لم تتوقف المناقشات والاحتجاجات في الساحة الثقافية الإنجليزية وفي الصحف البريطانية حول حق الحكومة البريطانية «بشكل خاص أو أي حكومة بشكل عام» في التدخل لتشفير أو مراقبة بعض التطبيقات الإلكترونية المستخدمة عبر أجهزة الهواتف النقالة أو في الفضاء الإلكتروني كخدمة الواتس أب والرسائل الإلكترونية iMessages أو المكالمات عبر الشبكة الإلكترونية (بطريقة سكايب Skype)، حيث وجد أن هذه الوسائل أصبحت الآن الطرق الرئيسية للتواصل بين الشبكات الإرهابية وخلاياها المنتشرة في معظم دول العالم والتي أخذت تنشط وتضرب خلق الله، وتمعن في القتل والخراب في معظم بلاد الله شرقا وغربا.
وتُبين الإحصاءات الدولية أن هناك 800 مليون إنسان على مستوى العالم يستخدمون هذه التطبيقات أو أحدها. ونعلم تماما أن هناك من أبناء منطقتنا العربية المنكوبة -مع الأسف- ممن يستخدمون هذه الوسائل لأغراض التدمير والخراب، وجلهم ممن يعتنقون الفكر المتعصب الذي يروج له داعش وأتباعه.
يقدس المعارضون للتدخل الحكومي الحرية الشخصية، ويعتبرون أن أي توجه في هذا المجال هو انتهاك لهذه الحرية، وعلى الطرف الآخر يقف المؤيدون الذين يرون أن حدود هذه الحرية يجب ألا تفوق أهمية الحفاظ على أرواح البشر التي يهددها الإرهابيون الذين يتبادلون الأوامر والخطط والتنفيذ عبر هذه التطبيقات وأجهزتها.. إنه عالم متقدم يعج بالحوار والنقاش لأناس يخترعون، وشركات تمول، وبشر يستخدمون العلم لخدمة الإنسانية وهم يدركون مخاطرها، وعالم تابع يعج بالفوضى والتخلف والتعصب ويستخدم نتاج التقدم لخراب الأوطان ودمار الأرض، وينسى أبناؤه أنهم هم من أُمروا من قبل دينهم العظيم بإعمارها، ولكنه واقعنا الصعب والمأزق الحضاري الذي لا مفر منه والذي جعلنا نكتوي بنار الآفتين: التعصب والتطرف، يغذيهما الجهل والظلم في كثير من الأوطان العربية فيكتوي الجميع بهذا النتاج المر.
يحتدم النقاش في الدول المنتجة ونحن نعلم أننا وأجهزتنا وتطبيقاتنا ورسائلنا جميعنا تحت مجهر المراقبة، ومع ذلك نسمع كل يوم عن مأساة وأمر جلل، ولا حل لمأزقنا الحضاري إلا بفتح آفاقنا وعقولنا، وتوعية أبنائنا، وردم تلك الفجوة التعليمية المتعاظمة بين أجيالنا الحالية وبين العالم المتقدم، حيث قدرت مؤسسة بروكنز الأميركية تلك الفجوة بمقدار 100 سنة حضارية مقاسة بالمعايير المعتمدة في كل من أوروبا الشمالية وأميركا واليابان وأستراليا، وذلك وفق تقريرها الصادر في شهر أبريل 2015.
فما أحوجنا اليوم إلى أن نعمل بجد لمقابلة هذا البون الحضاري الشاسع، والتعامل مع تلك الفجوة التعليمية المتعاظمة بين العالم الأول وما تلاه من عوالم، حتى نستطيع أن نقضي على الإرهاب والتعصب، وأن نضمن مكانا لأجيالنا القادمة.