لم تدخل الكويت كل بيت عربي من باب النفط أو الثراء والرفاهية، بل دخلته من باب الثقافة والمعرفة، والانفتاح الفكري على مختلف التيارات الثقافية والفنية، واحتضان مواهب وإبداعات، وخلاصة إنتاج العقول العربية في كل أرجاء الأمة… وبمزيد من الاحتكاك والانتشار بات المواطن العربي يعرف الكويت أيضا واحة للديموقراطية والحريات وحقوق الإنسان. وفي الوقت الذي كانت تشيع فيه في دول أخرى قريبة وبعيدة أساليب مروعة ودامية لانتهاكات حقوق الإنسان، وتمتلئ معتقلاتها بسجناء الرأي ومعارضي النظام، ظلت الكويت بمنأى عن كل ذلك، بل ظلت «دار أمن وأمان واستقرار»، ليس فقط لمواطنيها، وإنما لكل المقيمين على أرضها.
ميّز الكويت أيضا أنها على كانت على الدوام مضرب الأمثال في تماسكها المجتمعي ووحدتها الوطنية، وكان لافتا لكل الديبلوماسيين العرب والأجانب، وكذلك لكل الوافدين فيها، هذا الامتزاج الفريد بين فئاتها وأطيافها، وذلك التماهي الذي لا نظير له بين كل مكونات المجتمع، والغياب شبه الكامل تقريبا لتصنيف المواطنين إلى بدو وحضر، أو سنة وشيعة، كما يحدث في كثير من الدول الأخرى.
ومن ثم يبدو منطقيا أن يصاب كثيرون بالانزعاج، عندما يسمعون مفردات تتناثر هنا وهناك، تحمل في طياتها رائحة الطائفية، أو التعصب المقيت، غير عابئة بما تسببه من جرح أليم في قلوب المواطنين، بل في قلب الكويت نفسها التي لم تتعود قط على هذه النغمة البائسة، ولم تألف هذا الانحدار الفكري والثقافي، قبل أن يكون أي شيء آخر.
يعزي النفس أن بيننا من لايزالون قابضين على جمر الوطن، يرفضون أن يبيعوه بكل كنوز الدنيا، أو يرضوا بترابه بديلا، لأنهم يرون فيه مهد الأمن والاستقرار، وموئل الحريات، وحضن الثقافة والمثقفين، ونهرا للديموقراطية لا يجف نبعه… ربما لهذا السبب كانت غيرة رئيس مجلس الأمة مرزوق الغانم، عندما وجد أن هناك من يحاول التقليل من شأن الديموقراطية في الكويت، فاعتبر ذلك إجحافا بحق الكويت، فضلا عن كونه إجحافا بالحقيقة وظلما شديدا لها أيضا، حيث تشهد كل المنظمات المعنية للديموقراطية الكويتية بأنها الأعرق في المنطقة، وأنه ليس من العدل الإساءة إلى هذه الديموقراطية، ومحاولة تشويهها وتصويرها على غير صورتها.
وعلى الرغم من أن الأصوات المسيئة للديموقراطية الكويتية، تبدو أحيانا زاعقة وذات ضجيج كبير، فإنها لن تستطيع إخاء أو طمس الصورة الأروع والأدق لهذه الديموقراطية، مثلما أنها لن تنجح في استدراج هذا الشعب الواعي وصاحب الخبرة القوية والعريضة، إلى فخ التعصب أو الفتنة، أو تكريس الأحقاد والضغائن، وستبقى الكويت، كما كانت طوال أكثر من نصف قرن، عنوانا للديموقراطية والوحدة الوطنية.