدول، مشيرا إلى أن الحصيلة الأكبر لضحايا الإرهاب هم من الأبرياء من الدول العربية المسلمة ودول الشرق الأوسط، وأن التقديرات تقول إن أكثر من 90 في المائة من ضحايا الإرهاب هم مسلمون.
وشدد على ضرورة القضاء على الإرهاب وتجفيف منابعة، منوها بما تزخر به المنطقة من ثروات وجمال طبيعي وثقافة حيوية، مؤكدا أهمية أن تتخذ دول المنطقة موقفا حازما لمستقبل أفضل.
وأكد الرئيس الأميركي في معرض كلمته، أن الإرهابيين لا دين لهم، وأن الحرب ضدهم ليست ضد أديان أو حضارات، وإنما ضد مجرمين متوحشين يسعون للقضاء على الحياة البشرية، هذه المعركة بين الخير والشر، مشددا على ضرورة التكاتف بين الدول للقضاء على الإرهاب.
وقال فخامته: الولايات المتحدة الأميركية ملتزمة بمواجهة التهديدات المتغيرة، من خلال إعداد استراتيجية تعتمد على الخبرة والتقدير الجيد، فهناك واقعية ذات مبادئ نعتمدها مبنية على المصالح المشتركة, وأصدقاؤنا لن يشككوا بدعمنا لهم.. وأعداؤنا لن يشكوا أبدا بعزيمتنا وحزمنا.. شراكتنا ستحقق الأمن عن طريق الاستقرار وليس عن طريق الاحتلالات والأعمال المتطرفه، سنحقق نتائج حقيقة ليس عن طريق الإيدلوجيات، سوف نسير على طريق دروس العبر والتجربه وليس بالتفكير الجامد وإننا سنفعل في كل مكان إصلاحات تدريجية وليس تدخلات مفاجئة، علينا أن نسعى إلى العمل الجيد وليس بالمثالية وأن نحول جميع من يشارك أفكارنا نجعلهم حولنا.
وتابع الرئيس ترمب يقول: إن شراكتنا الطويلة مع الكويت والبحرين تستمر في تعزيز الأمن في المنطقة.. وأن جنود الأفغان الشجعان يقومون بتضحيات كبيرة في مواجهة طالبان.. وغيرهم في الدفاع عن بلادهم.. وكما نحن نمنع المنظمات الإرهابية من السيطرة على الأرضي وعلى السكان.. علينا أن نحرمهم من مصادر التمويل يجب أن نقطع عنهم القنوات المالية التي تسمح لتنظيم الدولة أن تبيع النفط وتساعد الإرهابيين في تهريب المساعدات لهم.
وقال فخامته: إنني فخور بأن أعلن أن الأمم الممثلة هنا ستوقع على اتفاق يجفف المنابع المالية للإرهاب.. وسيكون هناك مركز عالمي لمكافحة التطرف تتراسه الولايات المتحدة الأميركية وسيكون بشكل مشترك وستنظم إليه دول مجلس التعاون الخليجي،مثمنا لدول المجلس حجب المنظمين والحيلوله دون جعل بلدانهم مصادرا للتمويل ولوضع اسم حزب الله على قائمة الإرهاب.. المملكة العربية السعودية انضمت إلينا في هذا الأسبوع في سرد عقوبات ضد بعض كبار قادة حزب الله، لكن مازال هناك الكثير من العمل الذي ينتظر إنجازه وايضا في التصدي للتطرف والإرهاب الذي تمثله تنظيم الدولة والذي يجب أن نضع حدا لكونهم مصدر إلهام للقتل.
بعد ذلك ألقى الرئيس عبدالفتاح السيسي رئيس جمهورية مصر كلمة أكد فيها أن خطر الإرهاب يمثل تهديدا جسيما لشعوب العالم أجمع وأن استئصاله من جذوره يتطلب، بجانب الإجراءات الأمنية والعسكرية، مقاربة شاملة تتضمن الأبعاد السياسية والأيديولوجية والتنموية.
وقال: «إن اجتماعنا اليوم.. فضلا عن أهميته السياسية.. يحمل قيمة رمزية غير خافية على أحد.. إذ يعكس عزمنا الأكيد.. على تجديد الشراكة بين الدول العربية والإسلامية.. والولايات المتحدة الأميركية.. قاطعا بذلك الطريق على أوهام دعاة صراع الحضارات.. الذين لا يتصورون العلاقة بين الشعوب إلا كصراع يقضى فيه طرفٌ على الآخر.. ويعجزون عن إدراك المغزى الحقيقي لتنوع الحضارات والثقافات.. وما يتيحه ذلك من إثراءٍ للحياة وللتجربة الإنسانية.. من خلال إعلاء قيم التعاون.. والتسامح.. وقبول الآخر واحترام حقه في الاختلاف , ولعلكم تتفقون معي في وجود مصلحة أكيدة لنا جميعا في ترسيخ هذه القيم الإنسانية.. كما أن لنا أيضا دورا أساسيا في التصدي لمسببات الشقاق والصراع والتطرف.. وأقصد تحديدا خطر الإرهاب الذي بات يمثل تهديدا جسيما لشعوب العالم أجمع.
وأضاف: إن مواجهة خطر الإرهاب واستئصاله من جذوره.. تتطلب إلى جانب الإجراءات الأمنية والعسكرية.. مقاربة شاملة تتضمن الأبعاد السياسية والأيديولوجية والتنموية , وإن الحديث عن التصدي للإرهاب على نحو شامل.. يعني مواجهة جميع التنظيمات الإرهابية دون تمييز.. فلا مجال لاختزال المواجهة في تنظيم أو اثنين.. فالتنظيمات الإرهابية تنشط عبر شبكة سرطانية.. تجمعها روابط متعددة في معظم أنحاء العالم.. تشمل الأيديولوجية.. والتمويل.. والتنسيق العسكري والمعلوماتي والأمني.
ووأردف قائلا: تعلمون جميعا أن مصر تخوض يوميا حربا ضروسا ضد التنظيمات الإرهابية في شمال سيناء.. نحقق فيها انتصارات مستمرة وتقدما مطردا.. نحرص على ضبط وتيرته ونطاقه بحيث يتم استئصال الإرهاب بأقل خسائر ممكنة.. مع الحفاظ على أرواح المدنيين من أبناء شعبنا العظيم، إن معركتنا هي جزءٌ من الحرب العالمية ضد الإرهاب.. ونحن ملتزمون بهزيمة التنظيمات الإرهابية وحريصون على مد يد العون والشراكة لكل حلفائنا في المعركة ضد تلك التنظيمات في كل مكان.
وأكد الرئيس المصري أن المواجهة الشاملة مع الإرهاب تعني بالضرورة.. مواجهة كافة أبعاد ظاهرة الإرهاب فيما يتصل بالتمويل.. والتسليح.. والدعم السياسي والأيديولوجي.. فالإرهابي ليس فقط من يحمل السلاح.. وإنما أيضا من يدربه.. ويموله.. ويسلحه.. ويوفر له الغطاء السياسي والأيديولوجي.