من بين الأمور الإيجابية التي تستحق من أجلها، أن نشيد بالسلطتين معا، التنفيذية والتشريعية، مبادرتهما الأخيرة بعقد اجتماع موسع لمناقشة الأوضاع الأمنية، خصوصا أن الاجتماع لم يكن تقليديا أو لمجرد »«أداء الواجب» أو «إبراء الذمة»، بل أتيح لممثلي الأمة الحضور الاطلاع بشكل وافٍ على الأوضاع السياسية والأمنية في المنطقة، والتحديات التي تفرضها علينا، وكذلك الإحاطة بخطط وإستراتيجيات وزارة الداخلية لتعزيز الأمن والاستقرار في الكويت.
غير أن ما ينبغي التركيز عليه الآن هو ضرورة أن تتحول نتائج وتوصيات هذا الاجتماع إلى منهاج عمل دائم، يحكم حركة حياتنا، ويوجهها إلى كل ما هو إيجابي ومثمر… ونعني بوجه خاص الحديث عن أهمية تماسك الجبهة الداخلية، والحفاظ على لحمة النسيج الوطني، ورفع الجهوزية الامنية، وتعزيز التكاتف المجتمعي، فتلك بلا جدال ملامح وطن آمن ومجتمع مستقر. ومن المهم – كما ذكرنا – أن يتواصل تعزيز هذه القيم وترسيخها، وتوثيق مشاعر الارتباط والتمسك بها، لاسيما في ظل ما تشهده المنطقة من تحديات بالغة الخطورة تفرض علينا مزيدا من الترابط والوحدة والتلاحم في ما بيننا.
وإذا كنا نوقن بأن تلك ليست مهمة المجلس والحكومة وحدهما، وأن كل مؤسسات الدولة شريكة في حمل هذه الأمانة الثقيلة، فإن الموضوعية تفرض علينا أيضا أن نقرر بأن للسلطتين قصب السبق ودور الريادة في هذا المجال… ومن ثم يصبح من الطبيعي أن نطالبهما بأن يقدما القدوة والمثل للجميع في هذا الصدد… ولا حاجة لنا إلى أن نذكر هنا بأن إثارة أي نعرات طائفية أو قبلية، أو فئوية من أي نوع، تحت قبة البرلمان، تعد جريمة كاملة الأركان… وإذا كان سلوك مثل هذا مرفوضا من أي مواطن، فمن باب أولى أن يكون مرفوضا ومدانا ومستنكرا ممن يمثل شعبه في المجلس، ومن ينتظر منه أن يعمل على ترسيخ الثوابت الوطنية والمجتمعية، وليس تمزيقها والنيل منها.
لقد اطمأن النواب – ومن خلالهم وصلت هذه الطمأنينة إلى جميع المواطنين – على مستوى جهوزية المؤسسات الأمنية لمواجهة أي طارئ، وقدرتها على التعامل مع المستجدات والتحديات في المنطقة… وبالقدر نفسه أو أكثر فإنه يهمنا أن نطمئن إلى «جهوزية» الجبهة الداخلية، عبر تماسكها ووحدتها وترابط أبناء الوطن جميعا بعضهم مع بعض.
نعرف أن الكويت أكثر مناعة من أن تخترقها عوامل الهدم، أو محاولات بث الفتنة بين أبنائها، وهي التي لم تعرف الفتنة إليها سبيلا من قبل… لكن ذلك لا يعني بأي وجه أن نستسلم للدعة والراحة، أو نتخلى عن دورنا في مواصلة تكريس أمن الوطن واستقراره… ولذلك يجدر بنا أخيرا أن نتوجه إلى الإعلام الكويتي، الذي نعترف بأنه بقي بدوره قابضا على جمر الوطن، ورافضا تماما الانسياق وراء بواعث الفتنة ودواعي التمزق، وهو ما نأمل أن يواصل دوره في هذا الاتجاه نفسه، وأن يدرك جيدا أن الأمم والشعوب في العصر الحديث تؤتى من ناحية الإعلام، وربما تخترق وتسري إليها عوامل التحلل والفناء، عبر خبر كاذب أو شائعة مغرضة، أو مقال يدس السم في العسل.
إنها مسؤوليتنا جميعا أن نحافظ على وطن جميل أعطانا الكثير، ولايزال يعطينا، ولا يبخل علينا بشيء، وواجبنا أن نحميه وندرأ عنه كل ما يمكن أن يمسه بسوء، أو يشوه صورته الأجمل والأبقى في نفوسنا وقلوبنا.