• نوفمبر 24, 2024 - 2:47 صباحًا

الاتفاقية والاتحاد… بين المزايدة والنفاق!

 

قبل شهرين، كتبت أن أهم ما في النطق السامي لصاحب السمو الأمير في رمضان كان العبارة التالية: «علينا أن نتذكر ما ينعم به وطننا العزيز من نهج ديموقراطي متجذّر وثابت توارثه أهل الكويت يملك فيه الجميع حرية التعبير، وأن نفخر بدستورنا الذي ارتضيناه والذي هو محل اعتزازنا».
وأوضحت يومها أن كثيرين كانوا يتوقعون أن يتضمن الخطاب الملقى بعد أيام من تفجير مسجد الصادق «إجراءات ضرورة» تحدّ قليلا من الحريات العامة لمصلحة الأمن كون ذلك يحصل حتى في أعرق الديموقراطيات التي تشهد أزمات أمنية وتواجه تحدّيات إرهابية… لكن صاحب السمو كان يمتلك من الثقة والشجاعة وبعد النظر وعمق الرؤية ما جعله يؤكد الثوابت الكويتية في عز المحنة ويوقف جنوح البعض إلى الخلط بين استمرار النهج الديموقراطي واستمرار التحدي الأمني.
اليوم، عادت حليمة لعادتها القديمة. وصدحت أصوات نيابية مطالبة بتوقيع الاتفاقية الأمنية الخليجية، ولو بمرسوم ضرورة، لمواجهة التحديات الإرهابية التي عاشتها وتعيشها الكويت سواء ما يتعلق منها بالتفجيرات أو بما تم اكتشافه من خلايا وأسلحة ومتفجرات كفيلة بتدمير بلد ومجتمع، ثم زادت قوى جلّها من الإسلام السياسي مطلبا يقضي بالذهاب فورا إلى الاتحاد الخليجي.
حسنا، لنعد إلى الكلام الهادئ والمنطق… بل لنعد إلى عقلانية الفعل لا عاطفة ردود الفعل.
قلتها وأقولها وسأظل أقولها، الكويت مع أقصى درجات التعاون والتنسيق والعمل المشترك مع أشقائها في منظومة دول مجلس التعاون، وهذا الكلام ليس من باب الشعارات بل أثبتته التجارب. إنما نحن في زمن إن لم ندرك معه أن الاتفاقات والاتحادات التي لا تبنى على التقارب الاقتصادي – الاجتماعي فيستحيل أن تبنى على التقارب الأمني، ولا يعتقد أحد أن اتفاقية أمنية تتعارض في بعض بنودها مع دستورنا يمكن أن تكون جسرا إلى… الاتحاد الخليجي.
لا تحتاج الاتفاقية الأمنية الخليجية إلى مرسوم ضرورة كما يطالب بعض النواب، ولا نريدها أن تقر بصيغتها الحالية في مجلس الأمة. الشرط الوحيد كي تمر هو عدم تعارضها مع الدستور والقوانين الكويتية، فإذا زال هذا التعارض زال الاعتراض. وإذا كان بعض ممثلي الأمة يعتقدون أن إقرار الاتفاقية ضرورة لمنع أعمال إرهابية، أو للتنسيق بين دول الخليج في تفادي تفجير أو تخريب أو لاحقا في تبادل المعلومات التي تسهم في المتابعة والملاحقة والمحاسبة، فنقول إن ذلك كله يحصل اليوم بل يحصل أكثر منه ومن دون إقرار الاتفاقية الأمنية، والجميع يذكرون كيف أن السلطات السعودية تعاونت في المعلومات والتقصي والتوقيف مع الكويت قبل تفجير الصادق وبعده، كما يذكرون أيضا أن المعلومات التي مررتها الكويت إلى السعودية إثر التحقيق مع أفراد من «داعش» ساهمت في اعتقال مئات العناصر من هذا التنظيم في السعودية، والأمر نفسه يسري بين الكويت والبحرين وعمان والإمارات وقطر.
إذا كان المقصود بإقرار الاتفاقية الأمنية هذا النوع من التعاون فهو موجود وبشكل أكبر مما يتصوره المزايدون على الأمن، أما إذا كان الهدف الحدّ من المكتسبات الديموقراطية التي تظلل الكويت رغم كل ما تفرزه من إيجابيات وسلبيات فليسمحوا لنا بأن نعلن رفضنا. بل أقول أكثر من ذلك، وأنا أدري أن من سيفهم هذا الكلام بالعمق يملك عقلا وتحليلا ولو اختلفنا معه وأن من سيفهم هذا الكلام بسطحية يملك نية تحريضية: الاتفاقية الأمنية إذا أقرت لا تمنع تفجيرا إرهابيا… لكنها قد تسكت صوتا حرا.
