• نوفمبر 21, 2024 - 7:46 مساءً

السفيرة زين.. في شراكة الأمن الدائمة

جاء في نشرة السفارة الكويتية في واشنطن أن السفيرة الشيخة زين الصباح قدمت أوراق اعتمادها سفيرة فوق العادة ومفوضة لدولة الكويت لدى الولايات المتحدة، للرئيس الأميركي جو بايدن، ناقلة تحيات سمو أمير البلاد الشيخ نواف أحمد الجابر، وتحيات سمو ولي العهد الشيخ مشعل أحمد الجابر، ومعبرة عن تطلعها إلى العمل على تعزيز العلاقات التاريخية والممتدة بين البلدين في مختلف المجالات، هكذا سجلت صحافة الكويت الحدث كما نشرته يوم الإثنين الموافق الأول من مايو 2023.

لم يأت اختيار السفيرة زين للإشراف على الترابط الاستراتيجي بين البلدين وفق التقليد الاعتيادي، وإنما من إملاءات التحول الدراماتيكي في مسار الكويت الخارجي، أوجدته الأحداث التي لعبت الدور الجوهري في اليقظة الأمنية التي رافقت عملية الغزو البائس والحقير، فانفتحت عيون الكويت على محتوى الواقع الذي يجسده النظام الصدامي وطموحاته مع قدرته على التبدلات في السلوك والمفردات، لكن الأهم من ذلك كله الدرس الذي لقنته حادثة الغزو لأبناء الشعب الكويتي ولقيادته بأن الدول لا تعيش على جودة حسن النوايا ولا تأمن بالاعتماد على صفوة ضمير الجوار لاستمرار استقلالها واستدامة وجودها، وأن نعمة الاستقرار لا يفرزها علو المقام أو كثافة العطاء ولا تبادلية الأفراح في تقديم الأوسمة بحضور المصفقين والمداحين من رجال الإعلام، وإنما تضمن الدول حريتها واستقلالها من قدرتها على الردع وتوفير آلياته، وإذا لا تسمح لها إمكاناتها فمسعاها المنطقي أن تبحث عنه وفق أصول تبادلية المصالح، وهذا ما تجلى في جميع دول الخليج ما عدا الكويت المتحصنة بوهم الصلابة العربية.

عاشت الكويت منذ عام 1963 وحتى 1990 محلقة في أجواء الفضيلة الدبلوماسية مؤمنة بالترابط العربي، مقتنعة بصلابة قيمه ومعتمدة على شهامته، متصورة بأن الجميع يتغذى من هذا الصحن العفيف، متعالية على نصائح المخلصين، متطوعة في شرح دروس العفة السياسية، متحاشية التواصل مع الصادقين ممن ينشدون الاقتراب منها، سابحة في فضاء عربي يقطنه أهل الجود والمروءة، وفوق ذلك، متطوعة لإصلاح المناخ في البيت العربي الواحد.

ولم يتردد قادتها في احتلال المكان الأول في قيادة الكتائب العربية للدفاع عن سمعة بعض أعضاء الجامعة العربية الذين تضعهم بعض الدول الأجنبية في فصل المارقين، وأكثر من ذلك أن يتطوع المرحوم الشيخ صباح الأحمد لترؤس اللجنة العربية للدفاع عن العراق في حربه مع إيران، ويتجول الشيخ صباح الأحمد بين العواصم الأجنبية شارحاً نظافة نوايا النظام العراقي وساعياً لتوفير المصداقية لبياناته السياسية والعسكرية.

تحصنت الدبلوماسية الكويتية حتى يوم الغزو بالجدار العربي مؤمنة بصلابته ومقتنعة بغيرته على سلامة التراب العربي الجماعي، وابتعدت في حذر عن التلاقي مع الدول الكبرى، وتحولت لتبني القضية الفلسطينية بكل أثقالها وبما تعنيه من تضحيات ليس بالجهد والمال، وإنما بمشادات في إطار مسعاها لتأمين مواقف إيجابية من الدول الكبرى تجاه مأساة الشعب الفلسطيني.

هذه وقائع رسخت في سجلات التاريخ، وأنا واحد ليس فقط من المشاهدين والمتابعين، وإنما من عناصرها في المواجهات، لاسيما خلال عملي كمندوب دائم للكويت في الامم المتحدة التي تركتها متجهاً إلى مجلس التعاون بمقره في الرياض، منسقاً بين الدول الأعضاء الستة.

وهنا في تجمع مجلس التعاون، كنت أشعر بأن الدبلوماسية الكويتية لا تحمل النعومة التي توجد في العلاقات بين الدول الأعضاء في المجلس والدول الكبرى، لاسيما الولايات المتحدة، حيث كان التواصل بين هذه الدول الخمس والدول الكبرى مستمراً وودياً بينما نحن في الكويت نمشي معها حسب الأصول بلا دفء، وأحياناً بجفاف خشن.

