• نوفمبر 23, 2024 - 1:55 صباحًا

من شرم الشيخ .. الأمة تبدأ تصحيح المسار

لم تكن القمة العربية التي عقدت هذا الأسبوع، في مدينة شرم الشيخ المصرية، محط أنظار العرب وحدهم، بل كانت محل اهتمام إقليمي وعالمي واسع، فقد فرضت الظروف التي تمر بها المنطقة هذا الاهتمام الكبير، وجعلت الجميع يترقب ما الذي ستخرج به هذه القمة من قرارات وتوصيات.
والحق أن قمة شرم الشيخ جاءت على قدر التحديات التي تواجهها الأمة العربية، والآمال والطموحات التي تعلقها شعوبها على قادتها، فقد بدا للعالم كله، خلال فعاليات المؤتمر، مدى الإصرار العربي على التضامن والتكاتف في وجه الأزمات الكبرى التي تهدد وحدة الأمة ومصيرها المشترك، وتنذر بتشرذم دولها وتفتتها إلى دويلات صغيرة، وذلك في أعقاب مرحلة عصيبة من الاضطراب السياسي، مرحلة تلت ثورات علقت بعض الشعوب العربية عليها آمالها في أن تنقلها إلى مزيد من الحرية والديموقراطية، وتحقق لها ما حرمت منه طوال عقود كثيرة من المشاركة في الحكم، وتكريس مبادئ العدالة والمساواة وتكافؤ الفرص… لكن ما حدث فعليا على أرض الواقع أن الأمور آلت إلى فوضى عارمة في معظم تلك الدول، فوضى هددت وجودها ذاته، وأشاعت فيها انعدام الأمن والاستقرار، وتمدد خطرها إلى سائر دول المنطقة، كما رأينا في الأزمة اليمنية التي تعدت مخاطرها اليمن نفسه إلى دول مجلس التعاون الخليجي المجاورة، ما اضطرها إلى القيام برد فعل من أجل حماية أمنها واستقرارها، عبر «عاصفة الحزم» التي قادتها السعودية، وشاركت فيها أربع دول أخرى من مجلس التعاون، إضافة إلى مشاركة دول عربية أخرى، كمصر والأردن والسودان، لوقف تمدد تلك الفوضى، ومساعدة اليمنيين على إرساء الاستقرار في بلادهم.
من هنا جاءت قرارات وتوصيات القمة العربية معبرة عن واقع الحال، ومترجمة لما ينبغي أن تقوم به دول الجامعة العربية في هذه الفترة العربية العصيبة، فقد أكد إعلان شرم الشيخ التضامن العربي قولا وعملا في التعامل مع التطورات الراهنة التي تمر بها المنطقة، والضرورة القصوى لصياغة مواقف عربية مشتركة في مواجهة كل التحديات، حيث أكد القادة العرب أنهم يستشعرون بأن الأمن العربي قد بات تحت تهديدات متعددة الأبعاد «فبنيان الدولة وصيانة أراضيها قد أضحيا محل استهداف في أقطار عربية عديدة، ونتابع بقلق اصطدام مفهوم الدولة الحديثة في المنطقة العربية بمشروعات هدامة تنتقص من مفهوم الدولة الوطنية، وتفرغ القضايا العربية من مضامينها، وتمس بالتنوع العربي والديني والطائفي وتوظفه في صراعات دموية برعاية أطراف خارجية»، وبناء عليه فقد أعلنوا أنهم يؤكدون التضامن العربي قولا وعملا في التعامل مع التطورات الراهنة التي تمر بها منطقتنا، والضرورة القصوى لصياغة مواقف عربية مشتركة في مواجهة كل التحديات، ونجدد تأكيدنا أن ما يجمع الدول العربية عند البحث عن إجابات عن الأسئلة الرئيسية للقضايا المصيرية هو أكبر كثيرا مما يفرقها».