ومن الاتفاقية إلى الاتحاد الخليجي… قبل أن ينخدع الناس ببيان قوى الإسلام السياسي المطالبة بالاتحاد فورا، أذكّر فقط ببعض النقاط كي تتضح الخطوط الفاصلة بين النفاق والمزايدة:
من بين هذه القوى من كان يعتبر نموذج الأنظمة الخليجية القائمة حاليا معيقا لما يسمى الربيع العربي، وكانوا يطرحون موضوع زيادة المشاركة الشعبية في الاتجاه الذي يخدم مشاركتهم هم في السلطة، وكانوا يحاولون بكل الوسائل هدم النموذج الكويتي الأبرز والأوضح في المشاركة الشعبية – كي لا أقول الوحيد بين دول الخليج – لأنه من وجهة نظرهم قاصر ولا يلبي الطموحات، لكنهم اليوم يطالبون بالاتحاد الفوري بين أنظمة بعضها لا يعرف الانتخابات… مع الاحترام الكامل لتجربتها الخاصة.
ومن بين هذه القوى من صار يشيد الآن بدور القوى الأمنية الكويتية في حفظ الأمن والنظام، وهو نفسه كان يعتبر هذه القوى نفسها، «قوى قمعية جائرة» لأنها منعت بعض التظاهرات في الشارع من أن تتحول إلى شغب يرافقه اقتحام للمؤسسات العامة والخاصة… يوم كان التظاهر يخدم أجندته السياسية.
ومن بين هذه القوى من يطالب بالاتحاد الخليجي فورا لمواجهة «الخطر الإيراني» الذي في رأيه يمثل التهديد الأساسي للمنطقة، ومن دون الدخول في تفاصيل المشروع الإيراني للمنطقة والتدخلات في الشؤون الداخلية لأكثر من بلد ومحاولات تصدير الثورة بطرق أخرى وتسعير الخطاب الطائفي وهي كلها معروفة ومكشوفة ومصدر إدانة وتنديد وتحتاج تكاتفا خليجيا لمواجهتها، فإن هذه القوى نفسها لم تكن تعتبر إيران التهديد الأساسي (أو خفت صوتها كثيرا) عندما كانت إيران متقاربة مع مصر في ظل قيادة الإخوان المسلمين لها، وعندما استقبل الرئيس مرسي الرئيس محمود أحمدي نجاد في القاهرة وعقد معه اتفاقات اقتصادية وسياحية وترتيبات أمنية.
ومن بين هذه القوى من استفاد من سقف الحرية في الكويت وحمل معولا يهدم به كل شيء، لنكتشف من خلال بياناته أننا نعيش في دولة قمعية، وأن حقوق الإنسان تحت الصفر، وأن السجون مليئة عن بكرة أبيها بسجناء الرأي، وأن التعذيب عندنا يفوق ما يحصل في غوانتانامو… وعندما اتخذت دول خليجية إجراءات أمنية ضد مواطنين لديها وضد كويتيين أيضا صمت هؤلاء صمت القبور لأن مصالحهم كبيرة معها.
هل اتضح الفاصل بين النفاق والمزايدة؟
يا جماعة، قلناها ونعيدها، الاتحاد الذي يبنى على هاجس أمني يمكن أن يزول بزوال الهاجس، والاتحاد الخليجي يجب أن يبنى ليس على تشابه النظم السياسية فحسب، بل تشابه الفكر السياسي الذي يقود هذه النظم، وترجمة تعابير هذا الفكر في الحياة العامة سياسيا واجتماعيا واقتصاديا، مع الاحتفاظ بخصوصية كل دولة.
ما يصيب أي دولة خليجية يصيبنا، وما نقوله هنا نابع من قناعتنا وليس مقررا علينا فرضته السلطة أو وزارة الإعلام، وهذه القناعة ما كان يمكن أن تتكون لولا دستورنا الذي أقره آباؤنا وارتضيناه جميعا طريقا لنا. وما نتمناه لأنفسنا نتمناه لأشقائنا أيضا مع الاحترام الكامل لخصوصياتهم… أما إذا كان المزايدون لا يؤمنون بالخيارات الحرة فهذه أزمة ما بعدها أزمة ليس على الصعيد الوطني فحسب بل على الصعيد الاجتماعي أيضا.

Read Previous

العبدالله: الكويت والسعودية فريق واحد في التفاوض مع إيران على ترسيم الحدود

Read Next

اللاجئ.. والوطن

0 0 votes
تقييم المقال
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments

Most Popular

0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x