في يوم الغزو، كل ذلك تلاشى، ليس فقط من لؤم صدام حسين ووضاعته، وإنما أيضاً من عجز الدول العربية على تحقيق إجماع عربي لإدانة الغزو بالكلمات فقط وليس بالدبابات، وبسبب تلك الوقائع كان يوم الخميس الثاني من أغسطس عام 1990 يوم التحول الكبير الذي طرأ على الكويتيين، شعباً وقيادة- سيكولوجياً، وسياسياً، وتوجهاً استراتيجياً.

بهذا الفصل الجديد في حياة الكويت وتماثل الدبلوماسية الكويتية مع مناخ هذا الفصل، جاءت السفيرة زين الصباح إلى واشنطن تمثل الكويت الجريحة والمتيقظة بكل معانيها، القديم منها وكذلك المستجدات فيها، حاملة التزاماتها في السخاء وانفتاحها في القيم الإنسانية ونظامها السياسي المرن، لكن الجديد في عالم المستجدات الكويتية، هي الرسالة التي يبثها الوجود الأميركي في الكويت لصون السيادة والاستقلال وتأمين حماية القيم السياسية والانسانية الكويتية، وما يتشكل من المعاني من هذا الترابط الكويتي-الأميركي.

والواضح أن السفيرة الكويتية الجديدة في واشنطن، الشيخة الزين، مستوعبة للمحتوى الذي يجب أن تتعامل معه، وتدرك بأنه يختلف تماماً عن أولويات السفير القديم، فأهم عنصر في التبدلات أن الولايات المتحدة شريك في أمن الكويت، فهذا البعد الذي أوجدته كارثة الغزو يحتاج إلى حسن الإدارة في العلاقات بين البلدين، فلا عودة إلى مواجهات في مجلس الأمن ولا مضايقات للمواقف الأميركية في الجمعية العامة ولا تسابق لتبني خطوات لا تنسجم مع طبيعة العلاقات الثنائية، فلا أصوات تلعلع نقداً أو ضيقاً، فأنغام الدبلوماسية الكويتية مسخرة لمصالح الوطن وللخليج في شؤونه وشجونه وللعرب الملتزمين قرارات مجلس الأمن.

فهناك حاجة ملحة إلى تفعيل آليات التشاور والاتساع في التداخل الأمني والمخابراتي والدفاعي.

هناك ضرورة لتكثيف الزيارات الكويتية إلى واشنطن من القيادات السياسية والفكرية ومن التجمعات المهنية من كتاب وإعلام ورجال التعليم، مع تأمين الوجود المستمر في ممرات الكونغرس الأميركي.

علمتني تجربتي في مجلس التعاون شرح المواقف الخليجية لأعضاء الكونغرس وتوضيح الأهداف التي يسعى المجلس للوصول إليها، وأهميته في ترسيخ الاستقرار وتعميق الترابط، وشعرت بحجم الضرورة للقاءات مع مختلف الأعضاء من الشيوخ والكونغرس، وأهميتها في بسط حقائق دول الخليج وطموحاتها وتوقعاتها من التحالف مع واشنطن.

وأكثر ما يهمنا جميعاً أن يتعرف البرلمان الأميركي بكل توجهاته على حقائق الكويت، وأبرزها وأكثرها إلحاحاً مسببات الوجود الأميركي الأمني وحتميته، مع تحولات كويتية سياسية لتأمين هذا الوجود، مع التصريح الواضح لحاجة شعب الكويت وتأمين سلامة هذا الوجود المستدام.

نحن في بقعة غير آمنة في إقليم مضطرب وبجوار تديره أنظمة مثقلة بالمشكلات الداخلية… ومع هذا التحول جاءت السفيرة زين إلى واشنطن تجسيداً لنهج جديد عمقته حياة التشرد في الغزو، وتناغمت معه مشاعر السكينة التي تولدت لدى جميع المواطنين، والتي أفرزتها التحولات الدراماتيكية الكويتية.

فالسفيرة زين الصباح تترجم مستجدات الحالة الكويتية ومعانيها وأبعادها وتتحرك لتأمين أهدافها وتسهر بهذه الحمولة الثقيلة لصون ديمومتها…

وبهذه الحمولة الثقيلة، تطوف السفيرة على جميع المواقع ذات الصلة، وفوق ذلك لها الحق في تجنيد الكفاءات الكويتية في شراكة شعبية تاريخية جماعية.

عبدالله بشارة

a.bishara@alqabas.com.kw

القبس 7 مايو 2023

 

Read Previous

وزير الخارجية يترأس وفد الكويت في اجتماع مجلس الجامعة العربية على المستوى الوزاري بالقاهرة

Read Next

وزير الكهرباء يستقبل السفير الاماراتي

0 0 votes
تقييم المقال
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments

Most Popular

0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x