وهذه النقطة الأخيرة تستحق التوقف عندها بالتأمل والإشادة، فلو أن الدول العربية أدركت دائما حقيقة أن «ما يجمعها أكثر مما يفرقها»، لحُلَّت كثير من أزمات هذه الأمة السياسية والاقتصادية، ولأصبحنا كدول الاتحاد الأوروبي – على سبيل المثال – نعترف بمشكلاتنا وبأوجه الخلاف بيننا، لكن لا نتركها تدمرنا وتجهز علينا، بل نسعى إلى حلها، ونعمل على تضييق دائرة الخلاف، وتوسيع دائرة المتفق عليه، وما نستطيع التعاون بشأنه.
وكان مهما ما قررته القمة كذلك من دعوة المجتمع الدولي إلى دعم الجهود العربية في مكافحة الإرهاب، واتخاذ كل الإجراءات اللازمة لتجفيف منابع تمويله، للحيلولة دون توفير الملاذ الآمن للعناصر الإرهابية، فهذه الآفة ضربت أمن واستقرار المنطقة، وبددت كثيرا من مواردها ومقدراتها.
ونجحت القمة أيضا في التوافق على المقترح الذي طرحته مصر بشأن «تنسيق الجهود والخطط لإنشاء قوة عربية مشتركة، لمواجهة التحديات الماثلة أمامنا ولصيانة الأمن القومي العربي والدفاع عن أمننا ومستقبلنا المشترك وطموحات شعوبنا، وفقا لميثاق جامعة الدول العربية ومعاهدة الدفاع العربي المشترك والشرعية الدولية»، وهو مقترح يشكل ترجمة عملية لاتفاقية الدفاع المشترك التي ظلت مجمدة سنين طويلة منذ توقيعها.
وإذا كان الإعلان الختامي قد تضمن فقرة مهمة بشأن حقوق الإنسان والعدالة والمساواة، وكان مما جاء فيها «نجدد تعهدنا بالعمل على تحقيق إرادة الشعوب العربية في العيش الكريم، والمضي قدما في مسيرة التطوير والتنوير، وترسيخ حقوق المواطنة، وصون الحريات الأساسية والكرامة الإنسانية وحقوق المرأة، وتحقيق التنمية المستدامة والعدالة الاجتماعية وجودة التعليم»، فإننا نتمنى أن يوضع ذلك موضع التنفيذ القريب، بل العاجل، لأنه – كما أشار الإعلان نفسه – فإن الجميع ويدرك «أهمية تلك الأهداف كأدوات رئيسية وفاعلة تصون منظومة الأمن القومي العربي، وتعزز انتماء الإنسان العربي وفخره بهويته». ونضيف أيضا: لأن إنجاز هذه المطالب الملحة المتصلة بحقوق الإنسان، من مساواة وعدالة وحريات وتكافؤ فرص وسواها، تنزع فتيل التوتر من مجتمعاتنا، وتضمن لنا الإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي المتدرج، بعيدا عن الانفجارات التي رأينا نتائجها في ما أعقبها من فوضى ودمار.
أخيرا فإن هذا النجاح الكبير لقمة شرم الشيخ ينبغي ألا ينسينا أنه وقف وراءه جهد كبير للدولة المضيفة مصر، ولرئيسها الرئيس عبدالفتاح السيسي الذي أحسن إدارة القمة، وأكد ما لمصر من قيمة ومكانة وقدرة على استيعاب رؤى أشقائها… واختلافاتهم أيضا، وتوظيف مكانة مصر تلك لخدمة الأهداف القومية العربية، وهو ما ينتظر من مصر وقيادتها دائما وفي كل آن.

Read Previous

الجيران لـلخليج : الاقتراحات الشعبوية يراد منها التكسب الانتخابي ودغدغة المشاعر

Read Next

مجلس الوزراء يُثمِّن التزام أميركا بحماية أمن الخليج

0 0 votes
تقييم المقال
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments

Most Popular

0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x