تلامس الذكرى السادسة عشرة لرحيل أمي الغالية شمّة الى رحاب الله شغاف القلب، مثل نسمة في لحظة قائظه تعيد الروح للزمن المعلق، لقد رحلت منذ ستة عشر عاماً، ولم يغيبها الرحيل، واحتفظت بحضور آخر لا يطاله الموت، ولا يهزمه الزمن، ولا تحجبه مشاغل الدنيا وتنكفئ في حضوره تفاصيل النهار والليل.
أمي شمة جنة الدنيا ونعيمها الشجرة الوارفة التي كانت تفيء بظلال حبها وحنانها حياة أبنائها، نشعر بدعائها إلى الله سبحانه وتعالى أن يشملنا برعايته ويحيطنا بحفظه في ايامنا وتقلباتها، كما قال الامام علي بن ابي طالب كرم الله وجهه «اعمل لآخرتك كأنك تموت غداً واعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً» … لقد ظل عملها في الذاكرة دروساً نستلهم منها فعل الخير ومرضاة الباري عز وجل.
لقد أوصتنا بالعبادة وحب الناس، وظلت وصيتها شاهداً أمام أعيننا يقينا من المعاصي ويعيننا على تجاوز العثرات والعقبات، كانت لكلماتها قوة الأنفاس التي تذيب الجليد، ورقة النسمات المارة من فوق سطح الماء، والنور الذي يضيء العتمة، والوعد بزمن أجمل، فالجنة تحت قدميها نرى نعيمها من خلالها، ولقد حث سيد المرسلين عليه الصلاة والسلام على حب الامهات، والذي يعد شيئاً من العبادة ومع توحد الحب والعبادة تبقى شمة في الذهن كما الروح، وإرثاً من المحبة والوفاء اقرب الينا من حبل الوريد، لا يتجرأ الفراق على الاقتراب منها، رغم فناء الجسد تركت لنا وصاياها علامات على طريق ارتضته لنسير عليه، ودعواتها التي تطرق السماء قوة حضورها في عمل الخير، ورحلت إلى رحاب الله راضية مطمئنة عصية على النسيان.
الشيخ فيصل الحمود المالك الصباح