من الأمور التي يجب أن تحصل على اهتمام كل من يهتم بشئون الوطن هو محاولة تصور شكل العلاقة المقبلة بين السلطات الثلاث: التنفيذية، والتشريعية، والقضائية في أول تطبيق عملي عقب اختيار أعضاء البرلمان الجديد.
فور اختيار أعضاء البرلمان وعقب جلسته الأولى سوف تبدأ علاقة جديدة بقواعد جديدة نظمها وحددها الدستور الجديد الذي تم التصويت عليه مؤخرا.
هذا الدستور قام على جوهر فلسفة سياسية هي إحداث توازن بين السلطات الثلاث.
هذه الفلسفة التي نص عليها الدستور الجديد في أبواب ومبادئ واضحة تأخذ من قوة السلطة التنفيذية لرئيس الجمهورية وتعطيها إلى الحكومة من ناحية وإلى البرلمان المنتخب تارة أخرى.
أصبحت سلطة الرئيس مقيدة لصالح الحكومة، وأصبحت سلطة الحكومة مقيدة لصالح البرلمان.
أزمة الأزمات في الدستور الذي وافق عليه أغلبية من لهم حق التصويت بأغلبية ساحقة هو أنه لم يعد هناك سلطة واحدة قادرة ـ بسهولة ـ على حسم اتخاذ القرار.
قد يبدو ذلك ـ للوهلة الأولى ـ خيرا عظيما لإثراء العمق الديموقراطي وللحد من الانفراد بالسلطة، لكنه أيضا سوف يؤدي إلى تعطيل حسم القرارات وإلى إعطاء فرصة إلى مناخ من الشد والجذب الشديدين بين السلطات الثلاث.
وفي ظل عدم التعود على ممارسة الديموقراطية بشكل عملي، وفي ظل ضعف الوعي السياسي لدي ما يعرف بالنخبة السياسية قد نعايش أسوأ استخدام للسلطة السياسية المعطاة لكل سلطة من السلطات الثلاث.
إن أزمة مصر في العمل السياسي كانت دائما وما زالت وسوف تظل إلى فترة ليست بالقصيرة هي سوء استخدام سلطة إصدار القرار في معارك تقوم على الكيد السياسي والقيام بعمليات انتقامية بين كل فصائل القوى السياسية المتنازعة على السلطة، دون وجود درجة من النضج والوعي اللذين يؤهلان إلى إقامة وطن حقيقي مستقر.